خلال الأيام الماضية نشرت وسائل الإعلام المختلفة وعلى الهواء مباشرة نتائج تقرير اللورد هاتن عن ملابسات انتحار خبير الأسلحة البيولوجية البريطاني ديفيد كيلي. طبعا ذلك الملف يعتبر تحديا كبيرا للحكومة البريطانية بقيادة رئيس الوزراء طوني بلير، إذ إن بداية المشكلة تمثلت في التحقيق الاخباري الذي قام به الصحافي «أندرو جيليجان» وقدم على شاشة البي بي سي والذي أثار الكثير من الشكوك عن صدقية الحكومة البريطانية بل و«تضليل» الرأي العام لتبرير حرب العراق جنبا الى جنب مع الولايات المتحدة.
اللافت أن طلب التحقيق ومن جهة محايدة جاء من قبل رئيس الوزراء نفسه لوضع النقاط على الحروف واثبات ما هو حق وابطال ما هو باطل في ذلك الملف الشائك. طبعا نتائج التحقيق الذي قام به اللورد هاتن كما هو معلوم جاءت لصالح طوني بلير وفي الوقت ذاته جاءت محبطة وكالصاعقة على هيئة الإذاعة البريطانية ما أدى الى استقالة المدير العام للمحطة ورئيس مجلس أمنائها.
تلك كانت جائزة التحدي الكبير الذي قبل به وأراده رئيس الوزراء البريطان، إذ إن التقرير برأ ساحة الحكومة من ادعاءات الصحافي جيليجان حول تضليل الرأي العام وقد أدى ذلك الى ما أدى اليه من سلسلة الاستقالات في هيئة الإذاعة البريطانية.
الآن ونحن في البحرين وفي ظل فضيحة مالية وإدارية كبيرة وقد أثبت التحقيق البرلماني فيها، وبالأرقام، مسئولية الحكومة واثنان من وزرائها على أقل تقدير في كل ما يعج به ذلك التقرير المثقل من مخالفات وتعد على أموال المشتركين في هيئتي التقاعد والتأمينات. تُرى هل لحكومتنا القبول عمليا بحيثيات هذا التقرير والتحديات الصعبة التي يزخر بها؟
إن كانت هناك جدّية بخصوص الخلاصات والتوصيات التي خلصت لها لجنة التحقيق البرلمانية والمداولات البرلمانية في ذلك الشأن فلماذا لا تتبنى التوصيات التي رفعتها اللجنة البرلمانية ومن تمثلهم. اعتقد أن ما لا يقبل الجدل في هذا الشأن هو القيام بالمطلب التصحيحي الأول، أخلاقيا وقانونيا، وذلك بإحالة من تسبب في تلك «الفوضى» المالية والإدارية على التقاعد بناء على هذه الخلفية على أقل تقدير، فليس من المعقول أن من أشار إليهم تقرير لجنة التحقيق وبصريح العبارة، وبالاسم، وبمسئوليتهم عما جرى أن يبقوا في مناصبهم كما كانوا وكأن لم يكن ما كان وجرى، بل ونفاجأ كل يوم بصورهم على صفحات الصحف وفي وسائل الإعلام في استقبال فلان وعلان.
ذاك من أصعب الأمور وأشدها على جمهور المشتركين ألا يروا توصيات المحققين بإحالة المسئولين عن ذلك التسيب على التقاعد في الأقل وأن تنزع الثقة منهم لتبوء المنصب العام ويبقون كما كانوا «المستأمنين» على أموال الناس ومقدراتهم، إذن فمطلب جمهور المشتركين والذي لا مناص من تنفيذه هو القبول بذلك التقرير وتنفيذ تلك التوصيات بحذافيرها.
وعودا على بدء، هل لنا أن نستقي العبر والدروس من تلك الديمقراطيات «العريقة» كما هو الحال في بريطانيا، إذ ان تقريرا أخباريا تلفزيونيا (وليس خسارة الملايين من أموال الناس والمشتركين) كاد أن يؤدي إلى استقالة رئيس الوزراء البريطاني نفسه، بل وأدى فعلا الى سقوط رموز من الخط المقابل تمثلت في تقديم رئيس محطة الـ «بي بي سي» لاستقالته وتحمله المسئولية الأخلاقية عن نشر ذلك التحقيق التلفزيوني وما شابه من عدم دقة. اعتقد أن تقرير اللورد هاتن لو أثبت الدور «التضليلي» المفترض لحكومة بلير لأصبحت رئاسة بلير للحكومة، بل وربما مستقبله السياسي برمته، في مهب الريح، وفي الواقع فإن صقرا من صقور الحكومة البريطانية وهو مسئول الإعلام في مكتب رئيس الوزراء البريطاني «أليستر كامبل» قد أدى تقرير الصحافي البريطاني جيليجان وما أعقبه من انتحار خبير الأسلحة كيلي الى تقديمه استقالته على رغم أن تحقيق اللورد هاتن بشأن ملابسات انتحار كيلي لم يبدأ بعد وذلك بسبب ضغط الرأي العام والصحافة.
ذاك درس لنا: ينبغي، في الأقل، على الوزيرين عبدالنبي الشعلة وعبدالله حسن سيف أن يبادرا بتقديم استقالاتهما، أو يجبرا على ذلك، استجابة لتداعيات تقرير لجنة التحقيق البرلمانية وما أشار اليه من مسئولية مباشرة لكليهما فيما حصل.
أعتقد أن على الحكومة أن تقوم بتلك الخطوة الأولى، إن لم يكن من أجل «جبر خواطر» الناس والمشتركين، فلأجل المجلس الوطني وصدقية التجربة الديمقراطية في مملكة البحرين
العدد 518 - الخميس 05 فبراير 2004م الموافق 13 ذي الحجة 1424هـ