العدد 2695 - الخميس 21 يناير 2010م الموافق 06 صفر 1431هـ

الدور السياسي المميز لمنظمات المجتمع المدني (5)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نصل هنا إلى فصل الختام، فنتناول «الدور السياسي المميز» الذي يمكن، بل ينبغي، أن تضطلع به منظمات المجتمع المدني اليوم، مأخوذا بعين الاعتبار واقعها الذي تعيشه، والذي قبل تسليط الضوء عليه، لا بد من الانطلاق من مسلَّمة غير قابلة للنقاش، وهي أن على منظمات المجتمع المدني تقع مسئوليات سياسية، من الخطأ سلخها عنها، أو تجريدها من حقها في التمتع بما يؤهلها للاضطلاع بها، وواجب القيام بأعبائها.

ففي المجتمع المدني الذي تسوده القوانين وينظم العلاقات فيما بين أفراده ومؤسساته الدستور، من الخطأ القبول بمقولة تحرم على تلك المنظمات الاشتغال بالسياسة، وليس «الانشغال بها»، كي نقفل محاولات الالتفاف على تلك المنظمات، التي تفتح أبواب «التذاكي السياسي» غير المبرر من قبل الدولة ومؤسساتها.

هذا الدور ليس هبة ولا مكرمة تمنّ بها الدولة على تلك المنظمات، فتبرر حقها – أي الدولة – في مصادرة ذلك متى ما شاءت، ولا عملية تنشيط تأخذها أطراف المعارضة ذريعة كي تدعي أنها، الوحيدة المؤهلة ومالكة حق، السيطرة على تلك المنظمات أو تسييرها، بشكل تسلطي فوقي، وفقا لمشروعاتها وبرامجها. فمنظمات المجتمع المدني هي خلية نشطة تمارس دورها في مدّ جسم المجتمع بالأنشطة التي يقوم بها، أو الوظائف التي يحتاجها، وهي، في الوقت ذاته، مؤهّلة لأداء ذلك وبكفاءة عالية، متى وجدت المجتمع الذي يبيح لها كل ذلك.

على هذه الأرضية غير القابلة للمساومة ننتقل كي نلج الواقع، ونشخص دور، تلك المنظمات، بشكل ممزوج ومتداخل، والذي يمكن تحديد معالمهما – الواقع والدور سوية - في النقاط التالية:

1. الانعتاق من ربقة قانون الجمعيات الذي سُنَّ في العام 1989، وعرف بعض التغييرات الشكلية الطفيفة في العام 2003 .

هذا القانون الجائر، حتى بتغييراته، ما يزال ساري المفعول ويجرد منظمات المجتمع المدني من أدنى الحقوق المدنية / الاجتماعية التي يفترض أن تتمتع بها، دعْ عنك الحقوق السياسية.

فمن الصعوبة بمكان أن يكون في وسع منظمات المجتمع المدني أن تمارس دورها المميز، وحبل هذا القانون ومستتبعاته ملتفّ حول عنقها وقيوده تكبل حركتها. وستكتشف المنظمات، دون التقليل من نضالاتها والتضحيات التي قدمتها على طريق انتزاع حقوقها، أنها تدور فيما يشبه الحلقة المفرغة، ما لم تزيح حجر هذا القانون من فوق كاهلها. فطالما استمرّ العمل بهذا القانون سوف يظل دور المنظمات السياسي ناقصا، وفي أحيان كثيرة مبتورا من أعماقه الاجتماعية، بل وحتى المهنية.

2. التجديد في الموارد البشرية، فقد ورثت منظمات المجتمع المدني، ومن مصادر مختلفة، وعلى امتداد فترة تاريخية تربو على النصف قرن، قيم المجتمع القبلي، مشوبة بقمع مؤسسات الدولة وقوانينها، متداخلة مع آليات سرية عمل حركة المعارضة القائم على مركزية شديدة في إدارتها لوظائفها.

كل ذلك أدى إلى نشر ألوان من المركزية الشديدة في إدارة منظمات المجتمع المدني، حالت دون مد تلك المنظمات بالمخصبات الضرورية التي تحتاجها لإنتاج أجيال جديدة تستلم الراية من صفوفها الأولى وتواصل المسيرة، مفعمة باندفاع الشباب ومستنيرة بخبرة الكهول. تحوصل ذلك وانتهى إلى تقليص هامش مشاركة كوادر الصفوف الثانية والثالثة في صنع القرار وتنفيذ البرامج.

هذه المركزية الشديدة انعكست بشكل سلبي وتلقائي في تعطيل آلية خلق كوادر شابة جديدة تواصل النضال. لذا وكي يكون في مستطاع هذه المنظمات أداء دورها السياسي المميز، لابد لها من التمرد على تلك المركزية، والتحول إلى مفرخة بشرية تتزود ذاتيا من كوادرها الشابة، دون التضحية بالخبرات الغنية التي بين أيدي الجيل الأول من القادة الذين لولا نضالاتهم لما وصلت هذه المنظمات إلى ما تنعم به اليوم من هوامش الحرية، مهما تقلصلت مساحاتها.

3. الاستقلالية المدروسة، والمتمردة على الارتهان لأي من المؤسسات السياسية سواء كانت تلك هي إحدى إدارات الدولة، أو حتى من بين صفوف المعارضة.

فليس هناك ما هو أسوا من أن تلتحف منظمة مدنية بوشاح ذي لون سياسي واحد، أو حتى بعدد مختلف من الألوان.

وهنا لا بد لنا من التمييز بين ضرورة ممارسة منظمات المجتمع المدني لدور سياسي مميز ينبع من صلبها، وينسجم مع طبيعتها ويسعى لتحقيق أهدافها، وبين ذيليته العمياء لهذا التتنظيم السياسي أو ذلك، أو أن تتحول إلى ما يشبه الغنيمة التي «تتقاسمها» التنظيمات السياسية، دون أن نستثني هنا الدولة التي لم تكفّ عن محاولات السيطرة على تلك المنظمات وتسييرها في دبرها.

4. التمسك بحبل المواطنة والاستفادة منه في شنّ حملات النضال المدني المسيّس، النابذ للنعرات للطائفية، والرافض للنزعات القبلية، والواقفة بصلابة، تصل إلى مستوى الشراسة، ضد أي شكل من أشكال التمييز الاجتماعي. إن غرق منظمات المجتمع المدني في أوحال أي شكل من أشكال التمييز تلك، يؤدي تلقائيا إلى حرفها عن دورها السياسي المميز المساهم في دقّ المسامير، دونما توقف، في نعوش الذهنيات المتخلفة، ويبعدها عن طريقها الصحيح الذي ينبغي عليها أن تسلكه كي يوصلها إلى أهدافها النبيلة الرامية إلى بناء مجتمع مدني تسوده سلطة القانون.

5. محاربة العشوائية أو المزاجية المتسربة من بعض القيم الاجتماعية التي ما تزال سائدة، و الإصرار على التقيد بأخلاقيات وسلوك الحرفية، أو المهنية الراقية التي تعمل وفقها منظمات محلية أو دولية ناجحة. إذ يصعب الحديث عن دور سياسي مميز يمكن أن تقوم به مثل هذه المنظمات متى ما كانت هي الأخرى تعاني من أمراض اجتماعية وسياسية موروثة، آن أوان التخلص منها. فالعمل السياسي المؤطّر القابل للحياة في مجتمعات مدنية متحضرة ينبذ بشكل تلقائي مثل تلك الممارسات، و لايملك سوى تهميشها، إن لم يكن مضطرا، في حالات معينة إلى محاربتها، وله كل الحق في ذلك.

6. التحلي بأعلى درجات الشفافية في ممارستها لأنشطتها، كي تطرح أمام الجميع، دون أي استثناء، النموذج الصحيح لممارسة الأنشطة المجتمعية، سياسية كانت أم اقتصادية، أو حتى عندما تكون ذات طابع اجتماعي. هذا الالتزام الذاتي بمقاييس الشفافية، سوف ينعكس سياسيا، وبشكل إيجابي، على القوى الأخرى الضالعة في العمل السياسي، مؤسسات دولة، أم قوى معارضة، وسيجبرها، بشكل إيجابي تطويري، على التقيد بقوانين الشفافية هي الأخرى، الأمر الذي يبني بيئة سياسية نقية تنموعلى تربتها أعشاب منتجة، تقضي على أية طحالب ضارة تحاول أن تدمر تلك التربة أو تشويه صورة القوى التي تنشط فوقها.

تلك كانت خطوط عامة لنظرة تطمح أن ترى مجتمع البحرين ينمو وفق برامج سياسية ناضجة، تقودها قوى سياسية واعية، تعضدها في نضالاتها، وأحيانا تتقدم صفوفها منظمات مجتمع مدني، تدرك مقدما الدور السياسي المميز الذي ينبغي عليها أن تمارسه.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2695 - الخميس 21 يناير 2010م الموافق 06 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:18 ص

      تضحيات الجليل ........ جليله

      رحم الله من ببركة سجنه تحررشعب بكامله من اسوء قانون ومحاكم واستبدل بمجلس نيابي,
      رحم الله من ببركته سمعنا بمصطلح (مؤسسات المجتمع المدني ,
      رحم الله من بح صوته وغاب شخصه من اجل ان تعلوا اصوات وتبرز على السطح شخوص ,
      فلا ينبغي لاحد كائن من كان ان يدعي الفضل فيما حصل دونه , انه ليخرج اللقمة من فم الاسد ليلقمها الفقير ,
      فيا من سكنت القلوب (ياجمري) قبل القبور لك منا الف تحيةِ وتحيه . جعفر عطيه

    • زائر 2 | 12:42 ص

      احمد الحاج

      لو لا منظمات المجمتمع المدني في البحرين ودورها الريادي التي هي العمود الفقري في المجتمع لما وصلت البحرين الى مصاف الدول المتقدمه تقنيا وعسكريا ومعيشيا. ان البحرين هي الدوله الوحيده في العالم التي ينشط فيها المجتمع المدني وهو الذي يقرر مستقبل البحرين المشرق في العالم كما ان المجتمع المدني هو الذي ياتي بالوزراء النزهين وبدون طائفيه على الاطلاق

    • زائر 1 | 10:30 م

      بعض مؤسسات المجتمع المدني تلفها النفعية بشراهه

      الواقع يشهد بتكدس لحوم بشرية في بعض من تلك المؤسسات ولم نجد منها إستقطاب كبار المفكرين ورواد العلم والمعرفة وإنه من المؤسف أن تلف النفعية أنشطتها والبعض إقتصر أن يتم توزيع المنافع العينية والمادية على ذوي الإحتياجات دون وجود لمسات لرفع من معاناة بعض الأسر والكل يركض خلف منافعه الشخصية وكان أقطاب أحد شركات التأمين كان له سجل حافل في بخس حقوق موظفيه فكيف ينضم لتلك الجمعيات التي تعني بالشأن العام وهوم لم ينظف نفسه من الدنس ( مع تحيات إبراهيم بوعمر الصنقيحي)

اقرأ ايضاً