لاتزال الحلول «بعيدة المدى» غير واضحة وغير متداولة أثناء الحوار الذي جرى بشأن أموال التأمينات والتقاعد. والحقيقة هي أنه حتى لو لم يكن هناك سوء إدارة وتلاعب بالمال فإن سياسات التقاعد تغيرت كثيرا خلال السنوات الماضية، بينما كنا في البحرين مغمضي الأعين حتى نهاية العام 2002 عندما نشرت «الوسط» تقريرا عن نتائج دراسة الخبير الاكتواري التي قال فيها إن وضع التأمينات في خطر. وبعد ذلك تدخل البرلمان وحقق في الأمر واستعرض نتائج التحقيق في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وتتابعت بعد ذلك الحوارات السياسية.
الدول المتقدمة كانت ولاتزال تدرس طرقا عدة لتحسين سياسات ادارة صناديق التقاعد، ذلك لأن أموال التقاعد في الدول الاوروبية (مثلا) قائمة حاليا على معادلة تتكون من ثلاثة أشخاص يعملون مقابل كل شخص متقاعد. ولكن مع تحسن صحة الناس وازدياد أعمارهم، وقلة المواليد، فإن أوروبا مهددة خلال السنوات العشر المقبلة باهتزاز المعادلة إذ سيصبح هناك شخص واحد يعمل مقابل كل شخص متقاعد.
الحلول المتبعة معقدة، ولذلك فإن عددا من الدول يدرس التجربة السويدية التي نجحت في إعادة صوغ سياستها لصناديق التقاعد. بصورة عامة فإن الدول هناك تطرح أربعة حلول. الحل الأول هو زيادة الاشتراكات، ولكن هذا الحل يعترض عليه العمال والموظفون الحاليون لأنهم يقولون إن معدل الاشتراكات الحالي مرتفع، واليابان (مثلا) تفكر في وضع سقف أعلى وهو 20 في المئة من المعاشات لمنع ردود الفعل العكسية.
الحل الثاني هو تقليل ما يتم دفعه إلى المتقاعدين، وهذا ربما يصلح للبلدان التي يحصل فيها المواطن على تأمينات وفوائد اخرى تمنع هبوط مستواه المعيشي ويأخذ في الاعتبار ما قدمه العامل والموظف أثناء حياته العملية.
الحل الثالث هو زيادة العاملين والموظفين من الناحية العمرية وتقليل مستوى البطالة. وهذا حل جيد ولكنه بحاجة إلى إمكانات واستراتيجية واضحة.
الحل الرابع يتحدث عن زيادة سن التقاعد إلى 67 عاما (مثلا)، لأن صحة الناس تحسنت ولأن الاقتصاد يطلبهم ولأن زيادة سن التقاعد تعني زيادة عدد الاشتراكات المدفوعة. والحل الأخير هو ما تتبعه حاليا كل من فرنسا وألمانيا وايطاليا.
السويد اعتمدت معادلة متحركة تصاحب العامل والموظف وتضيف الى حسابه بصورة نسبية وتفسح المجال له لمعرفة ما سيحصل عليه، ما يدفع كثيرين من السويديين إلى العمل سنوات أطول للحصول على مزيد من أموالهم التقاعدية لاحقا، وخصوصا ان طريقة حساب التقاعد تعتمد على خيارات ومحفزات والحساب يخبر العامل/ الموظف عما اذا كان لديه ما يكفيه للتقاعد ولمستوى المعيشة الذي يبحث عنه.
الحلول لمستقبل التقاعد والتأمينات في البحرين ليست واضحة والطرح الذي ذكره البعض لزيادة الاشتراكات في ظل الظروف الحالية ومع قلة الثقة في الإدارة الاستثمارية بعد الحوارات الوطنية الأخيرة يعني ان الحل المستقبلي لايزال بعيدا عن التوافق والتطبيق.
الحكومة لديها فرصة بعد المداولات الأخيرة، فبإمكانها أن تأخذ المبادرة لتصحيح الأخطاء ومحاسبة الذين اخطأوا (ولكن ليس عبر إحالتهم فقط إلى التقاعد) وكسب ثقة الناس وبالتالي طرح مشروع يتوافق عليه الجميع لضمان الأمن التقاعدي.
قد تبدو الأمور صعبة، ولكن التواضع والاعتراف بالخطأ وقبول النصيحة المتخصصة والاستماع للناس واشراك ممثليهم في الإدارة، كل ذلك من شأنه ان يساعد الحكومة على الاستفادة من الحوارات الأخيرة بشأن التأمينات والتقاعد
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 515 - الإثنين 02 فبراير 2004م الموافق 10 ذي الحجة 1424هـ