من الضرورة بمكان أن نتوقف هنا عند حالة الضعف التي أشرنا إليها، والناجمة عن اضطرار منظمات المجتمع المعنية إلى استهلاك الكثير من قواها وطاقاتها، بل وفي أحيان كثيرة وضع برامجها، من أجل امتلاك القدرة على البقاء والاستمرار وتحاشي، قدر الإمكان، الاصطدام المباشر مع أجهزة السلطة حينها، وعلى وجه الخصوص الأمنية منها.
هذا التحاشي المشوب بالحذر والحيطة، رغم انه أضعف قواها على مستوى الأداء المدني، لكنه صلب عودها على المستوى السياسي والتنظيمي، الأمر الذي أسبغ عليها صبغة سياسية مميزة مقارنة بسواها من منظمات المجتمع المدني الخليجية الأخرى.
على هذه الخلفية التي كانت تتمتع بها منظمات المجتمع الوطني، توجهت نحوها المعارضة السياسية البحرينية، واندفعت هي بدورها نحو تلك المعارضة، فكان اللقاء حميميا ومبنيا على أرضية عمل مدني يختزن قدرا كبيرا من عناصر العمل السياسي ومهاراته. هذا الخليط من المدني/ المسيس رسم نسبة عالية من ملامح منظمات المجتمع المدني البحرينية، وحدد، إلى درجة بعيدة، آفاق حركتها.
هنا نصل إلى تلك العلاقة التي ربطت بين العمل السياسي والنشاط المدني، تماما كما تناولنا العلاقة بينها وبين أجهزة السلطة، إذ مارست المعارضة البحرينية دورا مميزا في دعم حراك المجتمع المدني، وامدته بالكثير من عناصر الصمود والاستمرارية، لكنها لم تكن قادرة، ولم تساعدها ظروفها القاسية التي كانت تناضل فيها، على تحاشي نقل بعض الأمراض التي كانت تفتك بها لذلك الحراك، والتي كان من بين اهمها:
1. تسييس منظمات المجتمع المدني، فقد مارست المعارضة البحرينية شكلا من أشكال التسييس لتلك المنظمات.
لكن لابد لنا هنا من التأكيد على ان هذا النوع من التسييس مغاير في شكله وجوهره عن ذلك الذي مارسته السلطة في علاقتها مع منظمات المجتمع المدني.
فتسييس المعارضة كان قائما على الاحتضان والرعاية، والرغبة الصادقة في توفير سبل الحماية من قمع النظام، الممزوج بالعمل الجاد المسئول من أجل التطوير. ولعل أسطع مثال على هذا التسييس، كان الاتحاد الوطني لطلبة البحرين.
لكن كل تلك النوايا الحسنة لم تمنع المعارضة من جر منظمات المجتمع المدني، وفي المقدمة منها الاتحاد الوطني لطلبة البحرين، إلى معارك جانبية ثانوية مصدرها طبيعة الخلافات التي كانت تسود العلاقات القائمة بين فصائل المعارضة المختلفة.
مارست حالة التسييس هذه أيضا دورا سلبيا على المستوى المدني، حال دون نمو منظمات المجتمع المدني بشكل طبيعي، في اتجاه واضح، كان يفترض أن يغلب عليه الطابع المجتمعي، بدلا من السياسي الذي سيطر على الكثير من الفعاليات التي كانت تقوم بها، والانشطة التي تنفذها.
وإذا ما تجاوزنا العنصر الخلافي، فقد زودت جرعات التسييس الوطنية الكبيرة السلطة ببعض الهامش، في مراحل معينة، استخدمته من أجل تبرير موقفها القمعي من منظمات المجتمع المدني.
2. المزج بين العمل السري والعمل العلني، والمقصود بهذا المزج هنا تلك المنظمات التي بنتها المعارضة السياسية بشكل مباشر من عناصرها أو تلك القريبة من خطها السياسي، من امثال منظمات الشباب والمرأة التي أشهرت في الخارج، وشاركت في بعض المؤتمرات العالمية ذات العلاقة، والتي كانت مرتبطة بشكل او بآخر بالحركة الشيوعية العالمية التقليدية حينها. هذا المزج غير الطبيعي، ولكنه قسري، وضع منظمات المجتمع المدني تلك في منزلة بين منزلتين، مما شكل عقبة حقيقية دون قدرة تلك المنظمات وأفرادها القياديين، على تطوير مهارات مهنية كانت تلك المنظمات في أمس الحاجة لها، وإن كان لابد لنا هنا من تسجيل تلك الإيجابيات التي حققتها تلك المنظمات على صعد أخرى، لكنها ليست في صلب العمل المدني، ليس هنا مجال الخوض فيها.
3. محاربة منظمات المجتمع المدني التي أنشأتها السلطة، أو بعض الأفراد والجهات القريبين منها، واعتبارها مؤسسات «تخريبية» للعمل المدني جراء التصاقها بالنظام، وحصر نفسها في تنفيذ سياساته.
يمكننا فهم، دون أن يسوقنا ذلك إلى تبرير، هذا السلوك الذي ساد موقف المعارضة من تلك المنظمات وهي تخوض غمار معارك سياسية ضارية ضد النظام واجهزته، بما فيها منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة، من قريب او بعيد، به.
لقد رأت المعارضة في تلك المنظمات، ولديها بعض الحق في ذلك، في مواجهة سياسات النظام حينها الهادفة إلى إجهاض منظمات المجتمع المدني الأخرى.
الخطأ الذي ارتكبته المعارضة هنا، هو وضعها جميع تلك المنظمات، رغم التفاوتات فيما بينها في سلة واحدة، والتعامل معها بنزعة عدائية مطلقة، مما أفقدها، أي المعارضة، القدرة على بناء أي شكل من اشكال العلاقة الإيجابية مع تلك المنظمات، او مع بعض أعضائها ممن لم تكن تمتلك القدرة، نظرا للظروف القمعية التي كانت سائدة، على الإفصاح عن مواقفها المتعاطفة مع المعارضة او حتى منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة بتلك المعارضة.
4. «الأسلمة» السياسية القادمة من التفات منظمات الإسلام السياسي نحو العمل المدني. وتحرك الإسلام السياسي على ثلاثة محاور في هذا الاتجاه: الأول بناء مؤسساته الخاصة به مثل الصناديق والجمعيات الخيرية، والثاني هو السيطرة على تلك القائمة ومحاولة احتوائها، والثالث هو الاختلاف مع تلك التي لم تشهر علنا انحيازها الكامل لذلك التيار السياسي، وحاولت قدر الإمكان الاحتفاظ بهامش من الاختلاف والحرية، اللذين يميزان خطوطها المدنية والسياسية على حد سواء.
ولابد من الإشارة هنا إلى أنه في المراحل التي شنت السلطة حملاتها القمعية ضد منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة بالتيار الديمقراطي، نعمت المنظمات ذات العلاقة بالإسلام السياسي بشيء من عدم التعرض لبطش أجهزة السلطة، دون ان يعني ذلك ارتباطها بهذه الأخيرة.
لكن ما يحز في النفس ان هذه المنظمات المدنية ذات العلاقة بمنظمات الإسلامية لم تخلو أسس بنائها، وإن لم تعترف هي صراحة بذلك، من لوثة النزعات الطائفية، التي لم تمارس دورا سلبيا في حركة تلك المنظمات وأدائها، فحسب، وإنما قادت، في حالات كثيرة، إلى شق المجتمع البحريني عموديا، ومن منطلقات طائفية.
ولابد من التمييز هنا وبشكل واضح، ان القصد من وراء هذه الإشارة ليس التشهير بمنظمات المجتمع المدني ذات الاتجاه الإسلامي الذي لا يستطيع أي أحد ان ينكر أدوارها المجتمعية الرائدة في حالات معينة، لكن ذلك لا ينبغي أن يمنعنا من الإشارة إلى بعض الجوانب السلبية التي رافقت نشوءها وتطورها.
نستخلص من كل ما تقدم أن هناك صفات معينة اكتسبتها منظمات المجتمع المدني البحريني، لابد للمعارضة السياسية اليوم من الاستفادة منها، من اجل تعزيز الإيجابيات وتقليص السلبيات، عندما تخوض معاركها السياسية، ومن بينها معركة انتخابات برلمان 2010.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2694 - الأربعاء 20 يناير 2010م الموافق 05 صفر 1431هـ
طغيان المادة على الأخلاق والمبادىء
لا شك بأن الزمن الذي نعيش ليس كسالف العصر والزمان وإن هناك المتلونون والإنبطاحيون وأشباه الرجال وهؤلاء وبال على المجتمع لأن الوقت الذي فسح فيه المجال لممارسة مؤسسات المجتمع المدني نشاطها في تكبد أعباء المجتمع ظهر من بين هؤلاء المتزلفون والمتفيقهون وأشباه الرجال ونحن بحاجة لمؤسسات مجتمع مدني ليس لأكل لقمة العيش والتكسب من ورائها بقدر المحافظة على المواطنة الصالحة مع تحيات ( بووضحه المهبلاوي)