العدد 2699 - الإثنين 25 يناير 2010م الموافق 10 صفر 1431هـ

الصين وغوغل... الدولة والشركة!

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

وجهت صحيفة «الشعب» الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني سيلا من الاتهامات للولايات المتحدة بدأت بقولها إنها «حشدت لواء من مخترقي الانترنت وباستغلال مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر ويوتيوب لتأجيج التوتر في إيران»، وعرجت على اعتبارها أنها تستغل «سيطرتها على الانترنت تحت اسم حرية الانترنت»، وصولا إلى اعتبار ما تصفه أميركا بحرية التعبير، أنه لا يعدو كونه «دسائس سياسية مكشوفة».

وتصاعدت حرارة المعركة كي تصل إلى تهديد الصين الولايات المتحدة من احتمال «تضرر علاقات القوتين العالميتين على خلفية أزمة عملاق الإنترنت غوغل في الصين، التي دفعت واشنطن لانتقاد السياسة الصينية لإدارة الإنترنت واتهامها بأنها تقيد الحرية على الشبكة العنكبوتية».

اندلعت تلك المعركة إثر اتهام غوغل كشركة، الصين كدولة بضلوعها في «هجمات إلكترونية تعرضت لها خوادم غوغل و34 شركة أخرى انطلاقا من بكين، واستهدفت بصورة خاصة عناوين البريد الإلكتروني لناشطين لحقوق الإنسان في الصين وأوروبا والولايات المتحدة». وردت بكين على لسان مسئول في وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات لم تكشف عن اسمه قوله إن «الاتهام بان الحكومة الصينية شاركت في أي هجوم إلكتروني سواء بطريقة علنية او غير علنية، لا أساس له من الصحة ويهدف إلى تشويه سمعة الصين... ونحن نعارض ذلك بشدة».

ووصل الأمر إلى درجة تدخل الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه مباشرة عندما غبر «عن قلقه من الجدال بين بكين وغوغل».

وفي البداية حاولت الصين اللجوء إلى سياسة التصعيد، معتمدة على حرص غوغل على عدم التفريط في الاستثمارات التي تمتلكها في الصين، ومن بين أهمها 360 مليون مستخدم للإنترنت، نسبة عالية منهم تستفيد من الخدمات التي تقدمهات غوغل، لكنها عادت وأخذت بسياسة التهدئة، سواء إزاء غوغل أو الولايات المتحدة، كما جاء على لسان المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية ياو جيان، الذي أكد إن هناك «الكثير من السبل لحل مشكلة غوغل»، مشيرا، في الوقت ذاته، إلى أن «أي قرار تتخذه غوغل لن يؤثر على العلاقات التجارية الصينية الأميركية والعلاقات الاقتصادية إذ إن الجانبين لديهما كثير من السبل للتواصل والتفاوض مع بعضهما... لكننا لدينا ثقة بشأن تطوير علاقات تجارية سليمة مع الولايات المتحدة».

تعبر معركة غوغل مع الصين، دون الحاجة للدخول في دهاليز تحريات تقنية تدلل على حقيقة ضلوع الصين في الهجوم على منصات غوغل أم براءتها من ذلك وتحول المعركة من مجرد خلاف بين شركة، مهما وصل حجمها ودولة، إلى حرب بين دولتين عظميين، عن الحقائق التالية:

1. ازدياد حضور قضايا حقوق الإنسان في حياتنا اليومية. فليس من الحقيقة في شيء ما تحاول أجهزة الإعلام العربية الترويج له من وضع تلك القضايا في أسفل درجات سلم اهتمامات الدول، سواء على النطاق الداخلي، او على مستوى العلاقات الدولية. الحقائق على الأرض تدحض إدعاءات الإعلام الرسمي العربي، وتفرض نفسها بقوة وترفع صوتها مؤكدة أن حقوق الإنسان هي الأخرى تفرض نفسها وبقوة، على العلاقات كافة بما فيها تلك القائمة بين دولة وشركة وفي قطاع قد يبدو انه أبعد ما يكون عن قضايا مثل حقوق الإنسان، والذي هو قطاع تقنية المعلومات والاتصالات.

2. تغلغل التكنولوجيا وبعمق في مختلف الأنشطة الإنسانية، فلم تعد تقنية الاتصالات والمعلومات مجرد مجموعة من الأجهزة المترابطة عن طريق الأميال من شبكات الأسلاك المعدنية او الضوئية، تسيرها حفنة من البرمجيات والتطبيقات. لقد تحولت تلك التقنية كي تصبح جزءا مرافقا للسلوك الإنساني والعلاقات سواء في دائرتها الفردية الضيقة، او في فضائها العالمي الرحب.

ولتقريب الصورة من ذهن القارئ الكريم، بوسعه تصور حياته اليومية دون هاتف نقال أو بدون بريد إلكتروني، أو بعيدا عن الشبكة العنكبوتية العالمية. حينها سيكتشف وبمنتهى السهولة مدى العزلة التي سيعاني منها مهنيا او اجتماعيا.

لقد تحول البريد الإلكتروني سوية مع الرسائل النصية القصيرة إلى شبكة اجتماعية تسير نسبة عالية من العلاقات الإنسانية وتتحكم في الكثير من الاتفاقات التجارية.

3. الأهمية التي باتت تحتلها منتجات وخدمات اقتصادات المعرفة في العلاقات الدولية، فشركة مثل غوغل التي لا يتجاوز عمرها المهني عقدا من الزمان، أصبحت اليوم قادرة على وضع أسس نظريات جديدة في الاقتصاد.

ليس هذا فحسب، بل باتت قادرة أيضا وبشكل مباشر على تعميق أو توتير العلاقة بين دول عظمى من مستوى الصين والولايات المتحدة.

ثقل هذا الحضور بات أكثر أهمية وتأثيرا من تلك التي تتمتع بها شركات عملاقة تعمل في قطاعات النفط أو الأسلحة. ولعل هذا مدعاة كي تلتفت الدول العربية، بما فيها تلك الصغيرة كي تشجع الشركات التي تنتمي، أو يمكن لها ان تنتمي لهذا الاقتصاد، بدلا من التشبث بتلك التي تنتمي للاقتصادات التقليدية.

لقد أصبح الكيف، وطبيعة المنتجات والخدمات هي التي تحدد حجم الشركات في السوق، ومن ثم في العلاقات الدولية، وليس الحجم والمردود المالي النقدي، دون التقليل من أهمية هذا الأخير.

هذا النموذج هو شكل من أشكال العلاقة بين شركة ودولة تستحق التمعن والدراسة لأن فيها الكثير من العبر التي يمكن أن نستقيها كي نستقرئ معالم العلاقات المحتملة في العقود القريبة القادمة.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2699 - الإثنين 25 يناير 2010م الموافق 10 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً