العدد 517 - الأربعاء 04 فبراير 2004م الموافق 12 ذي الحجة 1424هـ

جولة جديدة من مفاوضات التجارة العالمية تركز على الملف الزراعي

يتوقع خبراء الاقتصاد والتجارة العالمية إجراء جولة جديدة من المفاوضات لمنظمة التجارة العالمية خلال الشهور القليلة المقبلة ، إذ دعا المفوض التجارى الأوروبي باسكال لامى على هامش اجتماعات دافوس التي أنهت أعمالها في 25 يناير/ كانون الثاني الماضي إلى ضرورة أن تبدأ تلك المفاوضات في مارس/ آذار أو أبريل/نيسان المقبلين.

وأكد مدير عام منظمة التجارة العالمية سوباتشي بانتشباكدي على وجود شعور بالحاجة الملحة والعاجلة لجولة جديدة من المفاوضات علاوة على تأكيد نحو 20 وزيرا للتجارة الذين اجتمعوا على هامش دافوس على ضرورة إعادة إطلاق المفاوضات عن القضايا العالقة أمام التجارة العالمية مثل إلغاء الدعم والنزاعات القائمة عن الدعم الزراعي بالدول الغنية والتعريفات الجمركية المرتفعة على الصادرات الزراعية من الدول الفقيرة والنامية.

وحث الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان من جهته رجال الأعمال بدافوس لاستخدام نفوذهم لإقناع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالتنازل في مجالات مثل الدعم الزراعي لإصلاح تجارة المنتجات الزراعية العالمية.

وقد أكدت دراسة تحليلية لمجلس الشورى أعدتها لجنة الإنتاج الصناعي عن تحديات اتفاق الزراعة لمنظمة التجارة العالمية التي أصبحت سارية المفعول اعتبارا من العام 1995 أن هناك اختلالات كثيرة تشوب هذا الاتفاق تضر بالدول النامية إذ أتاح الاتفاق للدول المتقدمة مساحة لزيادة دعمها المحلي بدلا من تخفيضه ذلك الدعم الذي يمثل أحد صور الخلل الأساسي بسماحها للدول المتقدمة بالاستمرار في هذا الدعم حتى 80 في المئة بعد فترة الست سنوات بالإضافة لأنواع كثيرة أخرى من الدعم المحلي الذي يطبق بالدول المتقدمة التي تم إعفاؤها من تخفيض الدعم ، بينما على النقيض لا يتاح للدول النامية تقديم الدعم بسبب قلة مواردها بل هي ممنوعة الآن من تقديم دعم لما يزيد عن الحد الأدنى.

وأوضحت دراسة مجلس الشورى عن الملف الزراعي لمنظمة التجارة العالمية أن الإعفاء من تقليل الدعم المطبق على الدول النامية يقتصر على أربعة مجالات فقط هي... دعم المدخلات المقدمة للمزارعين الفقراء ودعم تحسين الأراضي الزراعية والدعم المقدم لتحويل الأرض عن إنتاج محاصيل غير قانونية مثل المخدرات ثم الدعم المقدم لتوفير الغذاء للفقراء... وهي اعفاءات ذات نطاق محدود للغاية لا تستفيد منه إلا قليل من الدول النامية وذلك في الوقت الذي تم فيه تحصين الدعم المعفي من التخفيض وتستخدمه الدول المتقدمة ضد أي إجراء مضاد معني أنه لا يمكن إخضاعه للرسوم المضادة أو تطبيق آلية تسوية منازعات الرسوم ضده بينما لا يحظى الدعم المعفي من التخفيض للدول النامية بكل هذه الحصانة.

وأشارت الدراسة إلى الخلل الخاص بدعم الصادرات والتي يكون فيها للدول المتقدمة الحق في أن تحتجز 64 في المئة من مخصصات موازنتها و79 في المئة من مخصصات الدعم وذلك على مدى 6 سنوات... بينما الدول النامية لاتستخدم أساسا دعم الصادرات فهو محظور عليها استخدامه بل أنه على الدول التي كانت تدعم الصادرات أن تقلل هذا الدعم ..ثم هناك الخلل الخاص بحماية المزارعين وأسلوب تنفيذ النص المتعلق بالإجراء الوقائي الخاص والذي يتمثل في إلزام الدول التي كانت تطبق إجراءات غير فرض الرسوم والقيود الكمية على الواردات بإزالة هذه الإجراءات الأخرى وتحويلها إلى رسوم متكافئة.

ووصفت الدراسة هذه الإجراءات بأنها تمثل وضعا فيه إجحاف واضح للدول النامية التي لم يكن بها أصلا أي إجراءات خلاف الرسوم وبالتالي لم تكن بحاجه لفرض رسوم وبذلك تصبح النتيجة أن الدول المتقدمة تم السماح لها بحماية مزارعيها بينما الدول النامية التي لم تسهم أصلا في مثل هذه الممارسات لا تستطيع أن تقدم حماية لمزارعيها بالإضافة إلى الشرط الضروري الواجب توافره لاتخاذ مثل هذا الإجراء الوقائي وهو أن يكون هناك ضرر أو تهديد بالإنتاج المحلي وهو أمر من الصعب إيضاحه بالقطاع الزراعي للدول النامية بسبب الانتشار الكبير للمزارعين على أرض الدولة. وأوضحت الدراسة أن اتفاق الزراعة تستند إلى فرضية أن الإنتاج والتجارة في القطاع الزراعي يجب تنفيذهما على أساس تجاري وهي فرضية خاطئة لأن التركيز بالدول النامية على الزراعة ليس بسبب أرباحها التجارية بل لأن الأراضي موجودة في حيازة الأسر لأجيال متعاقبة ولا يوجد مصدر آخر للدخل سواه... ولو طلب من هؤلاء المزارعين مواجهة المنافسة الدولية فهم خاسرون بالقطع وسيترتب على ذلك بطالة ضخمة وانهيار للاقتصاد الريفي بالدول النامية الذي يقوم على الزراعة بصفة أساسية.

وتطرقت دراسة مجلس الشورى بشأن الملف الزراعي لاتفاق التجارة العالمية إلى فشل مؤتمر كانكون إذ ارتبط الفشل الذي واجهه المؤتمر الوزاري الخامس لمظمة التجارة العالمية الذي عقد بالمكسيك خلال الفترة من 10 إلى 14 سبتمبر الماضى ارتباطا كبيرا بالتحديات التي فرضها الملف الزراعي وخصوصا موقف الدول النامية التي أكدت توحدها في مواجهة مصالح الدول الصناعية الكبرى ، فلم تتوصل الدول الأعضاء (248 دولة بعد انضمام كمبوديا ونيبال رسميا) إلى أي اتفاق بشأن الملف الزراعي.

وكانت الدول النامية تأمل في الحصول على معاملات خاصة بالنسبة لتيسير النفاذ للأسواق العالمية خصوصا أن التجارة الزراعية تمثل عصب الاقتصاد في كثير منها غير أن هذه الآمال لم تتحقق في المفاوضات السابقة أو مؤتمر كانكون بسبب ضغط وإصرار الدول المتقدمة على تقديم الدعم والرعاية لمنتجاتها الزراعية إضعاف فرص الصادرات الزراعية من الدول النامية للوصول إلى الأسواق العالمية وبذلك أصبح واقع النظام التجاري العالمي لا يتناسب مع الشعارات والوعود التي ترفع بالمحافل المختلفة.

وقالت الدراسة إنه بدلا من الأسواق المفتوحة ذلك الشعار الذي يرفعه اتفاق التجارة العالمية، فإن الدول المتقدمة تصر على وضع الحواجز التي تسبب الإعاقة والاختناق والتدمير لاقتصادات الدول النامية والفقيرة وأن هناك مثلا الضرر البالغ الذي أصاب نحو عشرة ملايين مزارع إفريقي يعتمدون في حياتهم على زراعة القطن إذ تحولت حياة هذه الملايين إلى خراب تام في مواجهة 12 ألف منتج أميركي للقطن يتقاضون دعما ماليا سنويا يقدر بأربعة مليارات دولار مما يساعدهم على بيع أقطانهم بالأسواق العالمية بأقل من كلفة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أن إصرار الدول النامية على المطالبة بإلغاء كل أشكال الدعم للمزارعين والمساعدة المباشرة لهم في الدول المتقدمة قد يقابل دائما برفض الأوروبيين والأميركيين للتحرير الكامل والإصرار على مواصلة الدعم للصادرات ودعم الإنتاج الزراعي وحماية أسواقهم من نفاد السلع الزراعية من الدول النامية... غير أنه من حسن الحظ فإن الدول المتقدمة لا تملك الانفراد بالقرار، فلابد من الوصول إلى اتفاق بإجماع الأطراف باعتبار أن مصالح تحرير التجارة العالمية أمر يمس الجميع ويمس حياة كل مواطن في الدول النامية منتجين ومستهلكين.

وأخيرا فإن السؤال المطروح حاليا والذي ستجيب عنه الجولة الجديدة لمفاوضات منظمة التجارة العالمية هو... هل سيكتب لهذه الجولة الجديدة من المفاوضات النجاح في تهدئة المواقف التعسفية للدول المتقدمة تجاه الدول النامية ؟

العدد 517 - الأربعاء 04 فبراير 2004م الموافق 12 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً