العدد 2693 - الثلثاء 19 يناير 2010م الموافق 04 صفر 1431هـ

الصناديق الخيرية «تؤذن في خرابة»

حسين مدن comments [at] alwasatnews.com

ناشط اجتماعي ورئيس صندوق جرداب الخيري السابق

يقول المثل الشعبي «يؤذن في خرابة» في الشخص الذي يطيل الكلام بالوعظ والنصح والإرشاد ولا يلقى أذنا صاغية له.

وهو تشبيه بقول الشاعر بشار بن برد:

«لقد أسمعت لو ناديت حيّا... ولكن لا حياة لمن تنادي

ولو نارا نفخت بها أضاءت... ولكن أنت تنفخ في رماد».

الصناديق الخيرية في البحرين تشعر أنها كمن يؤذن في خرابة وشعور أصحابها بذلك يندرج تحت أسباب عديدة.

الصناديق تركت الوعظ والنصح والإرشاد جانبا وركزت على استجداء العطف من أهل الخير والإحسان حتى تحقق بعضا من أهدافها الإنسانية النبيلة.


رسميا

من أجل بقائها قانونا، وافقت الصناديق منذ نحو 4 سنوات على القرار الصادر من وزارة التنمية الاجتماعية بالتحول من مؤسسات خاصة عندما سجلتها وزارة العمل والشئون الاجتماعية في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، إلى جمعيات خيرية.

طوال هذه المدة، ظلّت الصناديق هي صاحبة المبادرة في التحرك وهي التي تضغط على الوزارة من أجل اتخاذ قرار سريع بالتحول لجمعيات خيرية بعد توفيق أوضاعها بدون حلها أو تصفية أموالها.

الصناديق قالت رأيها ومدّت يدها والبرلمان والشورى أقرّ ذلك. ومنذ أشهر والاتصالات مستمرة مع الوزارة ولكن لا حياة لمن تنادي!

من جهة أخرى، تطالب الصناديق بأن تسمح لها وزارة التنمية الاجتماعية باستثمار بعض من أموالها المتواضعة في مشاريع استثمارية بسيطة مثل أكشاك البيع... إلخ، لكي تموّل نفسها بنفسها، خاصة أن 60% من هذه الصناديق ليس لديها أي نوع من الاستثمارات. كما نادت بالسماح لها للحصول على سجلات تجارية لممارسة بعض الأعمال التجارية البسيطة.

نظرة واحدة على سجلات المجالس البلدية تؤكد وجود عدد كبير من الطلبات لأراضٍ لإقامة مقرّات لها واستثمار هذه المقرّات من أجل زيادة دخلها والاعتماد على ذاتها في التمويل.

في دراسة قام بها أحد الصناديق الخيرية في البحرين أكدت أن 84في المئة من هذه الصناديق ليس لديها أراض تملكها وأن العديد منها لاتزال تنتظر تخصيص هذه الأراضي منذ 15 سنة أو أكثر.

كما دعت الصناديق الخيرية وزارة التنمية الاجتماعية عن طريق البرلمان بتقديم مساعدات مادية مباشرة لها تعينها على الأقل على دفع مصروفات مقرّاتها المؤجرة، عادة في بيوت آيلة للسقوط، أو في «كابينات» منتشرة في مختلف مناطق البحرين - 90% من مقرّات الصناديق الخيرية في البحرين مستأجرة أو برعاية أحد.

هذا الاقتراح، غير الملزم للحكومة، لم يرَ النور وبدلا عن ذلك أصرّت وزارة التنمية فقط على دعوة الصناديق للاستفادة من المنح المالية التي تقدمها الوزارة والتي تدفع من خلالها فقط تكلفة مشاريع تنموية معينة تتنافس عليها المنظمات الأهلية جميعها كل عام والتي عادة ما تفوز بها نسبة ضئيلة جدا من الصناديق سنويا.

تنادي الصناديق ومنذ زمن بعيد بوضع تشريعات أو قوانين حكومية تحتم على الشركات والبنوك الكبيرة التي تعلن عن أرباحها أن تحدد نسبة ولو بسيطة (1% مثلا) من هذه الأرباح للتبرعات الخيرية.

نظرة واحدة على إجمالي أرباح هذه الشركات في معظم القطاعات تقترب من ملياري دولار (756 مليون دينار) في العام الواحد. ولكن أين هذه التشريعات؟

مؤخرا كشفت «الوسط» عن تساؤلات النائبة لطيفة القعود بشأن لجنة المساعدات الإنسانية التي كانت تحت مسمى «المجهود الحربي العربي» وملايينها الخمسة المغيبة طوال 35 عاما.

هذه التساؤلات كانت أيضا مطروحة من قبل الصناديق الخيرية عندما طالب البرلمان عبر اقتراح برغبة بتحويل مبالغ «الطابع البريدي الخيري» لتستثمرها الصناديق، لولا رفض وزارة المالية ذلك الاقتراح لعدم وجود قانون أو تشريع.

أليست هذه «فرصة ضائعة» أو ما تسمى «loss of opportunity» من جرّاء عدم الالتفات للأهداف الخيرية التي من الممكن دعمها داخليا عن طريق هذه الإيرادات المغيبة؟


مجتمعيا

حتى الآن لم تلمس الصناديق الخيرية تبرعات العديد من الشركات والبنوك الكبيرة الرابحة في البحرين - إلا ما قل وندر ولها كل الشكر والتقدير.

هذه الشركات والبنوك، وكثيرا منها وطنية وتعرف نفسها جيدا، لم يتعب أعضاء مجالس إداراتها أنفسهم بأن يتخذوا قرارا بتخصيص مبالغ للتبرعات الخيرية ضمن مسئوليتهم المجتمعية والتي هم حتما يفهمون ما تعني وما هو دورهم تجاهها.

كما بُح صوت الصناديق الخيرية وهي تطالب الشركات والبنوك الكبيرة التي حاليا تقدم بعض التبرعات، مشكورة، أن تغير من حجم ونوعية تبرعاتها، كيلوات الطحين أو الرز أو السمن أو الهريس في رمضان أو حتى «كوبوناتها» ذات القيمة الزهيدة جدّا وطريقة توزيعها وتقديمها للأسر المحتاجة لكسب أعلى درجات الـ «Propaganda» أو الدعاية، لم تعد مرغوبة ولم تعد تجدي نفعا.

طالبت الصناديق هذه الشركات والبنوك الكبيرة أيضا بأن تكون طريقة توزيع تبرعاتها أكثر عدالة واقل تمييزا بين المشروعات الحكومية وبعض الجمعيات الخيرية والصناديق، حيث أن نصيب الصناديق لا يعدو أن يكون صفرا بالمقارنة.

إن جُلّ هذه التبرعات تذهب للمشروعات الحكومية التي تديرها بعض الوزارات أو الهيئات الحكومية مباشرة والتي من المفروض أن تكون لها موازنة تندرج ضمن موازنة الدولة وليس على حساب التبرعات الخيرية التي يجب تخصيصها من قبل هذه الشركات والبنوك للصناديق الخيرية.

فمثلا، ذكرت إحدى الصحف المحلية مؤخرا بأن شركة وطنية مساهمة تبرّعت في العام 2008 مئات آلاف الدنانير للعديد من المؤسسات التعليمية والاجتماعية. ولمّا جاء دور مساهمتها للصناديق الخيرية ذكرت «سلال غذائية بالتنسيق مع الجمعيات الخيرية» ولم تذكر المبلغ حياء.

هذه هي الحقيقة، فنصيب الصناديق من كل ذلك هو سلال غذائية بقيمة 3 دنانير لكل سلة مجموع قيمة هذه السلال لا يزيد عن 13 ألف دينار (ثلاثة عشر آلاف دينار) موزعة على 85 صندوقا خيريا!

ألا يفسر ذلك سوء في توزيع هذه التبرعات التي تقدر بنحو 9 ملايين دينار سنويا (بالرغم من أن أقل من نصف هذه الشركات الرابحة هي التي تتبرع) بين المشروعات الحكومية والمنظمات الأهلية؟

نحن إذن لكي ندعم رؤية البحرين الاقتصادية 2030، أليس الأحرى بنا أن ندعم أحد مبادئها وهو «العدالة»؟، حيث أن طموحاتنا كمواطنين يجب أن تتضمن «إقامة مجتمع عادل ومزدهر ومتكاتف» كما تتضمن «تشجيع التبرعات وأشكال الدعم لأوجه الخير».

نعتقد جازمين بأنه لن يتم ذلك إلا إذا تم ترسيخ مسئولية هذه الشركات والبنوك الرابحة تجاه المجتمع البحريني والأهم أيضا تكريس دور المؤسسات الحكومية وبالذات دور وزارة التنمية الاجتماعية على أساس أنها حلقة الوصل مع المنظمات الأهلية وعلى رأسها الصناديق الخيرية والتي هي، في البحرين، أهم المنظمات المساهمة والمشاركة في مكافحة أعظم آفة على وجه الأرض – الفقر.

وحتى نساعد في تحقيق هذه الرؤية الطموحة، إلى متى ستظل هذه الصناديق الخيرية «تؤذن في خرابة»؟

إقرأ أيضا لـ "حسين مدن"

العدد 2693 - الثلثاء 19 يناير 2010م الموافق 04 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • كشاجم | 4:06 ص

      بل تنفخ في قربة مخرومة

      شكرا ابوعلي على المقال ولا أريد أن أزيد. لكن تعليقي إلى فيلسوف:
      يمكنك أن تذهب إلى اي صندوق تنتمي إليه وتطالبهم بكل الوثائق التي تثبت مصروفاتهم ومدخولاتهم. ثم أن وزارة التنمية تعيم مدققا قانونيا يدقق في حسابات الصناديق ويدقق في كل من الشارد والوارد وغيرها.
      ولمعلوماتك، أن جل المؤسسات المدنية ومنها الصناديق الخيرية لا تصرف فلسا بدون مناقشة مورد الصرف واستحقاقه في مجلس الأمناء وتوقع كل الأوراق اللازمة من سندات صرف وشيكات وأرصدة وما إلى ذلك قبل أن يصرف المبلغ ولو كان عشرين دينارا.
      تحياتي

    • فيلسوف | 2:25 ص

      اين الدليل في وصول المبالغ الى الفقراء

      الحين الصناديق الخيرية تجمع لفلوس من هنيه وهناك بالاحلال ولاكن الاهم ان هذه المبالغ توصل الى الجهة المحتاجة كلها ؟؟

    • زائر 2 | 2:15 ص

      عدم دفع أكثر من ظ،ظ¢ظ  دينارا

      الدولة لاتريد دعم الصناديق لأنها لاتريد للمواطن ان يعيش ميسورا لأنه ان عاش ميسورا سيفكر في السياسة. هذه عقلية البدو، أجلاف الصحراء.

    • زائر 1 | 12:02 ص

      هذه حال الشركات الوطنية

      شكرا أبو علي على موضوعك القيم. في دعمها للصناديق لن تحصل على الدعاية القوية والدوليه لكن في رعايتها لمعرض الطيران مثلا راح تحصل على دعاية محلية ودولية لا تقارن وراح تجني أرباحا طائلة بسبب رعايتها لهذه الفعالية.

اقرأ ايضاً