هذا خطاب مهم حول موضوع مهم، ولكن قبل أن أبدأ، أود أن أتحدث باختصار عن هايتي، لأنه خلال الثمانية أيام الماضية تضافرت شعوب العالم مع شعب هايتي لمواجهة مأساة بدرجات مروعة. إن منطقتنا من العالم قد تلقت نصيبها من المشاق، ومع ذلك فقد حدثت بعض المواقف التي لم يسبق لها مثيل أمام الوضع الذي نواجهه في بورت أو برنس. شبكات الاتصالات لعبت دورا مهما في استجابتنا. لقد تعرضت بالطبع لتلف أو تدمير معظمها وفي بعض المناطق دُمرت تماما. وخلال الساعات التي أعقبت الزلزال تعاونا مع شركائنا في القطاع الخاص، أولا لشن حملة الرسائل القصيرة عبر الهواتف المحمولة من أجل التبرع لهايتي، بحيث يتمكن مستخدموها في الولايات المتحدة من التبرع لجهود الإغاثة عن طريق تلك الرسائل. وكانت تلك المبادرة دليلا معبرا عن كرم الشعب الأميركي، وقد نجحت حتى الآن في جمع أكثر من 25 مليون دولار لجهود إعادة الإعمار.
ولعبت شبكات المعلومات أيضا دورا مهما على أرض الواقع. فحينما التقيت مع الرئيس بريفال في بورت أو برنس يوم السبت، كان على قمة أولوياته محاولة إصلاح الاتصالات وإعادتها إلى العمل. فحكومته، أو على الأصح ما بقي منها، لم تكن قادرة على التخاطب فيما بينها، وكذلك المنظمات غير الحكومية، وقياداتنا المدنية، وقياداتنا العسكرية، وكلها تضررت بدرجة حادة. فقام مجتمع التكنولوجيا بإعداد خرائط تفاعلية لمساعدتنا على تحديد الاحتياجات والموارد المستهدفة. ويوم الاثنين انتشل فريق البحث والإنقاذ الأميركي سيدتين وطفلة عمرها 7 سنوات من تحت أنقاض سوق تجاري منهار بعد تلقي رسالة قصيرة منهم عبر الهاتف المحمول يطلبون فيها النجدة. والآن فإن هذه الأمثلة تعتبر دلائل واضحة على ظاهرة أوسع نطاقا.
إن انتشار شبكات المعلومات يشكل حاليا جهازا عصبيا جديدا لكوكبنا. فحينما يحدث شيء في هايتي أو في هونان، فإننا جميعا نعرفه في التو واللحظة، من الأناس الحقيقيين، ويكون بمقدورنا الاستجابة في الوقت الحقيقي المناسب أيضا. إن الأميركيين يتوقون إلى تقديم المساعدة في أعقاب الزلزال، والفتاة والسيدتان اللاتي كن محصورات تحت أنقاض المركز التجاري استطعن التواصل بأساليب لم يكن من الممكن تخيلها منذ عام مضى، أو منذ جيل مضى. والمبدأ نفسه ينطبق حاليا على الإنسانية جمعاء تقريبا. وفيما نجلس الآن هنا، فإن أي شخص منكم، أو ربما يكون على الأرجح أي شخص من أبنائكم، يمكن أن يستخدم أحد الأدوات التي يحملها الكثيرون معهم، يوميا، لنقل هذا الحديث إلى بلايين الناس في جميع أرجاء العالم.
والآن، فإن المعلومات في العديد من جوانبها وأبعادها لم تكن على الإطلاق أكثر حرية مما هي عليه الآن. فالآن تتوافر وسائل أكثر لنشر الأفكار لمزيد من الأشخاص تزيد عما كان متوافرا في أي لحظة سابقة من التاريخ. وحتى في الدول الاستبدادية فإن شبكات المعلومات تساعد الشعوب في اكتشاف حقائق جديدة وتجعل الحكومات عرضة للمساءلة والمحاسبة بدرجة أكبر.
وخلال زيارته للصين في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، على سبيل المثال، عقد الرئيس أوباما اجتماعا جماهيريا كان يُبث في الوقت نفسه على الإنترنت، لكي يسلط الضوء على أهمية الإنترنت. وفي إجابته عن سؤال وجّه إليه عن طريق الإنترنت، دافع الرئيس عن حق الناس في الحصول على المعلومات بحرية وقال إنه كلما ازدادت حرية تدفق المعلومات كلما أصبح المجتمع أقوى. وتحدث الرئيس عن أن حرية الحصول على المعلومات تساعد المواطنين على محاسبة حكوماتهم، وخلق أفكار جديدة وتشجع روح الابتكار والإقدام على المشروعات التجارية. إن إيمان الولايات المتحدة بهذه الحقيقة الأساسية هو ما دفعني للحضور هنا اليوم.
ذلك لأنه في خضم هذه الزيادة الكبيرة التي لم يسبق لها مثيل في وسائل الاتصال، ينبغي أن ندرك أيضا أن هذه التقنيات لا تعتبر كلها نعما لا تشوبها شائبة. فهذه الأدوات يجري استغلالها من أجل تقويض التقدم البشري والحقوق السياسية. وتماما مثلما يكون من الممكن استخدام الفولاذ إما في بناء المستشفيات أو في صناعة الأسلحة، أو استخدام الطاقة النووية في تزويد المدن بالطاقة أو في تدميرها، فإن شبكات المعلومات الحديثة والتقنيات التي تدعمها يمكن تسخيرها في الخير أو في الشر. فالشبكات نفسها التي يمكن أن تساهم في تنظيم حركات التحرر، يمكن أن تمكّن القاعدة من بث الكراهية والتحريض على العنف ضد الأبرياء. والتقنيات التي يُحتمل أن تكون قادرة على فتح الطريق للوصول إلى الحكومة وتشجيع الشفافية والوضوح، من الممكن أيضا أن تخترقها الحكومات لتستخدمها في قمع المنشقين عليها والحرمان من حقوق الإنسان.
وخلال العام الماضي شهدنا تفاقما في الأخطار والتهديدات المحدقة بحرية تدفق المعلومات. ففي الصين وتونس وأوزبكستان ازدادت الرقابة على الإنترنت. وفي فيتنام، اختفت فجأة مواقع الشبكات الاجتماعية. ويوم الجمعة الماضي في مصر، تم احتجاز 30 من أصحاب المدونات الإلكترونية والناشطين. وواحد من أفراد تلك المجموعة، وهو باسم سمير، الذي لم يعد في السجن الآن والحمد لله، موجود معنا هنا اليوم. هذا وفي حين أن من الواضح أن انتشار تلك التكنولوجيات يعمل على تغيير العالم، فلايزال من غير الجلي ما لذلك التغيير من كيفية في التأثير على الحقوق الإنسانية وخير البشر وسكان العالم.
فالتكنولوجيات الجديدة، بحد ذاتها، لا تنحاز إلى أي جانب في الصراع من أجل الحرية والتقدم. إلا أن الولايات المتحدة تفعل ذلك. فنحن نقف في صف إنترنت واحدة تتمتع الإنسانية كلها عبرها بوصول متساو إلى المعرفة والأفكار. ونحن ندرك أن بنية العالم المعلوماتية الأساسية ستصبح مما نصنع نحن وغيرنا ونجعله. والآن، ربما كان هذا التحدي جديدا، إلا أن مسؤوليتنا في ضمان التبادل الحر للأفكار يعود إلى مولد جمهوريتنا. فكلمات التعديل الأول لدستورنا محفورة في لوحة رخامية من ولاية تنيسي زنتها 50 طنا منصوبة أمام هذا المبنى. وقد عمل كل جيل من أجيال الأميركيين على حماية القيم المنقوشة في الحجر.
زاد فرانكلين روزفلت البناء على هذه الأفكار عندما ألقى خطاب «الحريات الأربع» في العام 1941. في ذلك الوقت، واجه الأميركيون موكبا من الأزمات وأزمة ثقة. إلا أن رؤية عالم يتمتع فيه كل الناس بحرية التعبير وحرية العبادة والحرية من الحاجة والحرية من الخوف سمت على كل مشاكل ذلك الزمن وتجاوزتها. وبعد عدة سنوات عملت إحدى من أعتبرهن بطلاتي، وهي إليانور روزفلت، من أجل تبني هذه المبادئ كحجر زاوية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وشكّلت منذ ذلك الحين نجما هاديا لكل جيل لاحق، يرشدنا ويحفزنا ويمكننا من التحرك والمضي قدما في مواجهة الشك والمجهول.
وهكذا فإن علينا في الوقت الذي تندفع فيه التكنولوجيا في تقدمها أن نعود بفكرنا إلى الوراء في هذه التركة التراثية. علينا أن نوازن بين تزامن التقدم التكنولوجي وبين مبادئنا. وقد تحدث الرئيس أوباما في تقبله جائزة نوبل عن الحاجة إلى بناء عالم يقوم فيه السلام على الحقوق والكرامة المتأصلة لكل فرد. وتحدثت أنا بعد ذلك بأيام في خطابي عن حقوق الإنسان في (جامعة) جورجتاون عن الكيفية التي نجد بها السبل الكفيلة بجعل الحقوق الإنسانية أمرا واقعا. واليوم نجد أن هناك حاجة ملحة لحماية هذه الحريات على الجبهة الرقمية للقرن الحادي والعشرين.
هناك شبكات عديدة أخرى في العالم. بعضها يساعد في حركة الناس والمصادر، والبعض ييسر التبادل بين الأفراد ذوي الاهتمامات والمصالح المماثلة. إلا أن الإنترنت شبكة تجسّم قوة وإمكانية الأخريات كلها، ولهذا السبب نعتقد أن من المهم جدا ضمان تمتع مستخدميها بحريات أساسية معينة. حرية التعبير لها الأولوية بينها. ولم يعد تعريف هذه الحرية مقتصرا فقط على ما إذا كان باستطاعة المواطنين أن يذهبوا إلى ساحة المدينة وينتقدوا حكومتهم دون خوف أو خشية من عقاب. فالمدونات والبريد الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي والرسائل النصّية فتحت منتديات جديدة لتبادل الأفكار وخلقت أهدافا جديدة للرقابة.
وإذ أتحدث إليكم اليوم، يعكف الرقباء الحكوميون في مكان ما عاملين بغضب على محو كلامي من سجلات التاريخ. لكن التاريخ نفسه شجب هذه الأساليب. قبل شهرين كنت في ألمانيا للاحتفال بالذكرى السنوية العشرين لسقوط جدار برلين. وأشاد القادة الذين حضروا الاحتفال مكرمين شجاعة الرجال والنساء الذين كانوا في الطرف الأبعد من الحاجز وجعلوا قضية هادفة ضد القمع من خلال توزيع كتيبات صغيرة عرفت باسم «ساميزدات». مثل هذه المنشورات شككت في دعاوى ونوايا الدكتاتوريات في الكتلة الشرقية، ودفع كثيرون من الناس ثمنا باهظا لتوزيعهم تلك الكتيبات. لكن كلماتها ساعدت على خرق الجدار الإسمنتي والأسلاك الشائكة والستار الحديدي.
مثّل جدار برلين عالمين منقسمين وحدد عصرا بكامله. أما اليوم فتوجد بقايا من ذلك الجدار في هذا المتحف، أي في مكانها الملائم، وحيث البنية الأساسية الأيقونية الجديدة في عصرنا هي الإنترنت. فهي بدلا من الانقسام تمثل التواصل. غير أنه حتى مع انتشار الشبكات في البلدان حول العالم فإن جدرانا عملية بدأت تقام بدلا من الجدران المنظورة.
فقد أقامت بعض البلدان حواجز إلكترونية لمنع أهلها من الوصول إلى أجزاء من الشبكات العالمية. ومحو الكلمات والأسماء والعبارات من نتائج محركات البحث. انتهكوا خصوصية المواطنين الذين يتعاطون التعبير السياسي اللاعنفي. وهذه الأعمال تتناقض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يبلغنا بأن لكل الناس الحق في السعي في سبيل المعلومات والأفكار وتلقيها ونشرها من خلال وسائل الإعلام دون اعتبار للحدود. ومع انتشار هذه الممارسات التقييدية هناك ستار معلومات جديد يطبق على جزء كبير من العالم. وزيادة على هذا التقسيم هناك أشرطة الفيديو الجرثومية ومنشورات المدونات التي أصبحت «ساميزدات» عصرنا.
وكما حدث في زمن دكتاتوريات الماضي صارت الحكومات تستهدف المفكرين المستقلين الذين يستخدمون هذه الأدوات. ففي المظاهرات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية في إيران أظهر شريط فيديو مغبش من تصوير هاتف خلوي جوال القتل الدامي لامرأة شابة وكان بمثابة لائحة اتهام رقمية لوحشية الحكومة. وشهدنا تقارير مفادها أن الإيرانيين الذين يعيشون في الخارج عندما ينتقدون قادة بلادهم على الإنترنت يتعرض أفراد أسرهم في إيران للانتقام. إلا أنه على الرغم من حملة الترهيب المكثفة التي تشنها الحكومة، لايزال المواطنون والصحافيون الشجعان في إيران مستمرين في استخدام التكنولوجيا لإطلاع العالم ومواطنيهم على ما يحدث في داخل بلادهم. ولقد ألهم الشعب الإيراني العالم بدفاعه عن حقوقه الإنسانية، وحددت شجاعته كيفية استخدام التكنولوجيا لنشر الحقيقة وفضح الإجحافات.
تدرك المجتمعات كلها أن لحرية التعبير حدودا. فنحن لا نتسامح مع أولئك الذين يحرضون الآخرين على العنف من أمثال عملاء القاعدة الذين يستخدمون الإنترنت في هذه اللحظة بالذات للترويج للقتل الجماعي للناس الأبرياء عبر العالم. وأحاديث الكراهية التي تستهدف الأفراد على أساس العرق والدين والإثنية والجنس مرفوضة وتستحق الشجب. ومما يؤسف له أن هذه المسائل تحديات متنامية ينبغي للمجتمع الدولي أن يتضافر في مجابهتها. وعلينا أن نتعامل أيضا مع مشكلة الأحاديث الصادرة عن مجهولين. فإن أولئك الذين يستخدمون الإنترنت لتفريخ الإرهابيين أو يوزعون الملكية الفكرية المسروقة لا يستطيعون أن يفصلوا أفعالهم على شبكة الإنترنت عن هوياتهم في العالم الفعلي. لكنه لا ينبغي لهذه التحديات والمشاكل أن تتخذ ذريعة عند الحكومات كي تنتهك بانتظام حقوق وخصوصية أولئك الذين يستخدمون الإنترنت لأغراض سياسية سلمية.
إقرأ أيضا لـ "هيلاري رودام كلينتون"العدد 2696 - الجمعة 22 يناير 2010م الموافق 07 صفر 1431هـ
التكنولوجيا الحديثة تتطلب الحقيقة الكاملة
مقتل الشابة الايرانية الجميلة ندا آغا سلطان والذي أثار الرأي العام العالمي لفظاعة الجريمة لم يكن بواسطة ميلشيا الباسيج أو الحكومة الايرانية انما عن طريق قناص من جماعة مجاهدي خلق تم نشر صوره في الصحف مع الخبر ومن المعروف ان هذه الجماعة تحركها أطراف من الخارج لقلب النظام في الجمهورية وعندهم أمل برجوع السلطة السابقة وامبراطورية الشاه محمد رضا بهلوي والحريه الشاهنشائيه. شكرأ للسيناتور مقال جميل ومؤثر خاصة المقدمة التي ذكرت بها المأساة المروعة لشعب هاييتي بعد الزلزال المدمر وتكاتف الشعب الامريكي.
فنحن لا نتسامح مع أولئك الذين يحرضون الآخرين على العنف
تمكّنت القاعدة من بث الكراهية والتحريض على العنف ضد الأبرياء. والتقنيات التي يُحتمل أن تكون قادرة على فتح الطريق للوصول إلى الحكومة وتشجيع الشفافية والوضوح، من الممكن أيضا أن تخترقها الحكومات لتستخدمها في قمع المنشقين عليها والحرمان من حقوق الإنسان.