العدد 2344 - الأربعاء 04 فبراير 2009م الموافق 08 صفر 1430هـ

«الشرق الأوسط» والعودة إلى المربع واحد

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل تعود منطقة «الشرق الأوسط» إلى المربع واحد بعد انقشاع سحابة التفاؤل التي ظهرت خلال عملية التسلم والتسليم في البيت الأبيض؟ الإشارات السريعة بدأت تضغط بالاتجاه السلبي ما ينذر المنطقة بالعودة إلى حال من الركود السياسي أو زعزعة الاستقرار.

الإشارة الأولى جاءت من المبعوث الأميركي جورج ميتشل الذي عاد إلى واشنطن بعد جولته على عواصم عربية وإقليمية وأوروبية. فالمبعوث ذكر في تقريره أن مشكلة «الشرق الأوسط» صعبة ومعقدة وتحتاج إلى جولات وصولات.

تصريح ميتشل دفع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلى الإعلان عن احتمال عودة المبعوث في جولة ثانية إلى المنطقة في نهاية الشهر الجاري. وتحديد الموعد في نهاية الشهر الجاري يعني أن واشنطن تنتظر نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي تشير الاستطلاعات إلى أن أقصى التطرف يرجح أن يفوز بها. وفي حال حصل هذا الترجيح فإن المسار الدبلوماسي سيواجه اعتراضات قوية من الشارع الإسرائيلي الذي يطالب قيادته بممارسة القوة المفرطة لوقف إطلاق الصواريخ من غزة ولتجميد التفاوض مع السلطة الفلسطينية.

الإشارة الثانية جاءت من أنقرة التي ترى قيادتها السياسية أنها تعرضت للإهانة من الجانب الإسرائيلي في قمة دافوس الاقتصادية معطوفة على مجموعة أكاذيب أطلقها رئيس الحكومة إيهود أولمرت خلال المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب التي جرت بإشراف تركي. فالحكومة التركية ترى في العدوان على غزة خطوة إسرائيلية موجهة سياسيا ضد أنقرة وموقعها ودورها ما يعرض قناة المفاوضات السورية - الإسرائيلية إلى احتمال الانغلاق وإمكان البحث عن عاصمة إقليمية أخرى تشرف على إدارة الاتصالات الثنائية.

الإشارة الثالثة جاءت من طهران التي نجحت في إطلاق قمر اصطناعي محلي إلى خارج المدار الجوي ما يعتبر خطوة نوعية في مجال التطور التقني المستقل. إطلاق القمر الاصطناعي أعاد فتح الملف الإيراني على بساط البحث وأنعش مجددا التيار الأوروبي - الأميركي المتشدد الذي يضغط باتجاه التصعيد وعدم التساهل والتنازل.

الإشارة الرابعة جاءت من قرغيزستان التي أعلنت من موسكو إقفال قاعدة عسكرية أميركية تعتبر حيوية في مجال المراقبة والنقل في منطقة آسيا الوسطى. فالقاعدة تعتمد عليها واشنطن لحماية قواتها في أفغانستان وتزويدها بالوقود والإمدادات المطلوبة لوجستيا لمواصلة ما تسميه «الحرب على خلايا الإرهاب».

الإشارات الأربع مترابطة سياسيا على رغم ابتعاد حلقاتها الجغرافية. فالإشارة الأولى فلسطينية ولكن شعاعها السياسي يتجاوز الحدود ليشمل دول الجوار العربية وموقعها الجغرافي ودورها في الدفاع عن مبادرة السلام التي أطلقتها بالإجماع في قمة بيروت في العام 2002. وكلام ميتشل عن صعوبات وعقبات بعد جولته الأولى يؤكد مجددا على أن المسار الدبلوماسي بدأ يتعرض إلى تعطيل ميداني ستظهر نتائجه السياسية في حال فاز بنيامين نتنياهو بالانتخابات. فأقصى التطرف الإسرائيلي يعترض على تسوية عادلة على كل المسارات السورية والفلسطينية واللبنانية ويفضل دبلوماسية التجميد في الحد الأدنى أو دبلوماسية القوة في الحد الأقصى. وهذا الاحتمال المرجح حصوله في نهاية الشهر الجاري سيؤدي إلى تجفيف الحيوية التي أبدتها إدارة أوباما.

الإشارة الثانية تركية ولكنها تكشف عن غضب ناتج عن الضيق والتبرم من سياسة إسرائيلية حاولت استخدام قناة أنقرة وسيلة للمماطلة وإضاعة الوقت لتغطية الاستعداد العسكري للهجوم الغادر على قطاع غزة. فالغضب التركي يمكن وضعه في إطار ردة الفعل على الإهانة ومحاولة رسمية لإزالة الغموض بشأن خلفيات المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب التي جرت على أرضها، ولكن الغضب أرسل إشارات سياسية لوجود توجه نحو لعب دور إقليمي متعدد الأذرع يبدأ في فلسطين ولا ينتهي في العراق.

الملف الإيراني

الإشارة الثالثة إيرانية وهي خطوة تعتبر استثنائية في علاقات القوة لأنها نقلت التفاوض مع الغرب من الميادين الأرضية إلى الغلاف الجوي والفضاء. وتشكل الخطوة رسالة واضحة من جانب قيادة طهران تؤكد على أن مشروع التطوير التقني بلغ درجة متقدمة من النمو ما يعني أن ما قدمته الدول الأوروبية من «حوافز» و«إغراءات» لم تعد كافية أو أصبحت بضاعة غير قابلة للتسويق. ولا شك أن الخطوة الإيرانية التي جاءت بعد كلام أميركي عن استعداد أوباما لمد اليد وفتح صفحة جديدة ستدفع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا والصين إلى إعادة التفكير بالرد باتجاهين مضادين: إما تطوير الرد إيجابيا وتحسين العرض وإما الانتكاس سلبا وإقفال باب التفاوض والعودة إلى سياسة «كل الخيارات مفتوحة» تحت سقف أربعة قرارات دولية صدرت بحق إيران بين السنتين 2006 و2008.

الإشارة الرابعة روسية حتى لو صدرت عن جمهورية قرغيزستان «السوفياتية سابقا». وأهمية قرار إغلاق القاعدة الأميركية أنه يكشف ضعف الولايات المتحدة في حماية مكتسباتها التي حققتها خلال فترة انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينات القرن الماضي، ويظهر في المقابل مدى استعداد روسيا وجديتها في العودة إلى مناطق نفوذ خسرتها في لحظة التفكك والانكفاء. ولاشك في أن قرار إغلاق القاعدة يحرج الرئيس باراك أوباما ويضعه في موقع صعب بعد أن أعلن مرارا عزمه على زيادة قواته في أفغانستان وآسيا الوسطى لتحسين شروط المواجهة مع «طالبان» وخلايا «القاعدة». وهذا التحدي السياسي يتطلب من واشنطن التفكير في الرد أو البحث عن بدائل لمهابط الطيران وخطوط الإمداد في دائرة استراتيجية تقع على حافة الوسط بين الصين والهند وروسيا.

هذه الإشارات السلبية من فلسطين إلى أفغانستان تشكل عناوين سريعة تؤكد وجود موانع تعطل على الولايات المتحدة في عهد أوباما إمكان البحث عن بدائل تعوض الخسائر الأميركية التي تراكمت في عهد بوش الابن وأخذت تظهر نتائجها الميدانية برا وبحرا وجوا بعد ارتحال «تيار المحافظين الجدد» عن البيت الأبيض.

مقابل هذه الخطوات هناك إشارات إيجابية بدأت تنمو لمصلحة أوباما في أوروبا. فالاتحاد الأوروبي أخذ يتعامل بمرونة مع الإدارة الأميركية الجديدة بعد أن أظهرت استعدادها للإقلاع عن سياسة التفرد والعودة إلى مبدأ المشاركة على مختلف المستويات. وهذا التحسن في العلاقات الأوروبية - الأميركية يرجح أن يعطي دفعة لاستعادة واشنطن حيويتها المفقودة وتنشيط دورها الأوروبي في التعامل مع روسيا بشأن «الدرع الصاروخي» في بولندا وتشيخيا أو في ترتيب الأولويات التي تتصل مباشرة بحلقات «الشرق الأوسط» بدءا من أفغانستان وصولا إلى فلسطين.

احتمال عودة منطقة «الشرق الأوسط» إلى المربع واحد مسألة غير مستبعدة. وواشنطن تنتظر مجموعة تطورات حتى ترسم خريطة طريق للتعامل مع الحلقات. فهناك تحديات متخالفة في توجهاتها السياسية ولكنها في النهاية تتجمع في دائرة يمكنها المساهمة في تعطيل الدبلوماسية الأميركية الجديدة ما يرجح إمكانات دفعها للعودة إلى فصل آخر من زعزعة الاستقرار.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2344 - الأربعاء 04 فبراير 2009م الموافق 08 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً