على امتداد عشرة الأيام الماضية اكتضت صفحات الويب بالكثير من الإعلانات والموضوعات التي تتحدث عن تطورات نوعية غير مسبوقة بدأت تشهدها صناعة الهواتف النقالة. فهناك الهاتف النقال الذي جاءت به شركة محرك البحث «غوغل» المعروف بسم «غوغل نيكسس وان» ، « Google Nexus One»، الذي قامت بصناعته الشركة التايوانية إتش تي سي «HTC»، ويستخدم نظام التشغيل الخاص به، المعروف باسم أندرويد غوغل». Google Android»
في الوقت ذاته أعلنت عملاقة الهواتف المحمولة نوكيا عن عزمها على تزويد مستخدمي هواتفها النقالة بخدمات جديدة من خلال «توفير إصدار جديد من خدمة الخرائط أو (خرائط أو في آي) تشمل دليلا صوتيا للتجوال وقيادة السيارات مجانا». واعتبرت هذه الخطوة بمثابة رد مباشر على إطلاق شركة غوغل الإصدار الجديد من نظام الملاحة لنظام تشغيل «أندرويد 2.0» المخصص للهواتف المحمولة و»الذي دمج بين خدمتي خرائط غوغل وستريت فيو مع البحث وتحديد الاتجاهات الصوتي.»
ترافق ذلك مع الإعلان عما أطلقت عليه وسائل الإعلام بعملية «الزواج بين إل جي وأندرويد» .LG Android
فقبل عام واحد فقط كانت شركة إل جي LG تنظر فقط بعين الإعجاب إلى ويندوز موبيل Windows Mobile، والآن انكشف عشقها لأندرويد. Android
اعتبر البعض أن في تلك الخطوة بعض «الخيانة لنظام التشغيل ويندوز الخاص بالهواتف النقالة، لكنه، كما يقول ذلك البعض «كانت خيانة على صواب، وفي الاتجاه الصحيح.»
على نحو مواز لتلك الخطوات، أطلقت شبكة فيرايزون « Verizon» الأميركية هاتفها المحمول الخاص بها «الذي تسوقه بشكل حصري في الوقت الحالي والذي تنتجه موتورولا»، والذي يتحدث الجميع عن أن الفضل «يعود الى نظام أندرويد – الهاتف الذي يحمل مسمى «DROID، في استعادة الشركة لتوازنها، بعد الأزمة المالية التي لحقت بها، وكادت أن تؤدي إلى إشهار إفلاسها.
وانظمت إلى حلبة المنافسة أيضا شركة لينوفو «Lenovo « الصينية المتخصصة في صناعة الحواسيب الشخصية، وعلى وجه الخصوص الحضنية منها، من خلال جوالها المحمول أوفون « Ophone» الذي يستخدم أيضا نظام التشغيل أندرويد، ويعتبر منافسا مباشرا وقويا للهاتف المحمول آي فون «iphone» الذي تنتجه شركة أبل .»Apple»
ويبدو أن هذه الخطوة من غوغل جاءت بعد أن اكتشفت، وكما جاء على لسان مسئول فيها من أن الشركة «قد تعرضت لصدمة من الإحصائيات الأخيرة التي توصلت اليها الشركة والتي أفادت أن عدد طلبات البحث التي يتلقاها محرك البحث من هواتف آيفون أكثر بـ 50 مرة من عدد طلبات البحث التي يتلقاها المحرك من أي هاتف آخر على الإطلاق.»
وكي يقدر القارئ درجة حدة الصراعات الدائرة اليوم بين الشركات المنخرطة في صناعة الهواتف النقالة، وما يدور في فلكها من صناعات، وانعكاسها على التحالفات بين تلك الشركات داخل تلك السوق، نرجعه إلى تقرير نشرته مجلة بيزنس ويك (BusinessWeek ) الأميركية قالت فيه «ان شركة أبل تعتزم التخلي عن محرك البحث غوغل في أجهزة iPhone ليحل محله محرك البحث بينغ « Bing» الخاص بشركة مايكروسوفت، وأنهما (أبل ومايكروسوفت) تخوضان الآن مفاوضات لتخصيص بينغ كمحرك البحث الافتراضي في أجهزة آيفون، والاستغناء عن الشراكة التاريخية مع غوغل في هذا المجال.»
ربما يعتبر البعض منا أن هذه مجرد حرب محدودة بين شركات صناعة الهواتف المحمولة كي تزيد كل منها حصتها السوقية، ومن ثم فلن تتجاوز نيران معاركها حدود الصراعات التجارية أمام أبواب البيع أو محطات التوزيع.
في هذا الكلام جزء بسيط من الواقع، ونسبة ضئيلة من الحقيقة، إذ إن المعارك أكثر شمولية من ذلك، حيث تتداخل فيها العناصر الصناعية مع براءات الإختراع، سوية مع حقوق الملكية الفكرية وأمور أخرى أكثر تعقيدا من مجرد الجوانب التجارية، دون التقليل من أهمية هذه الأخيرة.
ولتقريب الصورة، كما هي عليه اليوم، من ذهن القارئ، ربما توجب عليه استعادة الحالة التي كانت عليها سوق صناعة تقنيات المعلومات، وعلى وجه التحديد في نطاق إنتاج الحواسيب الشخصية، في نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي. حينها لم تكن الحواسيب الحضنية، بالمقياس المتعارف عليه لها اليوم قد رأت النور، ولم تكن تقنيات الاتصالات الخاصة بالهوتف النقالة، بالمعنى التجاري للكلمة قد طرحت في الأسواق.
في ذلك التاريخ، كانت المعركة محتدمة، في تلك السوق، على مستويين أساسيين الأول: في صفوف الحواسيب الشخصية أو ما عرف باسم (PC)، والثانية بين هذه الكتلة والحواسيب التي كانت تنتجها شركة أبل. وكان المستوى الأول هو الأكثر حضورا، ومعاركه التنافسية أكثر شراسة، نظرا للحصة السوقية الكبيرة التي كان يسيطر عليها.
في تلك الفترة كانت رحى المعركة الأساسية تدور بين عملاق صناعة الحواسيب، وهي شركة آي بي إم، وشركة أخرى صغيرة تتلمس طريقها بحذر في تلك الأسواق وهي الشركة التي أصبحت من بين العمالقة، وهي شركة مايكروسوفت.
اليوم تأخذ غوغل مكان مايكروسوفت السبعينيات، وتتبوأ هذه الأخيرة موقع آي بي إم، بعد ان اكتسحت السوق بحزم برامجها ومن أهمها نظام التشغيل «ويندوز» وتطبيقات «أوفس.»
حينها تمحورت الحرب بين مايكروسوفت وآي بي إم حول نظام التشغيل المكتبي دوس (Disk Operating System)، الذي كانت هناك ما يشبه الشراكة بينهما في امتلاكه. لكن مايكروسوفت أزاحته من الأسواق عندما طورت نظام التشغيل الخاص بها تحت مسمى جديد هو إم إس دوس ( MSDOS)، الذي استحوذ على نسبة عالية جدا من برامج تشغيل الحواسيب الشخصية خارج نظام التشغيل الذي كانت تعمل به أجهزة أبل. ثم اتبعت ذلك بتطوير إم إس دوس إلى ويندوز، الذي انطلق بنسخة ويندوز 2 في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي كي يصبح اليوم ويندوز7.
واليوم يلمس الجميع مدى هيمنة برمجيات مايكروسوفت، بفضل سيطرتها على أسواق برامج التشغيل، على صناعة الحواسيب، وصناعات أخرى ذات علاقة بصناعة الاتصالات والمعلومات التي تدور في محيطها
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2697 - السبت 23 يناير 2010م الموافق 08 صفر 1431هـ