تراكمت خبرة الحركات الإسلامية في المجال السياسي، وأثمرت عن الكثير من النجاحات الحقيقية، كما أنها مرت بفترات صعود وهبوط، ما جعلها تمثل تجربة حية تنطوي على الكثير من الدروس والعبر، ويفترض أن تؤدي تلك التجربة إلى تطور في الخطاب السياسي للحركة الإسلامية، وفي منهج عملها في الانتخابات السياسية، ولكن تلك التجربة، وعلى رغم ما فيها من ثراء، إلا أنها لم تؤد إلى تأثير حقيقي على طبيعة وتوجهات الأنظمة السياسية الحاكمة.
فالنظام السياسي السائد في معظم الدول العربية والإسلامية يميل في معظمه إلى درجة من درجات الاستبداد، ما يجعل الممارسة السياسية الديمقراطية شكلية إلى حد كبير.
وعلى رغم التفاوت بين الأنظمة السياسية في درجة ما بها من ممارسة ديمقراطية، إلا أنها كلها تتفق في وجود عوامل تحول دون أن تكون الديمقراطية وسيلة للتداول السلمي للسلطة، وكأننا بصدد شكل من أشكال ممارسة الانتخابات، دون أن يكون ذلك جزءا من مؤسسة ديمقراطية حقيقية.
كما أن الكثير من الممارسات الانتخابية يشوبها التزوير، وبعضها يخضع لقوانين انتخابية تحول دون حصول أي طرف على الغالبية، وبعض الأنظمة تقوم على أسس طائفية، تؤدي إلى تراجع دور السياسة، وكل تلك القيود تعني أننا بصدد ممارسة لشكل من التعددية والتنافس، من دون أي ممارسة حقيقية لفكرة التداول السلمي للسلطة.
وإذا عدنا لتجربة الحركة الإسلامية، سنجد أنها تعاملت مع المساحة المتاحة للعمل السياسي، وحاولت تعظيم ما تحققه من نتائج، بجانب أن بعض الحركات الإسلامية رفضت الدخول في العملية السياسية، على أساس أنها لن تؤدي إلى نتائج عملية، ولن تؤدي إلى وصول أي حركة إسلامية للسلطة.
وفي البلاد التي تشهد قدرا أكبر من الممارسة الديمقراطية، كما في الكويت والمغرب والأردن، سنجد أن الحركات الإسلامية استطاعت تحقيق نجاحات انتخابية في فترات، ولكن لم يسمح لها بالمشاركة المؤثرة في الحكم، كما لم يسمح للمعارضة بأن تكون شريكا مؤثرا في النظام السياسي.
وبالطبع سنجد صورة أسوأ في البلاد التي لا تشهد أي قدر معقول من الممارسة الديمقراطية، مثل مصر؛ إذ يغلب التدخل في مسار العملية الانتخابية بصور متعددة، وحتى عندما أجريت انتخابات أكثر حرية في العام 2005، ما سمح لجماعة الإخوان المسلمين بتحقيق نسبة 20 في المئة من مقاعد المجلس التشريعي، فإن حصاد التفاعل السياسي بين النظام الحاكم والمعارضة متمثلة في جماعة الإخوان المسلمين، يشير بصورة واضحة إلى إصرار النخبة الحاكمة على الانفراد الكامل بالسلطة، دون أي اعتبار لرأي ومواقف القوى السياسية الأخرى، أو حتى مواقف الرأي العام.
تلك التجارب السياسية للحركات الإسلامية، حققت بالفعل نجاحات مهمة، ولكن من دون أي حصاد نهائي، فالأنظمة السياسية الحاكمة مازالت تنفرد بالحكم، والممارسة الديمقراطية المحدودة لم تؤد إلى توسيع هامش الديمقراطية، ولم تغير في توجهات النخب الحاكمة.
لهذا نتصور أن تلك النتيجة سيكون لها عدد من التداعيات على موقف الحركات الإسلامية من العمل السياسي، مما يمكن أن يكون له أثر على العلاقة بين الحركات الإسلامية والجماهير المؤيدة لها من جانب، والأنظمة السياسية الحاكمة من جانب آخر، ولكن هذا التأثير لن يكون في اتجاه واحد، بل في عدة اتجاهات ومسارات مختلفة، ومنها:
- هذه الديمقراطية الشكلية، تؤدي في الواقع إلى تعضيد موقف القوى الإسلامية الرافضة للدخول في العملية السياسية، والتي ترى أهمية تأجيل المشاركة في العمل السياسي لمرحلة مستقبلية.
- يؤدي هذا أيضا، إلى تبرير مواقف بعض الحركات الإسلامية الرافضة كلية للأنظمة السياسية القائمة، والتي تريد بناء أنظمة سياسية إسلامية بديلة لها؛ مما يعزز من رفض الأنظمة القائمة، باعتبارها أنظمة غير إسلامية.
- بالنسبة للحركات الإسلامية المشاركة في العملية السياسية، سنجد أنها تتجه أكثر لجعل العمل السياسي وسيلة من وسائل عملها الدعوي الاجتماعي، وكأنه مجرد أداة للتفاعل مع الجماهير، نظرا لجمود العملية السياسية.
- يتسبب هذا أيضا، في وجود اتجاه داخل الحركات الإسلامي ة، يحاول تعميق دورها السياسي، عن طريق تعميق تكيفها مع الوضع السياسي القائم، على أساس أن هذا قد يسمح بقدر من توسيع هامش الديمقراطية، ويقلل من الفجوة بين مواقف النخب الحاكمة والظروف الإقليمية والدولية من جانب، ومواقف الحركة الإسلامية من جانب آخر.
- تؤدي هذه الحالة أيضا، إلى تعميق الخلاف بين الحركات الإسلامية، وداخل الحركة الواحدة، بشأن قضايا العمل السياسي؛ إذ يميل طرف لتغليب ما تحققه الحركات الإسلامية من نجاحات على ضعف المحصلة النهائية للمشاركة في العملية السياسية، ويميل الطرف الآخر إلى العكس.
نخلص من هذا، إلى أن الوضع السياسي القائم تنتج عنه مسارات مختلفة داخل الحركة الإسلامية، وتتعدد هذه المسارات بين المزيد من الاندماج في المجال السياسي، والمزيد من البعد عن العملية السياسية، ولن تحسم تلك القضية من جانب الحركة الإسلامية، بل من جانب الأنظمة الحاكمة والظروف الإقليمية والدولية، فالتحالف الحاكم لمعظم الدول العربية والإسلامية، والذي يقوم على نخب مسيطرة على الحكم ومتحالفة مع الدول الغربية، يمثل في الواقع العقبة الأساسية أمام دور الحركات الإسلامية في المجال السياسي، كما أنه يعد تحالفا لمنع الحركة الإسلامية من الوصول للسلطة.
إقرأ أيضا لـ "رفيق حبيب"العدد 2695 - الخميس 21 يناير 2010م الموافق 06 صفر 1431هـ