العدد 515 - الإثنين 02 فبراير 2004م الموافق 10 ذي الحجة 1424هـ

العراقيون بين التناحر والانتخابات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ليس من الحكمة أن يتناحر العراقيون على مسألة الانتخابات في وقت تتجه الإدارة الأميركية إلى التفكير بالانسحاب من معظم الأراضي والمدن الكبرى إلى داخل القواعد العسكرية ومهابط الطيران. فالحكمة تقضي بأن يتفق العراقيون على الحد الأدنى لرص الصفوف والتوحد على مبادئ مشتركة أساسها استمرار الضغط على الاحتلال لتحرير كامل التراب واستعادة السيادة الوطنية والاستقلال. العراق الآن تخلص من الاستبداد وعليه أن يتخلص من الاحتلال. فالمشكلة الآن في الاحتلال وليست في تقاسم السلطة وتوزيع الحصص.

هناك الكثير من المحطات إلا أن الخطوات الأولى يجب أن تكون ثابتة حتى تأتي المسيرة متوازنة وواثقة وواعدة. وأهم تلك المحطات الاتفاق على الدستور ووضع أنظمة واضحة لمسودة آليات الانتخابات. فالعراق ليس بحاجة إلى استفتاء على هويته. فالهوية واضحة فهو قوميا يتألف من غالبية عربية (سنة وشيعة) تصل نسبتها إلى 80 في المئة. ودينيا يتألف العراق من غالبية مسلمة (عرب وأكراد وتركمان) تصل نسبتها إلى 95 في المئة. فهذه المسألة واضحة. والمشكلة ليست في تحديد هوية العراق العربية - المسلمة وإنما في توضيح آليات انتاج السلطة في بلد استبدت به الدكتاتورية لمدة ثلاثة عقود نجح خلالها العهد السابق في تفريق ما جمعته الجغرافيا ووحّده التاريخ.

ليس من الحكمة أن يتناحر العراقيون على مسألة الانتخابات والاحتلال على قاب قوسين من إعلان فشله الميداني في فرض شروطه الاستعمارية على شعب بلاد الرافدين. فالحكمة تقضي بوقف كل الحساسيات والانفعالات وضبط المسار الوطني في إطار دستوري مشترك تخضع له كل الفئات التي يتكون منها المجتمع. فإضافة إلى الدستور هناك التفاهم على آليات الانتخابات (انتاج السلطة) وهي مجموعة أنظمة مرنة يمكن اختيارها الآن وتغييرها غدا حتى تتناسب مع تكوين المجتمع وتوازناته. فالانتخابات في النهاية تعكس التركيب السكاني - السياسي للبلاد وهي تنتج السلطة من الواقع ولا تستطيع اختراعها من جديد. فالانتخابات (انتاج السلطة) ستكون على صورة العراق وواقعه ولن تكون مختلفة عن تركيبته وتوازناته ونسبه.

هذه الوقائع السياسية - الميدانية موجودة في مختلف الأنظمة التي تعتمد الانتخابات وسيلة لانتاج السلطة وهي في النهاية مؤقتة ويعاد انتاجها كل فترة تتراوح بين 4 و6 سنوات. المهم هو الاتفاق على آليات انتخابية في الفترة المقبلة حتى لا يفوت الوقت وتنهار بقايا علاقات يراهن الاحتلال على تقطيعها قبل انسحابه. تستطيع المراجع والقوى الفاعلة والأحزاب السياسية التفاهم منذ الآن على نظام واقعي يعتمده العراق مؤقتا لتقطيع الوقت في مرحلة انتقالية يمر بها الشعب. وتستطيع المراجع والقوى والأحزاب المفاضلة بين أنظمة مختلفة للانتخابات وأبرزها الآتي:

أولا، أن يكون العراق كله دائرة انتخابية واحدة. وهذا يعني أن التصويت سيكون لقائمة موحدة، والاختيار على أساس نسبي. والنسبة في النهاية لن تشكل غالبية مطلقة وطاغية بل بحسب الأصوات التي فازت بها. وهذا يفرض على كل قائمة أن تضم تشكيلة من مختلف المذاهب والطوائف والأقوام والجماعات الموزعة في الشمال والجنوب والوسط حتى تضمن الأصوات من كل الهيئات والجهات.

ثانيا، أن يوزع العراق على أساس المحافظات القائمة الآن (18 محافظة) وتتم الانتخابات وفق قوائم جغرافية تخضع لتحالفات محلية مركبة من الجماعات التي تعيش في كل محافظة. والتصويت الذي يتم سيخضع بدوره للغالبية السكانية في المحافظة وبالتالي ستنتج كل محافظة نوابها في البرلمان. وهذا يعني أن احتمال حرمان بعض الطوائف والمذاهب غير وارد، في اعتبار أن كل محافظة ستعطي أصواتها للقائمة التي ترى أنها تمثل مصالحها المحلية في البرلمان.

ثالثا، أن يوزع العراق على أساس دوائر جغرافية صغيرة الأمر الذي يلغي فكرة القائمة المشتركة والتحالفات المشتركة وتصبح الدائرة الصغيرة (نائب لكل دائرة) هي قاعدة الترشيح الأمر الذي يعزز التنافس بين الطائفة الواحدة أو العشيرة الواحدة. فاللون الواحد يمنع التحالفات ذات الخصائص المذهبية والاقوامية والقبلية.

هذه الأنواع من الديمقراطيات (آليات الانتخاب) موجودة في كل الدول المتقدمة في العالم. فهناك أنظمة تعتمد الولاية (الولايات المتحدة) وهناك من يعتمد الدائرة الواحدة على اساس نسبي (فرنسا) وهناك من يعتمد الدائرة الجغرافية الصغيرة (مرشح لكل مقعد) وهذا النظام تتبعه بريطانيا. فالديمقراطية مفهوم عام أما الآليات الانتخابية فهي مختلفة بين دولة وأخرى. وهذا الاختيار يعود للشعب العراقي ولكن النتيجة في النهاية واحدة وهي أن البرلمان سيعكس الواقع العراقي كما هو ولن يقتصر على لون واحد وفئة واحدة.

ليس من الحكمة أن يتناحر العراقيون على الانتخابات في وقت تعتبر وسيلة لحل المشكلات وليست مشكلة برأسها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 515 - الإثنين 02 فبراير 2004م الموافق 10 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً