كثيرا ما نسمع عن ما يسمى «ايقاع اللعب» أو «ريتم دوجو»، ولكن الكثيرين لا يستوعبون هذا المصطلح والبعد الحقيقي لمعانيه. بل ان الكثير من المدربين يخشون استعمال هذا السلاح التكتيكي. والبعض من المدربين لا يفهمون دلالاته... اما المعلقون والواصفون الرياضيون والكثير من الصحافيين يحركون هذا المصطلح العلمي من دون دراية البتة... فتختلط لدى المتلقي كل دلالات هذه المصطلحات المتداولة. مثل خطة اللعب - نهج اللعب - أسلوب اللعب - تكتيك اللعب - اللعب الدفاعي - الضغط الهجومي (البريسينغ) - تنظيم اللعب و... ايقاع اللعب.
ولكي نقترب بشكل مبسط من استيعاب دلالات «الايقاع»... هناك قصة صغيرة رواها لي المدرب العربي الكبير عبدالمنعم الحاج... الذي كان يشرف على المنتخب المصري الأول ويخوض التصفيات الافريقية المؤهلة لاولمبياد موسكو.
كان على المدرب الحاج ان يتعادل مع نيجيريا في قلب بلدها وعلى أرضها... كانت المباراة الأخيرة في التصفيات وكان يكفيه التعادل... وعندما فكر تكتيكيا اهتدى الى أن الحل الوحيد هو تكسير ايقاع اللعب وتبطيئه لان النيجيريين كانوا اقوياء ويتميزون بالسرعة الفائقة اضافة الى المهارات الفردية العالية.
وتصوروا معي كيف يمكنه ان يبلغ هذا الخطاب التكتيكي الحاسم لكل اللاعبين؟
ولو خاطب الحاج كل اللاعبين لاختلط الامر عليهم جميعا فكيف للمدافع ان يكسر الايقاع ويلعب (اللعب) ببطء... وكيف لرجل الوسط ان يفعل وكيف للمهاجم...؟
كان الحل امامه ان يكلف لاعبا واحدا بخفض ايقاع اللعب... فاختار المبدع الفنان فاروق جعفر... ليقوم بهذه المهمة. وان يتحول الى مدرب داخل الملعب يسير دفة اللعب ويقيس نبض ايقاعه. وفي المقابل خاطب كل لاعبي الفريق ان يركزوا على فاروق. فأي لاعب احتار كيف يتصرف أو وجد امامه المنافذ والقنوات مسدودة الا ويمرر الكرة إلى فاروق جعفر.
انتهت المباراة بالاصفار... لأن فاروق كان يحتفظ بالكرة كثيرا في الوسط ويراقبها ويقفل عليها برجلين وكل جسمه فاصطاد الكثير... الكثير من ضربات الخطأ... وكان في كل مرة يسقط ينام... ويتوجع... وكأنه يتوفى احيانا... ونحن نعرف ان كثرة توقف الكرة تفقد أي فريق قوي تركيزة الهجومي. خصوصا على مستوى البناء انطلاقا من الدفاع مرورا بالوسط. اضافة إلى ذلك كان فاروق جعفر هو الذي يسير دفة اللعب... يمرر للمدافعين... للوسط... للهجوم المنادي على الكرة أو البعيد من أجل مفاجأة الخصم... فكانت النتيجة ان ماتت سرعة المباراة العادية... وتحول الايقاع الى سلاح كبير قوي في يد المنتخب المصري ضد الخصم».
إن ايقاع اللعب ليس بتبطيئه ولكن أيضا بتسريعة... ورفع درجة سرعة اللعب الى المرحلة القصوى هجوميا وهو ما يسمى بالبريسينغ... وفي الحالة الأخيرة تكثر الاخطاء... اخطاء التمرير لان السرعة الكبيرة لابد ان تكون نتيجتها بعض الاخطاء بالنسبة للفريق الذي يمارس هذا البريسينغ، اما بالنسبة للخصم فهو أيضا يتعرض للاخطاء خصوصا امام مرماه واذا لم يسجل الفريق المقابل يسجل هو ضد نفسه بواسطة مدافع يحاول تشتيت كرة ما.
وأيضا للايقاع السريع لاعب ما يسترو... يفتح اللعب ويوجه الاقلاعات ويوجه كثيرا النداءات على الكرة «لي زابيل دول بال».
ولعل أكبر مثال لاستعمال ايقاع اللعب والذي مازال يدرّس حاليا للمدربين هو المدرب السوفياتي سابقا لوبا نوفسكي مع نادي كييف في اوج عطائه وابداعه اوروبيا في السبعينيات.
كان لوبا نوفسكي يضغط هجوميا منذ البداية. ويستمر في الضغط... واذا لم يسجل هدفا... يوقف هذا الايقاع الهجومي السريع ويطلب من فريقه التراجع وابطاء اللعب بواسطة تمرير الكرات عرضيا بين المدافعين ورجال الوسط من أجل جذب الخصم واخراجه من تكتله الدفاعي. أو من أجل تخديره والبحث عن خانة لعب سانحة لاستعمال المضاد الهجومي السريع وكان يقوم بهذه العملية اللاعب المبدع السريع والمعروف بلوخين... إذ مع نوم وشخير ايقاع اللعب. يفاجأ الخصم بكرة عميقة مفاجئة يتسلمها بلوخين وليصبح في مواجهة الحارس الخصم... فيسلم عليه ويسجل الهدف!!
يقول المدرب الروماني ستيفن كوفاك في كتابة «كرة القدم الشاملة»: «اصبح من الضروري على كل لاعب ان يكون «بولي فالان» اي يلعب في كل المراكز حتى يستطيع ان يطبق بعض ما يقوله المدرب».
مدير تحرير مجلة الصقر
العدد 514 - الأحد 01 فبراير 2004م الموافق 09 ذي الحجة 1424هـ