العدد 2698 - الأحد 24 يناير 2010م الموافق 09 صفر 1431هـ

حرب الهواتف النقالة (2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

على هذا الأساس، وبقدر ما يعكس هذا التنافس الشديد بين شركات الهواتف النقالة حربا مباشرة بينها لزيادة حصة كل منها في الأسواق القائمة، بقدر ما يعبر من جانب آخر، عن صراع داخلي من نمط آخر، لا يطفو على السطح، تخوضه تلك الشركات ضد بعضها البعض، ليس من أجل الاستفراد بسوق معينة وطرد الأخريات منها فحسب، وإنما أيضا، لتحقيق التفوق على الأخريات في مكونات منتجاتها، أو في قدرتها على التكامل مع قطاعات صناعية أخرى ذات علاقة بها، وعلى وجه الخصوص صناعة الاتصالات، من أجل تحسين أدائها لوظائفها على نحو أفضل، و بشكل مشترك مع تلك القطاعات. ويمكن رصد نطاقات تلك المعارك في البنود التالية:

1. التقييس والتعيير، فالأهم من التصميم الخارجي والقضايا الجمالية الأخرى التي لا يمكن التقليل من أهميتها السوقية والتي قد تتجاوز، لكن في حالات استثنائية محدودة، المقاييس والمعايير الصناعية التي تتحكم في البناء الهندسي والتصميم الوظيفي للجهاز، التي يبقى لها في نهاية المطاف، القول الفصل في كفاءة أداء الهاتف النقال، وتميزه الوظيفي وقدراته التنافسية مع الأجهزة الأخرى.

تقييس المكونات الأساسية التي تبدأ بوضع مواصفات اللوحة الأم (Mother Board) التي يبنى عليها مكونات جهاز الهاتف، وتعرج على الشرائح المختلفة التي تستخدم لحفظ البرمجيات أو تخزين البيانات، وتصل إلى حزم البرمجيات ذاتها التي تسير الجهاز وتجعله قادرا على أداء وظائفه، هي المعايير المفصلية التي أصبحت تحتل جوهر آليات صنع قرار مكونات تلك الأجهزة.

من هنا لم يعد اليوم في وسع أي شركة كانت أن تضع لنفسها مقاييس خاصة بها، تتفرد بها أجهزتها، ما لم تكن تلك المعايير قادرة، إما قادرة على التخاطب (الإرسال والتلقي) مع الأنظمة الأخرى المتوفرة في الأسواق، أو أنها وصلت إلى مستوى راقٍ قادر على إرغام الآخرين على استخدام المقاييس التي يستخدمها، عند تحديد مواصفات أجهزة هواتفهم النقالة. هذه العملية معقدة وتكاليفها باهضة، ويدخل فيها الكثير من موازنات «الأبحاث والتطوير» الباهضة الثمن.

لكن، مقابل كل ذلك تشكل نسبة مردوداتها السوقية المجزية على الاستثمار، في حال نجاحها، عناصر إيجابية تغري شركات صناعة الهواتف النقالة على الانخراط فيها، والقبول بعنصر المجازفة الذي تختزنه عملياتها.

2. مراعاة بروتوكولات صناعة الاتصالات، والمقصود بها علاقات التخاطب بين الهواتف النقالة ذاتها ومن خلال منصّات الاتصال، بما يشمل ذلك من تكامل مع أجهزة الاتصالات وتقنيات المعلومات الأخرى، بما فيها أبراج الهوائيات أو أجهزة الحواسيب، إلى جانب تحديد سعة الموجات أو أطيافها المختلفة التي يحقّ للهاتف أن يبثّ عليها معلوماته، نصّية كانت أم صوتية – مرئية.

وهنا تخضع الأنظمة المعمول بها على النطاقين المحلي الضيق والعالمي الواسع الهواتف النقالة لبرتوكولات اتصالاتها، وتتحول، بفضل ذلك، قدرة الهواتف على التفاعل الحي مع تلك البروتوكولات والسرعة التي يتم بها ذلك التفاعل، إلى أحد معايير ومقومات تفوق قدرة هواتف معينة على سواها في السوق الواحدة.

أبعد من ذلك، أنه اليوم ومع التطور السريع الوتيرة التي تشهده صناعة تقنيات الاتصالات والمعلومات، وتنامي حركة السفر والتنقل، سواء لأغراض ترفيهية فردية، أو تجارية عامة، أصبح من المواصفات التي يحرص على إيجادها مستخدمو الهواتف النقالة في أجهزتهم، هي القدرة الفائقة على مواكبة ذلك التطور، من خلال مرونتها في التكيف مع تلك التطورات، ومن ثم امتلاك القدرة الحسنة على البث، إرسالا وتلقيا، في نطاق الفضاء التقني المتوفر في البلد الذي يحط المستخدم الرحال فيها، متجاوزا بذلك حدود الدولة التي ينتمي إليها خط الهاتف الأصلي الذي بحوزته.

3. الإبداع في وظائف وخدمات حزم البرمجيات، فمع تنامي الأهمية الوظيفية التي باتت تؤديها الهواتف النقالة، بات من الضرورة بمكان، تطوير البرمجيات التي تحتضنها تلك الهواتف بشكل عام، من أجل إرضاء متطلبات المستخدم الدائمة التطور من جهة، ولامتلاك مواصفات ذاتية، تمد تلك الهواتف بقدرات مهنية وتجارية تميزها عن الهواتف الأخرى، فتضمن للشركة التي صنعتها إمكانات الاستمرار في سوق الهواتف النقالة ذات التنافسية الشديدة من جهة ثانية.

محصلة ذلك هواتف مختلفة قادرة على التخاطب فيما بينها بسرعة شديدة وكفاءة عالية. والتخاطب هنا لا يعني المخاطبة الصوتية فحسب، بل يتجاوزها ليشمل الوظائف التي تعالج البيانات النصية، والمواد المرئية أيضا. هذا الأمر ينقلنا إلى دائرة أخرى هي ضرورة امتلاك الهواتف النقالة القدرة على مخاطبة أجهزة أخرى والتكامل مع برمجياتها مثل الحواسيب الدفترية وبدالات الهواتف الثابتة وشبكات الإتصالات المحلية.

4. الأقلمة أو المحلية (Localisation)، بمعنى تحسين بعض الخدمات أو إضافة بعض الوظائف التي تخاطب سوقا معينة دون سواها.

نأخذ على سبيل المثال مسألة التعريب، التي تهتم بالسوق الناطقة باللغة العربية وحدها دون سواها. وهنا يقتضي من شركة صناعة الهواتف أن تراعي الكثير من القضايا ذات العلاقة بقضايا اللغة التي تستخدمها، وبثقافة السوق وخلفيات سكانها الحضارية.

يحضرني هنا ما تعرضت له مايكروسوفت عند تعريب حزمة برامجها المكتبية «أوفيس»، ومن بينها برنامج الجداول المنسدلة «إكسل». كادت مايكروسوفت أن تفقد أحد الأسواق العربية الكبيرة نظرا لتحول الفأرة إلى ما يشبه الصليب عند أداء بعض الوظائف. لكن على المستوى ذاته، أرغمت مايكروسوفت الشركات الأخرى، بما فيها العربية على القبول بالمقاييس التي وضعتها للوحة مفاتيح الحواسيب الفردية، في الثمانينيات من القرن الماضي.

ويمكن تلمس أصداء هذه الحرب الدائرة بين شركات الهواتف في دول صناعية صغيرة مثل تايوان أو سينغافورة، أو كبيرة مثل الصين واليابان، دون أن نسمع بها نحن في البلاد العربية، ولا يوجد ما يفسر ذلك سوى، أنه بينما تحرص تلك الدول، صغيرة كانت أم كبيرة، أن تكون في صفوف البلدان المنتجة، نصرُّ نحن العرب، دون أي استثناء، على التمسك بمواقعنا الاستهلاكية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2698 - الأحد 24 يناير 2010م الموافق 09 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً