المفكر والأديب والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر هو أشهر المعبرين عن الفلسفة الوجودية رغم أنه ليس الوحيد وليس الأول الذي دعا لهذه الفلسفة فقد سبقه مفكرون آخرون وفي مقدمتهم سورين كيرك جارد، ولكن شهرة سارتر ترجع إلى تنوع أدوات التعبير عن فكره من روايات ومسرحيات وخطابات وندوات ومحاضرات ثم قيامه بتبسيط الفكر الفلسفي الوجودي. ولعل من أشهر مسرحيات سارتر ذاك الفكر الوجودي هي مسرحية «الجحيم هو الآخر» ولقد تذكرت تلك المسرحية التي قرأتها في شبابي وأنا أتابع الآن المشكلة الطائفية مصر وأتابع المشاكل الطائفية العديد من الدول العربية والإسلامية ومشاكل الأقليات العرقية والإثنية والدينية.
لقد صرح محافظ قنا الذي شهدت محافظته فتنة طائفية بأن المسيحيين هم سبب المشكلة، وصرح بعض قساوسة المحافظة بأن المسلمين هم السبب، ومن ناحية أخرى قالت لي أستاذة جامعية متخصصة في القانون الدولي وفي قضايا اجتماعية وحقوقية عديدة إن مرجع الفتنة الطائفية في مصر ومن ثم مشاكلها العديدة النابعة من ذلك هو عمرو بن العاص، الذي غزا مصر، ورغم أن التصريحات الثلاثة ينتمي قائلوها إلى دين واحد فقد اختلفت في شكلها التعبيري وإن كان تحليل المضمون يظهر وحدتها، ومن ناحية أخرى رفض أحد الجيران وهو مسلم استدعاء سباك ممتاز بدعوى أنه مسيحي، كما رفضت سيدة محجبة الذهاب لطبيب ما بدعوى أنه رجل مرة، وبدعوى أنه مسيحي مرة أخرى. بالطبع أنا لا آخذ مثل هذه الأقاويل على علاتها أو أتصور أن أصحابها جادون حقيقة فيما يقولون، ولكن من ناحية أخرى هي تعبّر عن جزء من الحقيقة كما يتصوره قائلوها. وباختصار لم يتعرض أحد ممن يتابعون الفتنة الطائفية في مصر للأسباب الحقيقية للمشكلة من أمراض ثقافية ترفض التسامح وتحض على كراهية الآخر، ولا تعرف حقيقة مفاهيمه الدينية وتأخذ أجزاء منها خارج سياقها وتعيد إنتاجه.
ولا يتحدث كثيرون عن الظروف الاقتصادية وتنافس الأفراد على الموارد المحدودة ومن ثم بروز حالة البطالة، ولا يتحدث كثيرون عن الاعتبارات الاجتماعية مثل حالة اغتراب الشباب وضعف إحساسهم المعبّر عنه تجاه الولاء وعدم تصديقهم لما يقوله الإعلام الرسمي وبعض المسئولين، وقلة من الباحثين يتحدثون عن الدور الخارجي في أزمات وفتن تسود وتشتعل في العالم الثالث. وقلة من المتشددين والمتعصبين من ذوي الحناجر القوية والصياح العالي والضجيج المشتعل دائما، وضعف الجوانب الأمنية والحزم الأمني والقانوني في بعض الأحيان، والنفاق الإداري في المصالح الحكومية، وأذكر واقعة شخصية حدثت معي عندما كنت قريبا من أحد وزراء الخارجية من الأكاديميين وكان مسيحيا وطلبت أن أنقل إلى دولة تتماشى مع تخصصي العلمي، فقام المسئول الإداري الأول عن شئون الأفراد بوضع سيدة مسيحية بدلا مني لأنه أراد التزلف للوزير المسيحي بطريقة ساذجة، وفي النهاية لم أذهب أنا لمجال تخصصي، كما لم تذهب هي لعدم رغبتها، رغم صدور القرار لها بذلك، والوزير لا يدري شيئا ولم يستشرْ ولم تكن لديه أساسا أية نوازع طائفية أو تحزبات دينية. هنا نموذج فريد ومتكرر من نماذج النفاق الإداري.
ما أريد قوله إن حالات الفتن الدينية والطائفية والعرقية في مختلف مجتمعات الدول النامية لا يعطي المسئولون عن حلها أولوية للأسباب العميقة وراءها، بل أحيانا بعض السياسيين يتلاعبون بها لضرب القوى السياسية في بعضها البعض حتى لا تتحالف ضده، إعمالا للسياسة البريطانية المشهورة «فرّق تسد»، ولكن نقول إن هذه السياسة قصيرة النظر وكانت سائدة في عصر مضى. المهم في هذا التحليل أنه من الضروري أن يواجه كل منا الواقع والذي يتمثل في الآتي:
1 - إن كافة المجتمعات بها أقليات عرقية أو دينية أو طائفية أو لغوية أو حتى اختلافات اقتصادية في النمو الاقتصادي والدخول، واختلافات ثقافية في التعليم، واختلافات في الوظائف وغير ذلك.
2 - إن حل المشاكل لا يكون بالخروج على القانون من جانب أية فئة، كما أنه لا يكون بأسلوب القمع والقهر أو بتجاهل البحث عن الأسباب الحقيقية والسعي لمعالجتها بأسلوب عملي تدريجي.
3 - إن منهج تجاهل المشاكل والاختلافات في المجتمع يؤدي إلى أحد أربع احتمالات:
الأول: نشوب الصراعات الداخلية من حين لآخر، أي استمرار النار تحت الرماد وتتحين أية فرصة للاشتعال.
الثاني: إتاحة الفرصة للقوى الأجنبية للتدخل في الشئون الداخلية للدولة المعنية تحت شعار حماية الأقليات وحقوق الإنسان ونحو ذلك، خاصة إذا كانت الدولة المعنية في حالة ضعف.
الثالث: اندلاع حرب أهلية عندما تحين الفرصة، كما حدث في السودان أو في البوسنة وغيرهما من المناطق.
الرابع: استمرار تماسك الدولة القانوني وليس الحقيقي طالما ظلت الدولة قوية، كما يحدث في عدة بلاد آسيوية، ولكن لو انهارت الدولة فسوف تتكشف عوراتها ولعل الاتحاد السوفياتي السابق خير نموذج لذلك.
وفي تقديري إن المنهج الأكثر نجاعة هو منهج التوافق المجتمعي أو التوصل لعقد اجتماعي يحافظ على التوازن ويعطي لكل طرف بعض الحقوق - بدون أن يكون ذلك في إطار المحاصصة - وإنما في إطار بناء الدولة Nation Building والحرص على إبعاد التدخل الديني في شئون السياسة بصورة مباشرة، لأنه لا يمكن منعه من أن يكون له تأثير غير مباشر. وضرورة العمل على بناء روح الولاء والانتماء للدولة ولنظامها السياسي بعيدا عن روح التعصب والتمييز. ولقد شهدت مصر أروع نماذج ذلك في ثورة العام 1919م عندما كان الشيوخ (رجال الدين) يخطبون في الكنائس وكان القسس يخطبون في المساجد، ورفع الجميع شعار الدين لله والوطن للجميع. وتشهد مصر بعد حادث نجع حمادي صحوة مدنية وصحوة من أجهزة الدولة ومن رجال الدين من المسيحيين والمسلمين على السواء الذين أفزعتهم وصدمتهم الحادثة وأدركوا أن الجميع في سفينة واحدة، وأنه لو لم يتضامنوا فإن الكارثة ستلحق بالجميع. ونأمل أن تستمر هذه الصحوة ويبتعد المتشددون والمتطرفون من دعاة الغُلُو في الدين أو خلطه بالسياسة وكذلك دعاة الاستقواء بالأجنبي أيا كانت حججه وأسانيده. ومن ثم فإن مراجعة رجال الدين لمنهجهم الفكري والتخلي عن اعتبار الآخر هو الجحيم، وهو العدو، وهو الذي دائما على خطأ، واعتبار النفس دائما على صواب، واعتبار دينه هو الحق ودين غيره هو الباطل، أو أن مذهبه أو عرقه كذلك، ورفض استدعاء التاريخ المليء بالآلام، والمليء بالأخطاء والمظالم، وهو وصفة سحرية لاستمرار الصراع واجترار أحداثه وتصوير الآخر بأنه الشيطان وتصوير الذات بأنها الملاك. ونتساءل: متى تفوق شعوبنا وتفكر في مصالحها ومستقبلها بدلا من التفكير في الماضي وما يحمله من خير أو شر فلن يكون بل سوف يساعد تكرار الماضي في استمرار الصراعات والفتن وتخريب الدول وربما دمارها
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 2697 - السبت 23 يناير 2010م الموافق 08 صفر 1431هـ
عبد علي عباس البصري
القضيه ليست فلسفيه ولاطائفيه المسأله هي دكتاتوريه سلاح وعسكر ،تعيشه الامه العربيه . فلا ديموقراطيه وانما حكم القوي علي الضعيف .