يبدأ عام جديد، ولكن حملة «ماليزيا 1» التي بدأت العام الماضي، والتي تشجع التعددية الثقافية والتفاهم بين الجاليات الدينية والعرقية في كافة أنحاء ماليزيا، ما زالت تندفع بقوة.
تقترح مجرد الحاجة لهذا النوع من الحملة العامة من أجل الوحدة، والعنف الذي انفجر مؤخرا مع مطلع السنة، أن هناك أمرا خطيرا تعاني منه ماليزيا: لقد استحوذت علينا قضايا تافهة تتعلق بالعرق والدين.
أحضر المسلمون السنة الماضية رأس بقرة مقطوع إلى أحد المساجد للتعبير عن غضبهم لبناء معبد هندوسي قريب. وقبل أسابيع قليلة، ألقيت مواد مشتعلة في كنائس Metro Tabernacle في كوالالمبور وكنيسة الصعود وكنيسة الحياة وكنيسة الراعي الصالح اللوثرية، وجميعها في بيتالنغ جايا، وهي بلدة صغيرة تقع قرب كوالالمبور، بعد خلاف حول استخدام كلمة «الله» من قبل المسيحيين في ماليزيا.
يبدو أننا نواجه جدارا صلبا من العنصرية النابعة من الجهل وعدم التسامح والشك والابتعاد عن الجار، بل وحتى الكراهية.
ولكن القرآن الكريم يقول: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظَلَموا منهم وقولوا آمنّا بالذي أُنزل إلينا وأُنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون» (العنكبوت: 46).
تعامل النبي محمد (ص) أثناء حياته مع المسيحيين بعدالة، وقد أمر اثنين من صحابته هما أبو موسى الأشعري ومعاذ ابن جبل أن يذهبا إلى نجران، التي هي جزء من السعودية في العصر الحديث، ليخاطبا المسيحيين هناك. وقد سُجّل ذلك في حديث شريف مفاده «أن يسِّروا أمور الناس ولا تصعّبوها وأعطوهم ما يسرهم ولا تبعدوهم واعملا بتعاون وتفاهم مشترك وأطيعا بعضكما بعضا».
وقّع الخليفة عمر بن الخطاب بعد وفاة النبي محمد (ص) معاهدة سلام مع مسيحيي القدس مفادها: «هذا ما أعطى عبدُ الله عمرُ أميرُ المؤمنين، أهلَ إيليا من الأمان: أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملته؛ أنه لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم، ولا يُنتقص منها ولا من حيِّزها، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ، ولا يُكرهون على دينهم ، ولا يضارّ أحد منهم».
ولكن يبدو، بوجود هذا العدد الكبير من المشاكل بين الجاليات الدينية في ماليزيا، أننا نسينا الموقع المميز لغير المسلمين، وخاصة المسيحيين واليهود منهم، الذي أعطاه النبي محمد (ص) وصحابته لهم. ومن سخريات القدر أنه في عصر تتوافر فيه المعلومات لنا عبر أجهزة التلفزة والإنترنت، والتي يمكن أن تساعد على كسر الحواجز، أصبحنا أكثر توجسا وخوفا من أي وقت مضى.
نستطيع كمواطنين أن نختار رؤية ما نتشارَك فيه، أو نستطيع التركيز فقط على الخلافات. نستطيع اختيار أن نبقى جهلة فيما يتعلق بالآخرين، أو نستطيع أن نطلب الإرشاد من قادتنا الدينيين والمسئولين لمساعدتنا في توسيع آفاقنا.
لدينا الكثير مما يجب أن نكون شاكرين لأجله، فبلدنا ليست في حالة حرب، ولا توجد غارات جوية أو صواريخ أو قنابل تسقط على رؤوسنا. لدى معظم الأسر وجبات معقولة تقيهم الجوع، ولا يوجد لدينا نقص في الوقود. بيوتنا لم يصبها أذى. هل لدينا إذن الوقت والطاقة لتدمير أماكن العبادة لمجرد أنه لا يوجد أمامنا عدو مشترك؟
لا تخوض بلدنا حربا، ويجب ألا يفعل شعبنا ذلك. لنذكّر أنفسنا وبعضنا بعضا أن التحية الإسلامية تنطوي على السلام. السلام عليكم.
* زميلة ملكية بكلية الدراسات اللغوية في الجامعة الوطنية في ماليزيا ورئيسة لجنة الخدمات المجتمعية في جمعية الهلال الأحمر الماليزية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2699 - الإثنين 25 يناير 2010م الموافق 10 صفر 1431هـ