العدد 2699 - الإثنين 25 يناير 2010م الموافق 10 صفر 1431هـ

دبلوماسيتنا التقليدية والتكنولوجيات الجديدة

خطاب وزيرة الخارجية الأميركية عن حرية الإنترنت (3 )

هيلاري رودام كلينتون comments [at] alwasatnews.com

لن يكون من السهل إعادة تراصف سياستنا وأولوياتنا. لكن التكيّف مع التكنولوجيا الجديدة نادرا ما يكون سهلا كذلك. مثلا عندما تم إدخال التلغراف، أصبح ذلك مصدر قلق عظيم للعديدين في السلك الدبلوماسي، إذ كان احتمال تسلم تعليمات يومية من عواصم الدول أمرا غير مستحب في الإجمال. ولكن تماما كما أتقن دبلوماسيونا في نهاية الأمر طريقة استعمال التلغراف، فإنهم يفعلون الآن الشيء ذاته لتسخير مقدرات هذه الأدوات الجديدة.

ومن دواعي اعتزازي أن وزارة الخارجية تعمل في الوقت الحاضر في أكثر من 40 دولة لمساعدة الأفراد الذين أسكتت أصواتهم حكومات قمعية. إننا نجعل هذه المسألة كأولوية في منظمة الأمم المتحدة أيضا، وقد شملنا حرية الإنترنت كأحد المكونات في القرار الأول الذي أدخلناه بعد رجوعنا إلى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

ونحن ندعم أيضا تطوير أدوات جديدة تمكن المواطنين من ممارسة حقهم في حرية التعبير من خلال الالتفاف على الرقابة ذات الدوافع السياسية. نعمل للتأكد من وصول تلك الأدوات إلى الناس الذين يحتاجون إليها، وبلغات محلية، سوية مع التدريب الذي يحتاجون إليه للوصول إلى الإنترنت بأمان. لقد كانت الولايات المتحدة منذ بعض الوقت ولاتزال تساعد في هذه الجهود، مع التركيز على تنفيذ هذه البرامج بكفاءة ونجاعة قدر الإمكان. ويجب أن يفهم الشعب الأميركي والدول التي تفرض رقابة على الإنترنت بأن حكومتنا ملتزمة بمساعدتها لتعزيز حرية الإنترنت. إننا نريد تأمين الوصول الآمن وغير المقيد للمعلومات إلى عدد أكبر من الناس في أكبر عدد من الأماكن.

إننا نريد أن نضع هذه الأدوات في أيدي الذين سيستخدمونها لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان ولمكافحة تغير المناخ والأوبئة، ولتكثيف الدعم العالمي لهدف الرئيس أوباما نحو الوصول إلى عالم خال من الأسلحة النووية، ولتشجيع التنمية الاقتصادية المستدامة التي تنتشل الناس من الحضيض وترقى بهم إلى أعلى.

ولهذا السبب أعلن اليوم أنه خلال السنة التالية، سوف نعمل مع شركاء من القطاع الصناعي، ومن الميادين الأكاديمية، ومن منظمات غير حكومية من أجل إنشاء جهد دائم يستعمل قوة تكنولوجيات الارتباط ويطبقها على أهدافنا الدبلوماسية. ومن خلال الاعتماد على الهواتف المحمولة، وتطبيقات التموضع الخرائطي، وغير ذلك من التكنولوجيات الجديدة، نستطيع أن نمكّن المواطنين، وأن نرفع من شأن دبلوماسيتنا التقليدية. ونستطيع أيضا أن نعالج النواقص في السوق الحالية للابتكارات.

اسمحوا لي أن أعطيكم مثالا واحدا: لنفرض أنني أريد أن ابتكر تطبيقا للهاتف المحمول يسمح للناس بتقييم الوزارات الحكومية، بما في ذلك وزارتنا، استنادا إلى مدى تجاوبها، وكفاءتها، ومستوى الفساد فيها. الأجهزة المطلوبة للتنفيذ العملي لهذه الفكرة موجودة بين أيدي بلايين من المستعملين المحتلمين. وسوف يكون تطوير ونشر البرامج التشغيلية غير مكلفين نسبيا.

ففي حال استغل الناس هذه الأداة فقد يساعدنا ذلك في استهداف الإنفاق على المساعدات الخارجية، وتحسين حياة الناس، وتشجيع الاستثمار الخارجي في البلدان التي تحظى بحكومات مسؤولة. لكن في الوقت الحالي، لا يملك مطورو تطبيقات الهاتف المحمول أي حافز مالي لمتابعة ذلك المشروع بمفردهم، وتفتقر وزارة الخارجية إلى آلية تجعل ذلك ممكن التحقيق. ولكن من المرجح جدا أن تساهم هذه المبادرة في حل تلك المشكلة وأن توفر عائدات على المدى الطويل من استثمارات متواضعة في الابتكارات. سوف نعمل مع خبراء لإيجاد أفضل بنية لهذا المشروع وسوف نحتاج إلى مواهب وموارد شركات التكنولوجيا والمنظمات التي لا تبتغي الربح من أجل الحصول على أفضل النتائج. وهكذا بالنسبة لكم أنتم الموجودون في هذه القاعة الذين حباكم الله بالخبرة والموهبة، اعتبروا أنكم مدعوون لمساعدتنا.

وفي غضون ذلك، هناك شركات وأفراد ومؤسسات تعمل على أفكار وتطبيقات قد تحقق تقدما لأهدافنا الدبلوماسية والتنموية. وسوف تطلق وزارة الخارجية مسابقة ابتكار لإعطاء هذا العمل دفعة تشجيعية فورية. سوف نطلب من الشعب الأميركي إرسال أفضل الأفكار لديهم حول التطبيقات والتكنولوجيات التي تساعد على تحطيم حواجز اللغة، التغلب على الأمية، وربط الناس مع الخدمات والمعلومات التي يحتاجون إليها. فمثلا، طورت شركة مايكروسوفت نموذجا أوليا لطبيب رقمي قد يساعد في توفير العناية الصحية في مجتمعات أهلية ريفية معزولة. إننا نريد أن نرى أفكارا أكثر كهذه؛ وسوف نعمل مع الفائزين في المباراة ونزودهم بمنح لمساعدتهم على تكوين أفكارهم وفق المعايير المطلوبة.

إن هذه المبادرات الجديدة ستكون متممة لقدر كبير من العمل المهم الذي أنجزناه على مدى العام المنصرم. ولأجل خدمة أهدافنا الدبلوماسية وأهداف دبلوماسيتنا، قمت بتشكيل فريق من الموظفين ذوي المواهب والخبرات كي يقود جهودنا الخاصة بفن إدارة شؤون الدولة في القرن الحادي والعشرين. وقد جال أعضاء ذلك الفريق على العالم كي يساعدوا الحكومات والجماعات على الإفادة من منافع تكنولوجيات الارتباط بالشبكات. وقد أطلق هذا الفريق مبادرة «المجتمع المدني 2.0» أو Civil Society 2.0، لمساعدة المنظمات الشعبية على الدخول إلى العصر الرقمي. وقد أسس الفريق برنامجا في المكسيك غرضه المساعدة في مكافحة العنف المتصل بنشاطات المخدرات وذلك بتمكين الأفراد من تقديم التقارير التي لا يمكن تقفي أثرها لأوساط موثوقة تجنبا للأعمال الثأرية ضدهم. كما استقدم الفريق الخدمات البنكية على الهواتف الجوالة إلى أفغانستان فيما يتابع أفراد هذا الفريق الآن مشروعا مماثلا في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وفي باكستان أنشأ أعضاء الفريق شبكة اجتماعية على الهاتف الجوال هي الأولى في تاريخ البلاد دعوها بـ «صوتنا» أو Our Voice أثمرت عشرات ملايين الرسائل وربطت معا باكستانيين من صغار السن ممن يرغبون بالتصدي للتطرف العنفي.

وخلال فترة زمنية قصيرة خطونا خطوات جبارة ومهمة لترجمة وعود هذه التكنولوجيات إلى نتائج تحقق الفوارق. لكن لايزال أمامنا قدر كبير من العمل الذي ينبغي إنجازه. وفي الوقت الذي نعمل فيه سوية مع القطاع الخاص والحكومات الأجنبية لنشر أدوات فن إدارة شؤون الدولة في القرن الحادي والعشرين، علينا أن نتذكر مسؤوليتنا المشتركة المتمثلة في صون الحريات التي تحدثت عنها هذا اليوم. ونحن نؤمن بأن مبادئ مثل حرية المعلومات ليست مجرد سياسة صائبة فحسب، وليست سياسة متصلة بطريقة ما بقيمنا الوطنية فحسب، بل هي كذلك مبادئ عالمية وهي جيدة للأعمال.

وباستخدام مفردات السوق، إن شركة اكتتاب عام في تونس أو فيتنام تعمل في بيئة من الرقابة ستكون لها قيمة أقل من مثيلتها في مجتمع حر. وإذا لم يتوافر لصناع القرار في الشركات الوصول لمصادر عالمية من الأخبار والبيانات، ستتلاشى ثقة المستثمرين بقرارات هؤلاء في المدى البعيد. والبلدان التي تمارس الرقابة على الأخبار والبيانات يجب أن تسلم بأنه من منطلق اقتصادي لا يوجد أي تمييز بين فرض رقابة على الكلام السياسي ورقابة على الكلام التجاري. فإذا كانت مؤسسات الأعمال في بلدانكم ممنوعة من الوصول إلى أي من نوعي المعلومات هذه فإنه حتما سيكون لذلك أثر على النمو.

وبصورة متزايدة بدأت الشركات الأميركية تخصص حيزا أكبر في قرارتها التجاربة لقضية الإنترنت وحرية المعلومات. وأرجو أن يعير منافسوها والحكومات الأجنبية اهتماما أكبر بهذا الاتجاه. وكان آخر حادث طال محرك بحث غوغل قد استأثر بقدر كبير من الاهتمام ونحن نتوقع من السلطات الصينية أن تجري مراجعة وافية لاقتحامها الإلكتروني الذي دفع بغوغل أن تتخذ القرار الذي اتخذته. كما نتوقع أن يكون ذلك التحقيق ونتائجه شفافة.

لقد كانت شبكة الإنترنت مصدر تقدم هائل في الصين وهي شبكة رائعة. وهناك عدد كبير للغاية من الصينيين المرتبطين بالإنترنت الآن. بيد أن الدول التي تقيد حرية الوصول إلى المعلومات أو تخرق الحقوق الأساسية لمستخدمي هذه الشبكة إنما تجازف بعزل نفسها عن التقدم في القرن المقبل. وطبعا تتباين وجهات نظر الولايات المتحدة والصين حيال هذه المسألة ونحن ننوي التطرق إلى هذه الخلافات بصراحة وبصورة مستمرة وذلك في إطار علاقاتنا الإيجابية والتعاونية والشاملة.

وفي نهاية الأمر، فهذه المسألة لا تدور حول مجرد حرية المعلومات بل حول نوعية العالم الذي نبتغيه ونوعية المعمورة التي سنقطنها. وهي تتعلق بما إذا كنا نعيش على كوكب ذي شبكة إنترنت واحدة وذي أسرة عالمية واحدة وجسم معارف واحد يفيدنا ويوحد بيننا جميعا، أو بخلاف ذلك، أن نعيش على كوكب مجزأ يكون فيه وصول الفرد إلى المعلومات معتمدا على مكان إقامته أو نزوات ممارسي الرقابة على المعلومات.

إقرأ أيضا لـ "هيلاري رودام كلينتون"

العدد 2699 - الإثنين 25 يناير 2010م الموافق 10 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً