العدد 519 - الجمعة 06 فبراير 2004م الموافق 14 ذي الحجة 1424هـ

العراق: عناصر القوة في مطلب الانتخابات

طراد حمادة comments [at] alwasatnews.com

تصطف القوى في المشهد السياسي العراقي بين مؤيد لإجراء انتخابات عامة ومعارض لها. وكل فريق يرفع الصوت بالأدلة والبراهين المؤيدة لاختياره، حتى بات القول إن في العراق حركة شعبية واسعة مؤيدة للانتخابات، تقابلها حركة معارضة وهما يظهران كحزبين متنافسين، قولا مقبولا. ويضاف إلى هذا الاصطفاف داخل الشارع العراقي، بكل أطيافه السياسية، موقف القوى الدولية والإقليمية المعنيّة بالأوضاع في العراق، بين معارضة قوى التحالف الدولي لإجراء الانتخابات، وتردد الأمم المتحدة بشأنها، وظهور موقف عربي لا يقل إرباكا وترددا عن موقف قوى التحالف والمنظمة الدولية، فإن تأييد الانتخابات لا يخلو من أنصار إقليميين ودوليين، وذلك لاعتبارات عدة، لعل في مقدمتها صعوبة معارضة مطلب بهذه الأهمية والوجاهة من ناحية تعلقه بشكل من أشكال انبثاق السلطات هو الأكثر رواجا وقبولا عند الرأي العام العالمي، فضلا عن الدول والأنظمة التي تدعي رعاية الديمقراطية وحرية الانتخابات لاختيار السلطات.

ويرى المراقبون لتطورات الوضع في العراق أن مطلب الانتخابات الذي رفعته المرجعية في النجف الأشرف كان ضربة لازب واستطاعت أن تتحول إلى برنامج سياسي يحظى بتأييد غالبية شعبية كشفت عن قوتها التظاهرات والمسيرات ذات الحضور الشعبي الواسع، كما ظهر تأييد غالبية داخل مجلس الحكم، وداخل القوى العراقية الأخرى. وإذا كان هذا المطلب السياسي الذي تحول إلى برنامج مرحلي، تصطف القوى السياسية إزاء الموقف منه، فإنه كشف عن التباس الوضع العراقي نفسه، إذ تبين وجود معارضة من قوى الاحتلال والقوى المناهضة لها من بقايا أنصار النظام السابق. لقد عادت ثنائية الاحتلال - قوى النظام السابق - إلى الواجهة، تحت تسميات عدة، يمكن أن تفرض تطورات معركة الانتخابات إلى الكشف عن ملابساتها.

إن تفسير المواقف السياسية من مطلب الانتخابات يكشف عن حقيقة مأزق الاحتلال في العراق، ويتبدّى هذا المأزق، ليس بوصفه مشكلة مواجهة العمليات العسكرية ضد قواته بل في استراتيجيته السياسية لبناء نظام عراقي مؤيد له، وصادر عنه بالتعيين، الأمر الذي يحوّل شرعية النظام، دائرة في مدار وجود الاحتلال، فلا تعود هذه الشرعية بقادرة على إنتاج نفسها من جديد من دون الارتكاز إلى وجود الاحتلال، ولذلك فإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تستطيع أن تتدبر أمرها بالتعامل العسكري والأمني مع العمليات العسكرية ضد قواتها، هذه العمليات المعزولة التي تشكل في واقعها استدراجا مزدوجا من الطرفين المتواجهين فإن الأهداف الاستراتيجية لأميركا وحلفائها إنما تتعلق بالنظام العراقي الجديد.

وهكذا يكون مطلب الانتخابات مواجهة مع الاحتلال، ومع بقايا النظام السابق من موقعه، كمطلب يعيد عن طريق ممارسة الانتخابات حق وشرعية النظام العراقي إلى الشعب العراقي نفسه، وهذا الأمر لا يروق لقوى الاحتلال وقوى النظام السابق على السواء، ولذلك تواجد الخصمان في خندقٍ واحد، حينما تعلق الأمر بمستقبل العراق وحرية شعبه.

يعيد هذا الاصطفاف الجديد النظر في المقاومة الحقيقية لقوى الاحتلال في العراق. لكن قبل كشف كلمة السر وراء لغز الانتخابات والموقف منها إذا كان لايزال ثمة أسرار وألغاز في السياسة العالمية الراهنة، يلزم تبيان ما يقدمه مطلب الانتخابات من مصالح في مقاصدها، ما يفيد الوضع العراقي السياسي الراهن، وبين هذه المقاصد أو الأغراض التي يؤديها مطلب الانتخابات ما يلي:

1- كسب الرأي العام العالمي إلى جانب المطلب السياسي العراقي لاعتبار الانتخابات الصيغة المثلى لانبثاق السلطات، وهو أمر لا يمكن معارضته بسهولة من دون حسبان ردود الفعل داخل الرأي العام المحلي والاقليمي والدولي. ان مطلب الانتخابات يحوز على التأييد الشعبي من دون منازع له، لا عن طريق التعبئة، أو طريق اجتماع القوى الفاعلة داخل المجتمع العراقي، «مثل مؤتمر وطني» كما حصل في أفغانستان ومع مجلس الحكم الراهنة.

1- ان السلطات العراقية التي تنبثق عن الانتخابات العامة ستكون قادرة بحكم شرعيتها أن تتصدى لمشكلات العراق السياسية والتي تبدو كخطوات تأسيسية يلزم أن تقوم على أنسٍ فيه من المشروعية ما لا يمكن الاعتراض عليه، وهذا الأمر لا يتحقق إلا بوساطة الانتخابات العامة.

2- يمكن للانتخابات أن تكون حلا لمسألة المعارضة المسلحة الراهنة من خلال دخول هذه المعارضة في معركة الانتخابات إذا كانت تحظى بالتأييد الشعبي، وإذا ما استمرت المعارضة العسكرية بممارسة أعمالها فإنها ستغدو مجموعة خارجة على القانون لا تمثل القوى الشعبية ولا تتمتع بتأييد سياسي عراقي أو عربي أو دولي، الأمر الذي ينزع عنها صفة المقاومة العراقية ويجعلها مكشوفة لا سقف لها ولا مشروعية جديرة بالاهتمام، وربما اضطرت إلى تسليم مصيرها إلى الحكومة العراقية الجديدة.

3- ستؤدي الانتخابات إلى إرضاء كل الأطراف بالحصص المتحصلة فيها، كل منها يرضيه ما أعطته أوراق الاقتراع العام. فيما لو جاءت السلطات الجديدة عن طريق التعيين فإن كثيرا من الأطراف سيحدث عن غش ما، أو مؤامرة ما، أو لعبة ما، سلبت منه حقه، وقوته الشعبية. ومستوى تمثيله لها.

4- ستكون الحكومة المنبثقة عن الانتخابات، في موقع قوة لإدارة معركة خروج قوات الاحتلال من العراق. وكذلك لبناء عراق جديد ديمقراطي، وتقديم الأجوبة الجديدة المتعلقة، بمسألة النظام الدستوري، والبناء، والمحاكمات والتفاوض، والدخول من بوابة الشرعية الشعبية إلى الشرعية الإقليمية والدولية، اللازمة، والمتبنية على الشرعية الشعبية العراقية نفسها.

تؤدي عملية الانتخابات كل هذه المصالح ذات المقاصد العليا بالنسبة لمستقبل النظام السياسي في العراق وحرية شعبه ولذلك تفترق المواقف حيالها، ويحدث أن تكون القوى المتصارعة في موقع واحد وذهب بعض المراقبين إلى اعتبار معركة الانتخابات مقدمة لاصطفاف عراقي جديد، يقلب المعادلات الراهنة لصالح معادلات قديمة - جديدة فيما يذهب آخرون إلى النظر إلى مطلب الانتخابات كمهاد أولي، يكشف عن مستقبل العلاقات بين المرجعية الإسلامية الشيعيّة في النجف، وبين قوات التحالف المحتلة في قراءة تذهب إلى احتمال توتّر هذه في العلاقة بين الطرفين، واستخلاص الدروس من التاريخ الذي يعيد نفسه مرة جديدة فتجري الحوادث وفق مسالك سبق وسلكتها قبل قرن من الزمان في ثورة النجف وثورة العشرين، وأدّت أغراضها في قيام العراق الحديث على صورة تحالف استبدادي مكين.

لا نرى كبير احتمال في أن يعيد التاريخ نفسه، لأن منطق التاريخ يكشف عن استفادة الشعوب من الخبرات والتجارب السابقة. ولذلك فإن المطالبة بإجراء الانتخابات من قبل المرجعية الإسلامية الشيعيّة في العراق هو استعادة لزمام المبادرة في الوضع السياسي العراقي الذي يغلب مسألة بناء العراق الجديد لأن في هذا الواقع تتواجه القوى، ويحصل الصراع الحقيقي، فيما تصفية الحسابات في مواقع أخرى، تستدرج إليها القوى بعضها ليست هي بالمواجهة الرئيسية وتبين من ناحية أحقّية هذا المطلب وبساطته وبداهته، وقدرته على كسب الرأي العام العالمي، وصعوبة معارضته أنه ضرب لازب استطاعت أن تذهب إلى مواجهة تكسب منذ البداية نصف معركتها ومن ناحية ثانية فإن هذا المطلب يكشف الغطاء عن كل سلطة عراقية تأتي عن طريق آخر

من الصعب غلبة مطلب الانتخابات، وحتى لو لم تجر هذه الانتخابات فهي ستبقى معلقة، فوق رأس كل سلطة عراقية قادمة

العدد 519 - الجمعة 06 فبراير 2004م الموافق 14 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً