العدد 2697 - السبت 23 يناير 2010م الموافق 08 صفر 1431هـ

الإنترنت قادر على المساعدة في جسر الفجوات

خطاب وزيرة الخارجية الأميركية عن حرية الإنترنت (2)

هيلاري رودام كلينتون comments [at] alwasatnews.com

الإنترنت قادرة على المساعدة في جسر الفجوات التي تفصل بين الناس مختلفي الأديان. وكما قال الرئيس في القاهرة، الحرية الدينية أساسية لقدرة الناس على العيش معا. وإننا إذ نتطلع إلى توسيع مجال الحوار، تقدم الإنترنت وعدا هائلا لذلك. وقد بدأنا فعلا في إقامة اتصال الطلاب في الولايات المتحدة مع الشبان في المجتمعات الإسلامية حول العالم وبحث التحديات العالمية. وسنواصل استخدام هذه الأداة لتبني النقاش بين الأفراد من مختلف الطوائف الدينية.

غير أن بعض الدول اختارت أن تجعل من الإنترنت أداة تستهدف بها أتباع الأديان وتسكتهم. من قبيل المثال على ذلك أن رجلا أمضى شهورا في السجن في السعودية لأنه دوّن على الإنترنت عن المسيحية. وأفادت دراسة أعدتها جامعة هارفرد أن الحكومة السعودية حجبت صفحات مواقع كثيرة على الإنترنت تتحدث عن الهندوسية واليهودية والمسيحية وحتى عن الإسلام. وهناك بلدان بينها فيتنام والصين تستخدم أساليب مماثلة للحد من الوصول والاطلاع على المعلومات الدينية.

ومثل ما أنه يجب عدم استغلال هذه التكنولوجيات للمعاقبة على التعبير السياسي السلمي، يجب أن لا تُستخدم أيضا لاضطهاد أو إسكات الأقليات الدينية. فإن الصلوات ستنتقل دائما على شبكات أسمى، لكن تكنولوجيات الاتصال، كشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، يجب أن تعزز قدرة الأفراد على العبادة كما يرونها مناسبة لهم، وأن يلتقوا مع بني دينهم وأن يتعلموا المزيد عن أديان الآخرين. إن علينا أن نعمل للدفع قدما بحرية التعبد على الإنترنت، تماما كما نفعل في مجالات أخرى من مجالات الحياة.

إن هناك بالطبع مئات ملايين الناس الذين يعيشون من دون التمتع بفوائد هذه التقنيات. في عالمنا هذا، كما قلت عدة مرات، يمكن للمواهب أن تكون قد وزعت بصورة تشمل الجميع، ولكن الفرص ليست كذلك. ونحن نعرف من خبرتنا الطويلة أن الترويج للتنمية الاجتماعية والاقتصادية – في بلدان يفتقر فيها الناس إلى قدرة الوصول إلى المعرفة وإلى الأسواق وإلى رأس المال والفرص – يمكن أن تكون مثيرة للإحباط بل ويمكن أن تكون أحيانا عملا لا طائل من ورائه. وفي هذا الإطار، فإن بمقدور الإنترنت أن تكون بمثابة عامل عظيم يساوي بين الجميع. فعن طريق تزويدها الناس بقدرة الوصول إلى المعرفة والأسواق المحتملة، يمكن لشبكات الإنترنت أن توجد الفرص حيث لا توجد مثل هذه الفرص.

على مدى العام الماضي، رأيت هذا بصورة شخصية مباشرة. ففي كينيا، حيث شهد المزارعون مداخيلهم تتزايد بما قد يصل إلى 30 بالمئة منذ أن بدأوا باستغلال تقنية الأعمال المصرفية على الهواتف الجوالة. وفي بنغلاديش، سجل أكثر من 300.000 شخص أسماءهم لتعلم الإنجليزية بواسطة هواتفهم الجوالة. وفي منطقة جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى تستعمل النساء من صاحبات مشاريع الأعمال الإنترنت للوصول إلى القروض الصغيرة وربط أنفسهن بالأسواق العالمية.

هذه الأمثلة على التقدم يمكن تكرارها في حياة بلايين الناس الجاثمين في قاع السلم الاقتصادي العالمي. وفي العديد من الحالات، يمكن للإنترنت والهواتف الجوالة وغيرها من تقنيات الربط بالشبكات أن تقدم للنمو الاقتصادي ما قدمته الثورة الخضراء للزراعة. إن بالإمكان الآن تحقيق نتائج كبيرة جدا بفضل معطيات متواضعة. وقد بينت دراسة أجراها البنك الدولي أنه في دولة نامية عادية أدى تزايد نسبة الوصول إلى الهواتف الجوالة بـ 10 بالمئة فقط إلى زيادة بلغت حوالي 1 في المئة في الناتج القومي الإجمالي للشخص في تلك الدولة. وإذا ما وضعنا هذا في إطاره المناسب، فإن ذلك بالنسبة إلى بلد كالهند سيترجم إلى زيادة تصل إلى 10 بلايين دولار سنويا.

إن الارتباط بشبكات المعلوماتية العالمية هو كما طريق الدخول إلى الحداثة. في السنوات الأولى لهذه التقنيات، اعتقد كثيرون أنها ستقسم العالم إلى أثرياء وفقراء. ولكن هذا لم يحدث. هناك أربعة بلايين هاتف جوال مستعملة اليوم. الكثير منها في أيدي صغار الباعة في الأسواق أو الذين يعملون في جرّ العربات الصغيرة المعروفة في آسيا وغيرهم من الذين يفتقرون تاريخيا إلى قدرة الوصول إلى التعليم والفرص. لقد أصبحت شبكات المعلومات عامل مساواة عظيما بين الجميع، وعلينا استعمالها معا للمساعدة في انتشال الناس من الفقر ومنحهم القدرة على التحرر من الحاجة والعوز.

إن لدينا كل الأسباب التي تدعونا لأن نكون آملين حيال ما يمكن للناس أن يحققوه حين يستغلون شبكات الاتصالات وتقنيات الشبكات لتحقيق التقدم. ولكن لا يجب أن يغيب عن بالنا للحظة أن البعض يستعملون وسوف يواصلون استعمال شبكات المعلومات العالمية لأغراض سوداوية خبيثة. فالمتطرفون العنيفون وكارتيلات الإجرام ومرتكبو الجرائم الجنسية والحكومات السلطوية كلهم يسعون لاستغلال شبكات المعلومات العالمية هذه لمصالحهم الخاصة. فكما استغل الإرهابيون انفتاح مجتمعاتنا من أجل تنفيذ مؤامراتهم، فإن المتطرفين العنيفين يستعملون الإنترنت للدعوة للتطرف والترهيب. وفي الوقت الذي نعمل فيه على الدفع قدما بالحريات، فإن علينا أيضا أن نعمل ضد أولئك الذين يستعملون شبكات الاتصال كأدوات للتعطيل والترويع.

ينبغي أن تكون لدى الحكومات والمواطنين الثقة بأن الشبكات التي هي في صلب أمنها القومي ورخائها الاقتصادي هي شبكات آمنة وقوية. إن هذا يتعلق بأكثر من مجرد المقتحمين التافهين الذين يقومون بتشويه المواقع الإنترنتية. فقدرتنا على القيام بالأعمال المصرفية على الإنترنت، واستعمال التجارة الإلكترونية والحفاظ على مئات بلايين الدولارات من حقوق الملكية الفكرية كلها تكون في خطر إن لم نكن قادرين على الاعتماد على أمن شبكات المعلوماتية لدينا.

إن تعطيل هذه الأنظمة يتطلب ردا منسقا من قبل جميع الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع الدولي. إننا بحاجة إلى مزيد من الأدوات لمساعدة وكالات تطبيق القانون على التعاون عبر المناطق القضائية المختلفة حين يهاجم مقتحمو الشبكات الإجراميون وعصابات الجريمة المنظمة الشبكات من أجل الكسب المالي. وينطبق هذا كذلك على الجرائم الاجتماعية حين تكون صور الأطفال العراة واستغلال النساء والبنات اللواتي تتم المتاجرة بهن على الإنترنت معروضة ليراها العالم كله وحين يتمكن أولئك الذين يستغلونهن من تحقيق ربح مالي من ذلك. إننا نحيي جهود مؤسسات مثل مجلس الميثاق الأوروبي لجرائم الإنترنت التي تسهل التعاون الدولي في مقاضاة مثل هذه الجرائم، وعلينا مضاعفة جهودنا على هذا الصعيد.

لقد اتخذنا خطوات كحكومة وكوزارة للعثور على حلول دبلوماسية لتعزيز الأمن السيبري العالمي. إن لدينا الكثير من الأفراد في وزارة الخارجية الذين يعملون على هذا. لقد تعاونوا معا، وقد أنشأنا قبل سنتين مكتبا لتنسيق السياسة الخارجية بشأن الفضاء السيبري. وقد عملنا للتصدي لهذا التحدي في الأمم المتحدة وفي غيرها من المنابر المتعددة الأطراف وعملنا لفرض الأمن السيبري على الأجندة العالمية. وقد عين الرئيس أوباما مؤخرا منسقا قوميا جديدا لسياسة الأمن السيبري الذي سيساعدنا على العمل بصورة أوثق لضمان بقاء شبكات الجميع آمنة وسالمة وموثوقة.

إن على الدول والإرهابيين وأولئك الذين يعملون كوكلاء لهم أن يعلموا أن الولايات المتحدة ستحمي شبكاتها. أولئك الذين يعرقلون التدفق الحر للمعلومات في مجتمعنا أو غيره من المجتمعات إنما يمثلون تهديدا لاقتصادنا وحكومتنا ومجتمعنا المدني. وعلى الدول أو الأفراد الذين يشاركون في الهجمات السيبرية مواجهة التبعات والشجب الدولي. وفي عالم مرتبط بالإنترنت، فإن هجوما على شبكات دولة واحدة يمكن أن يكون هجوما على جميع الشبكات في كل الدول. وعن طريق تعزيز هذه الرسالة، فإن بوسعنا وضع أعراف للسلوك بين الدول وتشجيع الاحترام للأشياء المشتركة بيننا على الشبكات العالمية. الحرية الأخيرة، وهي الحرية الكامنة في صلب ما فكر فيه وكتب عنه الرئيس روزفلت وعقيلته قبل سنوات طويلة، هي حرية تنبثق من الحريات الأربع التي تحدثت عنها للتو: وهي حرية الارتباط، أي فكرة أنه لا ينبغي للحكومة أن تمنع الناس من الارتباط بالإنترنت أو بمواقع الإنترنت أو ببعضهم البعض. إن حرية الارتباط هي مثل حرية التجمع، ما عدا أن هذه تتعلق بالاجتماع في الفضاء السيبري. فهي تسمح للأفراد بالارتباط بالإنترنت والتجمع معا والتعاون معا على ما يؤمل. فبعد أن تصل إلى الإنترنت، لا حاجة لك أن تكون أحد أساطين التجارة أو نجما موسيقيا لامعا لكي تترك تأثيرا هائلا على المجتمع.

فقد كان أكبر رد علني على الهجمات الإرهابية في مومباي أطلقه صبي في الثالثة عشرة من عمره. فقد استعمل شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت لتنظيم حملات للتبرع بالدم وإطلاق التوقيع على كتاب ضخم للتعازي وقعه أفراد من مختلف الأديان. وفي كولومبيا، جمع مهندس عاطل عن العمل أكثر من 12 مليون شخص في 190 مدينة حول العالم للتظاهر ضد حركة «فارك» الإرهابية. وكانت تلك المظاهرات أكبر مظاهرات ضد الإرهاب في التاريخ. وفي الأسابيع التي تلت ذلك، شهدت حركة فارك أعداد المنسحبين منها والمنشقين عنها أكبر مما شهدته خلال عقد من العمل العسكري ضدها. وفي المكسيك، تطورت رسالة بريد إلكتروني واحدة من مواطن عادي كان قد سئم العنف المتصل بالمخدرات إلى مظاهرات هائلة في جميع ولايات البلاد الـ 32. وفي مكسيكو سيتي نفسها خرج أكثر من 15.000 شخص إلى الشوارع للتظاهر ضد هذا العنف. وهكذا، فإن الإنترنت تستطيع مساعدة الإنسانية على التصدي لأولئك الذين يروجون للعنف والجريمة والتطرف. ففي إيران ومولدوفا وغيرهما من الدول، كان التنظيم على الإنترنت أداة حاسمة للدفع قدما بقضية الديمقراطية وتمكين المواطنين من الاحتجاج على النتائج الانتخابية المثيرة للشبهة. بل وحتى في دول ديمقراطية راسخة مثل الولايات المتحدة، فقد رأينا قوة هذه الأدوات تغير التاريخ. بعضكم قد لايزال يتذكر الانتخابات الرئاسية هنا في العام 2008.

ويمكن لحرية الاتصال بهذه التكنولوجيات أن تساعد في تحول المجتمعات، ولكنها في نفس الوقت مهمة بدرجة حاسمة للأفراد. سمعت مؤخرا قصة طبيب – لن أذكر اسم البلد الذي جاء منه - حاول مستميتا أن يشخص الحالة الطبية النادرة لابنته. وبعد استشارة 24 طبيبا من الأخصائيين لم يتلقَ حتى ذلك الحين أي جواب. ولكنه تمكن أخيرا من تحديد الحالة المرضية، ثم علاجها، من خلال البحث عبر محرك غوغل. يشكل هذا أحد الأسباب التي تجعل حرية الوصول إلى محركات البحث أمرا بالغ الأهمية في حياة الإنسان.

هذه المبادئ التي تطرقت إليها اليوم هي التي سنسترشد بها في معالجة مسألة حرية الإنترنت واستعمال هذه التكنولوجيات. وأريد أن أتحدث حول كيفية تطبقيها في الممارسة الفعلية. الولايات المتحدة ملتزمة بتكريس الموارد الدبلوماسية، والاقتصادية، والتكنولوجية الضرورية للدفع قدما بهذه الحريات. فنحن أمة من المهاجرين الذين توافدوا من كل حدب وصوب ومن كل بلد في أصقاع الأرض. تستند سياستنا الخارجية إلى فرضية أنه لا توجد أية دولة يمكنها أن تكسب أكثر من دولتنا عندما يكون هناك تعاون بين الشعوب والدول. ولا تتحمل أية دولة عبئا أثقل مما نتحمله عندما تفرق الصراعات وسوء التفاهم بين الأمم. ولذا فإننا في الوضع المناسب لاغتنام الفرص التي تترافق مع إمكانيات الاتصال. وبصفتنا المكان الذي انبثق فيه العديد من هذه التكنولوجيات، تقع على كاهلنا مسؤولية استعمالها من أجل خير الجميع. ولتحقيق ذلك علينا أن نطور قدرتنا في ما نسميه في وزارة الخارجية «فن إدارة شؤون الدولة في القرن الحادي والعشرين»

إقرأ أيضا لـ "هيلاري رودام كلينتون"

العدد 2697 - السبت 23 يناير 2010م الموافق 08 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 9:23 ص

      فلسطين ؟

      يبا خلوا عنكم فلسطين اهم شي كلامها كان مقنع وبعدين انتوا شوفوا حالتكم قبل لا تشفقون على الفلسطينيين

    • زائر 2 | 4:40 ص

      لماذا؟

      جاية تتفلسف علينا بعد، هذا اللي قاصر. هالوزيرة المناصرة لاسرائيل في ذبح الفلسطينيين ومحاصرتهم، والتي تدعم الانظمة الرجعية املشاركة في اقامة الجدران الفولاذية والاسمنتية لقتل وتجويع اهل غزة، جاية تتفلسف عن اقامة الجسور. بيعي هالكلام على غيرنا

    • زائر 1 | 10:39 م

      شتان بين القول والعمل

      أفكار جميلة ولكن الواقع يقول إن أمريكا هي الداعم الأول لكل حركات الاستبداد والظلم في العالم .

اقرأ ايضاً