في أي إطار يمكن وضع الأزمة السياسية الناشبة الآن في إيران؟ هناك أجوبة كثيرة يمكن تلخيصها في نقاط ثلاث. الأولى تميل إلى حصر المسألة في إطارها البرلماني. والثانية تميل إلى حصرها في المسألة الدستورية. والثالثة تبالغ في تضخيم الأزمة وتتوقع انفجار الوضع الداخلي وترجح تطوره إلى مستويات تطيح بالنموذج العام.
الفرضية الثالثة غير واردة على الأقل في المنظور القريب. فهناك في الوضع الإيراني الكثير من الثوابت التي تمنع تدهور الصيغة الداخلية التي تبدو أنها لاتزال صالحة ومتوافقا على صلاحياتها بين مختلف الأطراف المتضررة منها والمستفيدة.
نأتي إلى الفرضية الأولى التي تحصر الأزمة في إطارها البرلماني (الشوروي). هذه الفرضية تقلل من شأن المسألة وتحاول القول إن المشكلة مجرد خلافات بين نواب على مباحث قانونية. الأزمة أكبر من مسألة برلمانية والخلاف ليس أساسه اختلافات في وجهات النظر على برنامج حكومي أو مشروع خطة أقرته الوزارة وعارضته غالبية برلمانية. المسألة تتجاوز البرلمان ولها صلة بالأصول المتبعة لإنتاج السلطة التشريعية وعدم التوافق على صلاحية الهيئات المشرفة على انتخاب البرلمان نفسه. فالأزمة أكبر من مشكلة برلمانية.
تبقى الفرضية الثانية وهي تلك التي تشير إلى أزمة قانونية تطاول الدستور نفسه. فهذه الوجهة تذهب إلى القول إن المشكلة هي في الدستور الذي قام على لعبة التعادل في الصلاحيات أو التوازن الدستوري الذي وزع الصلاحيات على هيئات تراقب بعضها بعضا. وفي هذا الجانب هناك بعض المبالغة أيضا. فالأزمة السياسية أقل من أن تكون دستورية كما هي أكبر من أن تكون مجرد برلمانية.
في كل الحالات هناك أزمة سياسية المبالغة في تضخيمها خطأ والتقليل من شأنها خطأ آخر... وتجاهل الأمر أسوأ الخيارات بينما الاعتراف بالأزمة وبالخلاف والاختلاف ومحاولة قراءة العناصر الواقعية التي أوجدتها تعتبر خطوة ضرورية لتجاوزها حين تهدأ الانفعالات.
الأزمة السياسية أكبر من برلمانية وأقل من دستورية قد يصلح كعنوان للاعتراف بوجودها ومقدمة ضرورية لتفكيك عناصرها في محاولة لإعادة تركيب المشهد السياسي في إيران.
يبدو الخلاف على الترشيح هو النافذة التي دخلت منها الأزمة وتضخمت في البرلمان وربما تخرج لاحقا إلى الشارع. والخلاف على الترشيح يعني الاختلاف على الصلاحيات وعلى الاتفاق أو الموافقة على الجهة الصالحة التي خولها الدستور نفسه حق الاختيار (الفرز) وثم البت في الطلبات المقدمة للترشيح.
كان بإمكان مجلس صيانة الدستور تجنب هذه المسألة (المحرجة) التي افتعلت أزمة سياسية، باستخدام صلاحياته انطلاقا من مبدأ بسيط وهو أن من قبل طلبه في الدورة السابقة واختاره الشعب نائبا في البرلمان يحق له الترشح بصورة آلية من دون النظر في طلبه مجددا. طبعا يستثنى من هذه القاعدة كل من ثبتت مخالفته للدستور وارتكب تجاوزات قانونية أو أخلاقية أو مالية أو أساء الأمانة وخان ثقة الشعب به.
هذه القاعدة البسيطة لم يعتمدها مجلس صيانة الدستور إذ لجأ إلى إعادة قراءة وتقييم كل الطلبات بما فيها طلبات أعضاء البرلمان من دون تمييز بين عضو وآخر فجاء القرار ليعطل إمكانات ترشيح معظم أعضاء رجال مجلس الشورى، وهذا بحد ذاته يزرع الشكوك في كل قرارات السلطة التشريعية التي اتخذت في فترة ممارسة البرلمان دوره وصلاحياته. كذلك من غير المعقول أن تناقض الهيئة قراراتها فتوافق على الطلب في دورة سابقة ثم ترفضه في الدورة الحالية.
فهل من المعقول أن تقوم سلطة في إيران اختارت المترشحين إليها هيئة وظيفتها دراسة كل طلب ثم تقوم الهيئة نفسها بإلغاء سلطة من وافقت على ترشيحه سابقا وفاز بمقعد باقتراع من الشعب الإيراني؟
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 520 - السبت 07 فبراير 2004م الموافق 15 ذي الحجة 1424هـ