صدر مؤخرا في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب يتناول سيرة المناضل البحريني أحمد الشملان بعنوان «أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» من تأليف زوجة المناضل الشملان فوزية مطر. صدر الكتاب في 1024 صفحة من القطع الكبير، ويضم أحد عشر فصلا متبوعة بملحقي صور ووثائق.
خلال دراسته في بغداد تبوأ أحمد الشملان موقعا قياديا في التنظيم الطلابي وكان كثير التنقل وفقا للمهام التنظيمية، وفي إطار عضويته في لجنة العلاقات الخارجية للحركة الثورية الشعبية رشح أحمد الشملان لعضوية أول وفد يزور الاتحاد السوفياتي باسم الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل. يقول الشملان:» كنتُ حريصا طوال الزيارة على الحديث مع المرافقين المتحدثين بالعربية والاستفسار منهم عن التجربة الاشتراكية السوفيتية».
ويبدو أن زيارة أحمد الشملان للاتحاد السوفيتي قد شكلت واحدا من العوامل المؤثرة فيما طرأ لاحقا من تغيرات في رؤيته الفكرية والسياسية حول الموقف من الاتحاد السوفياتي وسياسته وعلاقاته العالمية ما جرَّ لاختلافه مع موقف الرفاق في الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل في أعقاب زيارته الثانية لظفار. وقد ذكر أحمد أن اطلاعه على التجربة السوفياتية ومناقشاته هناك دفعته لتوسيع قراءاته عن تلك التجربة من حيث التطبيق الاشتراكي والموقف السياسي على الصعيد العالمي.
في منتصف العام 1969 دخل أحمد الشملان - العائد لتوّه من الاتحاد السوفياتي والمتأثر إيجابا بالتجربة السوفياتية - ظفار في إطار مهام تنظيمية بالمنطقة الغربية المحررة، وهناك تلمّس الشملان الخط الفكري والسياسي الذي كانت تتبناه الجبهة الشعبية لتحرير الخليج المحتل في المناطق الظفارية والمنحاز انحيازا مفرطا للخط الماوي والولاء للطروحات الصينية وتطبيقها في الممارسات الثورية للجبهة. وقد تكوّن لديه حينها رفض مبكر لذلك الخط ولأحادية التربية الفكرية والسياسية في اتجاه واحد لا غير.
كما أسهم تشعب اطلاع الشملان مثلما أسهمت الأحداث والتجارب النضالية اللاحقة التي خاضها في تنامي خط فكري وسياسي أخذ يتبدى مغايرا للخط الذي كانت تتبناه الحركة الثورية الشعبية وواجهتها الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل فيما يتعلق بتفجير بؤر ثورية مسلحة في عموم المنطقة على وجه الخصوص. لقد تبنى المؤتمران الأول والثاني للحركة الثورية الكفاح المسلح أسلوبا أساسا في النضال للإطاحة بالاستعمار والرجعية، واعتبر المؤتمر الأول ساحة عمان هي الساحة المؤهلة حينذاك لممارسة الثورة المسلحة ويجب تسخير إمكانيات المنطقة كلها لهذه الساحة. واعتبر ساحة عمان الداخل البؤرة الأساسية القادرة على تفجير الأوضاع. ثم أتى المؤتمر الثاني ليؤكد فكرة البؤرة الثورية وضرورة العمل الجاد والسريع لتفجير الكفاح المسلح في عمان الداخل وخلق بؤر ثورية في عموم المنطقة ترتبط مع بعضها البعض لتصعيد النضال الوطني المسلح ضد الاستعمار.
وتنفيذا لتلك التوجهات تكثف الإعداد العسكري وإعداد الكوادر لتفجير أول بؤرة ثورية مسلحة في عمان الداخل، جرى استدعاء عدد من الكوادر الحزبية والجبهوية للانخراط في العملية القادمة وتم اختيار دبي لمرحلة الإعداد والانطلاق لعمان الداخل، وتم استدعاء أحمد الشملان في الإطار ذاته.
كان الشملان قد جاء لتوّه من تجربتين شبه متناقضتين: زيارته للاتحاد السوفياتي التي أثرت فيه كثيرا وأصبح مأخوذا فعلا بالتجربة وبالسياسة السوفياتية، وزيارته لمناطق الثورة بظفار بخطها الثوري الماوي المتطرف الذي وجد عليه الثوار في ظفار، وقد تكوَّن لديه رفض داخلي لذلك الخط المتطرف. في المحصلة عايش أحمد قلقا فكريا وسياسيا كبيرا، وبحال غير مستقرة غادر إلى دبي محفوفا بغموض وسرية المهمة التي يسافر لأجلها.
في تلك الظروف واجه أحمد الشملان جملة من الضغوط النفسية القاسية التي نتجت عن صراع داخلي بين مدى القناعة بالخط والاستراتيجية السياسية ومدى القدرة على اتخاذ قرار شخصي في ضوء وضع تنظيمي شديد السرية والمركزية. يقول الشملان:» كان يدور بداخلي صراع وإرباك وتردد حول المنطلقات الفكرية والإستراتيجية التي تبلورت في ضوئها مهمة تفجير البؤرة المسلحة في عمان الداخل بل وحول مدى اقتناعي بالمهمة ذاتها وقبولها، وأوقد أوتار الصراع في داخلي ترددي المبدئي والفكري حول المهمة وحول كثير من الطروحات وحرصي - في الوقت ذاته - على الامتثال للقرارات القيادية بمشاركتي الرفاق فيما أوكل لنا من مهام، رغم ذلك خضت عدة مناقشات مع سكرتير المكتب السياسي الرفيق أحمد حميدان حول مسألة الكفاح المسلح والبؤر الثورية المسلحة في عموم الخليج».
حالة الصراع الفكري أفرزت لدى الشملان ضغوطا نفسية وعصبية أوصلته لحالة مرضية وقع في براثنها خلال فترة الانتظار في دبي. تعرض أحمد الشملان لحالة انهيار نفسي وعصبي شديد كان من تداعياته اختلال وعيه وغيابه المتقطع وفقده الجزئي لذاكرته وما رافق ذلك من هذيان وهلوسة. ومما فاقم الوضع القبض عليه وهو رهن حالة الانهيار المذكور وتعريضه لتحقيقات وتعذيب وحشي، ثم رميه في سجن نايف.
في 19 مارس/ آذار 1970 نُقل أحمد الشملان مريضا إلى البحرين، وبالجهد المتواصل من الأهل والأصدقاء تمكن الشملان وفي زمن قياسي (أقل من شهر ونصف على أكثر تقدير) من العودة لذاته. وفي أواخر ربيع العام 1970 كان أحمد الشملان قد تعافى بشكل نهائي وعاد مباشرة إلى فعله النضالي حيث سافر إلى بيروت لحضور المؤتمر الثالث للحركة الثورية الشعبية ممثلا للبحرين.
تبنى المؤتمر الثالث فكرا أيديولوجيا وسياسيا عاما عبّر في غالبه عن محتوى المسار الإيديولوجي والسياسي الذي كان عليه أحمد الشملان في تلك المرحلة. نستخلص أهم مفردات التوجهات الإيديولوجية والسياسية للمؤتمر من تقريره السياسي ومن وثيقة « الوضع الراهن ومهماتنا».
طرح التقرير السياسي أن الماركسية اللينينة هي زاد لا غنى عنه في حياة النضال والمناضل وأن الإقبال الواسع على قراءة الماركسية من ميزات تلك المرحلة، ورأى التقرير أن الصراع الطبقي في العالم يدخل مرحلة جديدة باتساع نمو حركات التحرر الوطني وأن المعسكر الاشتراكي يمثل رأس الحربة في نضال الشعوب المضطهدة ضد الإمبريالية. وذكر التقرير أن قيادة الاتحاد السوفياتي تتبع نهجا تحريفيا متمثلا في أطروحات التعايش السلمي وأن الظاهرة التي تميز ذلك العصر هي ولادة اليسار الجديد.
وقد علّق الشملان على النقاط المطروحة أعلاه بقوله:» لم أكن أعتبر الاتحاد السوفياتي تحريفيا منذ ما قبل المؤتمر، لكنني لم أكن أُمثل سوى رأي واحد بين الأعضاء، من جانب آخر سعيتُ لتثبيت نقاط في التقارير تؤكد مكانة المعسكر الاشتراكي على المستوى العالمي ودوره في دعم حركة التحرر العربية ونقاط حول تبني الفكر الماركسي وتأسيس حزب البروليتاريا».
أما وثيقة «الوضع الراهن ومهماتنا» فحددت الطبيعة الخاصة للمرحلة وسماتها على الصعيد الإقليمي لمنطقة الخليج فذكرت أن المنطقة تواجه ركاما تاريخيا للوجود الاستعماري وانحسارا للاستعمار التقليدي مع دخول أمريكي لحلبة الصراع في المنطقة، وأن المخططات الإمبريالية تأخذ اتجاهين سياسي واقتصادي. وحول وضع المجتمعات الخليجية رأت الوثيقة أن التركيب الطبقي للمجتمع آخذ في التحول نحو الطابع البرجوازي المحض، وأن جملة المشاكل الاجتماعية الاقتصادية لم تحل إطلاقا، وذكرت الوثيقة أن القوى الطبقية التي ستقف في صفنا هي من اليسار إلى اليمين بدءا من العمال وصولا للبرجوازية الوطنية. وانتهت الوثيقة بالتأكيد على أن عصرنا هو عصر انتصار الاشتراكية، وأن حركات التحرر الوطني تجد دائما حليفا وثيقا هو المعسكر الاشتراكي، وأن فصيل الحركة الثورية الشعبية يطمح أن يكون حزبا ماركسيا بروليتاريا هدفه النهائي هو تحقيق ديكتاتورية البروليتاريا وبناء المجتمع الاشتراكي.
في اجتماعات الدورة الأولي للجنة المركزية للحركة الثورية الشعبية التي عقدت ببيروت في فبراير/ شباط 1971 برزت اختلافات أحمد الشملان مع بعض الرؤى الفكرية والسياسية لعدد من الأعضاء في اللجنة المركزية فيما يتعلق بالعلاقة مع جبهة التحرير الوطني وآفاق العمل المشترك معها. ومنذ مارس 1971 دخل الشملان ظفار في زيارته الثانية إلى المناطق المحررة وبلغ في هذه المرة أقصى الشرق الظفاري. خلال زيارته أعد الشملان دراسة ميدانية بعنوان «الوضع الطبقي في ظفار» وناقش نتائجها مع كوادر الجبهة ومقاتليها فرفضوها، كما دخل في مناقشات حول الخط السياسي للجبهة وأبدى انتقادات للتطرف في الولاء للفكر الماوي والثورة الصينية، فهوجم واتهم بالتحريفية.
وتعمق الاختلاف في الرؤى مع اللجنة المركزية في دورتها الاستثنائية أغسطس/ آب 1971 خاصة بعد رفض عديد النقاط في البرنامج الفكري التثقيفي الذي وضعه الشملان وتوجيه انتقادات واتهامات له بالانحياز لخط فكري وسياسي يختلف عن خط الحركة والجبهة.
بناء على كل ذلك أخبر الشملان في يناير/ كانون الثاني 1972 عددا من الرفاق في اللجنة التنفيذية بقرار تركه صفوف الحركة الثورية والجبهة الشعبية وغادر إلى أرض الوطن.
العدد 2701 - الأربعاء 27 يناير 2010م الموافق 12 صفر 1431هـ
روح ظفار
إن هذه الصفحة أعادت بي الذكريات لعهد الرفاق و لقصص أهالينا و حكايتهم مع الحرب ضد الظلم و لكن هناك سؤال واحد فقط لماذا هذا الاهتمام المتواصل من البحرينين بالجبهة الشعبية في ظفار