تزداد صعوبة مساعي رجال الصلح المقدسيين لتطويق حوادث المشاجرات التي تصل حد القتل أحيانا في الأحياء العربية في القدس الشرقية غير الخاضعة للقانون الفلسطيني وحيث تتردد الشرطة الإسرائيلية في التدخل لفض الخلافات العشائرية.
ويشير رجال الصلح إلى ازدياد حدة العنف والمشاجرات في الشطر المحتل من المدينة وحتى استخدام الأسلحة النارية إذ قتل خلال الأشهر الستة الماضية ثلاثة فلسطينيين وجرح العديد وأحرقت وأتلفت ممتلكات. ويقول عطا الحلو من قرية حزما قضاء القدس «هناك فلتان أمني في القدس المحتلة ولا يطبق القانون الفلسطيني فيها، والوضع الاقتصادي والحالة النفسية للناس تؤثر في زيادة العنف بينهم».
ويضيف عطا الحلو «عندما تحدث عملية قتل أول ما نسعى إليه هو فرض هدنة لثلاثة أيام بين العائلتين وهي أصعب الأيام لأن الدم يكون في حالة فوران. نحاول أن نصبر المثكولين، ونبعد القاتل عن المنطقة وبعدها نجدد الهدنة لمدة عام وبعد انتهاء العام نحاول عقد صلح لكي تهدأ النفوس».
ويشير إلى أن «الشرطة الإسرائيلية لا تهتم إلا بالقضايا الأمنية»، ولا تتدخل إلا عندما يتم الإبلاغ عن حالة قتل. ويضيف «لو طبقت الشريعة الإسلامية في منطقة السلطة بحيث يحكم القاتل بالإعدام، لما وجدنا استهتارا بحياة الناس».
وجرت مشاجرة عنيفة يوم الجمعة الماضي استمرت حتى بعد ظهر الأحد الماضي. وبدأ الأمر بملاسنة بين شخصين بسبب «تشحيط» أحد الشباب بسيارته في منطقة السواحرة في القدس الشرقية، ثم تبع الأمر تضارب بين الشخصين وتطور بين عائلتيهما، ثم بين أهل الحيين اللذين ينتميان إليهما، السواحرة ووادي قدوم المجاور. وتبع ذلك إغلاق طرق وإلقاء حجارة وانتهى باستخدام أسلحة نارية ومقتل شخص وإصابة خمسة بجروح.
وقال الناطق باسم الشرطة الإسرائيلية شموليك بن روبي «عادة لا نتدخل في نزاع عائلي أو عشائري لأن أفراد الشرطة يصبحون هدفا لحجارة المتشاجرين، لكن في هذه الحالة كان علينا التدخل لوقف القتال على رغم المجازفة، ولقد ساعدنا الطرفين بتدخلنا لأن النار كانت ستحرق كل المنطقة».
وأشار شموليك «ببساطة ثقافة العنف لحل المشاكل بالقوة هي السائدة بين الناس، إنهم يستخدمون العصي والجنازير والسكاكين ثم تتطور الأمور إلى استخدام الأسلحة النارية، ونحن نبحث عن الفاعلين». وانتهت المشاجرة العنيفة يوم الأحد الماضي بمقتل يحيى السلايمة (38 عاما) وهو من حي قدوم وأصيب خمسة أشخاص إصابة أحدهم خطيرة. وتدخلت الوحدات الخاصة الإسرائيلية والشرطة الإسرائيلية، ومروحيات الشرطة لوقف الاقتتال الذي شبهته وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنه «انتفاضة» بين الفلسطينيين.
وأغلق شارع صلاح الدين الرئيسي في مدينة القدس، وشارع السلطان سليمان على إثر إحراق أحد المحلات وباتت المدينة وكأنها خاضعة لمنع التجول.
ويقول المحافظ عدنان الحسيني «الوضع غير طبيعي كلما حصلت مشكلة يتعطل اقتصاد المدينة ليوم أو يومين، ويمنى أصحاب الأعمال بخسائر فادحة، وتزهق أرواح الناس ويفر الجناة، وتشعر الناس بالخوف والرعب». ويضيف متسائلا «إلى أين وصلنا؟»
ويشدد المحافظ «على وجود فلتان وعدم انضباط في المجتمع، وهذا بسبب الضغط الذي يؤثر على تصرفات الناس في القدس، والخلط الثقافي حيث تؤثر إسرائيل سلبا على ثقافتنا، ويتمثل ذلك في تبني مفهوم مغلوط للحرية مثل عدم احترام الكبار والأخذ برأيهم».
ويقول «إن وجهاء المدينة ورؤساء العائلات لا يستطيعون السيطرة على أبنائهم، الكبار يقررون شيئا وشبابهم يتصرفون بمعزل عنهم، والناس يعانون من ضغط فظيع وهم عاجزون عن تربية أولادهم، إنها حلقة مفرغة». ويضيف «هناك فساد في الأخلاق، خذوا مثلا وقوف الشباب على باب مدارس البنات ومضايقتهم، لم يكن هذا الأمر موجودا في بلدنا، ثمة فساد في المجتمع وانعدام التربية. لقد كانت خطبة يوم الجمعة عن هذا الموضوع ولم يعد خافيا على أحد».
ويقول الحاج عبدالسلايمة وهو أحد رجال الصلح في المدينة «في ظل الاحتلال وغياب السلطة الفلسطينية وسلطة القانون أصبح كل شيء في البلد مباحا، وأصبح من يقود البلد فئة ضالة مضللة لها حساباتها الخاصة في إثارة الفتن والقلاقل لغاية في أنفسهم».
ويوضح عبدالسلايمة «هذه الفئة لا ترتاح إلا إذا وجدت المدينة غير مستقرة ومن دون أمان اجتماعي، يريدون أن تغلي المدينة وتدخل في أتون النزاعات العائلية ليحول الجهد والتفكير إلى الوضع الداخلي الفلسطيني ويترك المجال للجهات الأخرى (في إشارة إلى الإسرائيليين) لتعمل على الجبهات الأخرى». ويعتبر عبدالسلايمة أن معظم المشاجرات تبدأ عادة من قصة تافهة ويذهب ضحيتها أبرياء.
ويرى الإعلامي محمد صبيح من السواحرة «هناك طابور خامس في المدينة يعبث في أمن المواطنين ويجعل أي مشكلة تكبر مثل كرة الثلج، لا نعرف كيف تكبر وما هي نتائجها». وفي إشارة إلى المشكلة الأخرى، يقول محمد صبيح إنه «لو استمرت تداعياتها بين السواحرة وواد قدوم وانجرّ الناس للفتن بشكل عاطفي وانفعالي فقد تؤدي إلى تهجير نحو 120 ألف مقدسي في هذه الأحياء. هذا ما فعلته الشرطة الإسرائيلية بين حمولتي الجواريش وكراجه في مدينة الرملة بحجة العنف، وأسكنتهم خارج المدينة، وأقامت مكانهم أحياء يهودية».
ويطالب صبيح بتدخل جدي من قبل السلطة الفلسطينية التي «عليها أن تعي خطورة ما يجري في القدس وفي أحيائها».
العدد 2703 - الجمعة 29 يناير 2010م الموافق 14 صفر 1431هـ