كثيرون منا يتساءلون ما الذي يمتاز به السيدحسن نصرالله عن الآخرين، لماذا نجح يوم خسر الكثيرون، لماذا استطاع أن يفرض خطابه على العدو فضلا عن الصديق؟ والأكبر من ذلك لماذا فرض احترامه على الآخرين؟
هل تعلمون لماذا؟ لأنه ليس رجل شعارات، عرف أن يقود المقاومة باخلاص وذكاء ووعي سياسي، لم يحتكر السلطة ويدعي بأبوة بطريركية - وهو مرض انتشر في الجميع - انه فوق الجميع. ما يميز خطاب السيدحسن أنه خطاب لم يسكن في الآخرة ويترك الدنيا لـ «إسرائيل» لتعربد، ولتذبح، ولتأكل كل شيء.
وهذه هي ميزة الرجل. خطابه شمولي، علمي يمتاز بالمعرفة ودقة الحسابات. خطابه نتاج عقول كثيرة اجتمعت - وهو معها - لتصوغ خطابا موحدا، فحتى تهديده المبطن للعقيد معمر القذافي ما جاء ارتجاليا بل جاء وفق رؤية مدروسة، وهذا ما يفتقده التيار الإسلامي في غالبية دولنا، فالخطاب المرتجل يأتي على طريقة اليانصيب و«على البركة» مرة يصيب ومرة يخيب، لذلك وقعنا جميعا في أزمة الخطاب المهزوز.
ما يميز خطاب نصرالله انه خطاب مؤسسي وليس خطاب فرد إذ إن هناك من يرفد الخطاب وصاحبه برؤى تخصصية إذا ما احتاج إليها ان كان في الاقتصاد أو في غيره. وهذا ما نفتقده في ساحتنا السياسية فنحن نتعاطى مع القضايا الاقتصادية والسياسية البحتة بعقلية إنشائية. في حين لو نظرنا مثلا إلى شخصية كبيرة كالسيد محمدحسين فضل الله، نجد هذا الرجل يمتلك رجالا اقتصاديين متخصصين لإدارة مشروعاته الاقتصادية، لذلك استطاع أن يؤسس مؤسسات كبرى، مستشفى، معاهد، مدارس، مطاعم ودخل سوق الاستثمار. لقد استطاع أن يؤسس مطعما في الفترة الأخيرة في بيروت يكاد يكون أفضل المطاعم من ناحية الأناقة والجودة «فايف ستار».
طبعا عندما تكون ثقافة عالم الدين ثقافة أخروية من دون أن تلغي مستلزمات القوة دنيويا فلابد لها أن تنتج، فحتى الخُمس بإمكانه - إذا ما استُثمر بطريقة واعية عبر الغطاء الفقهي السليم - أن يحقق المستحيل، فالمليون ينجب بعد عامٍ مليونين وهكذا.
وعودا على بدء نقول: نصرالله امتاز بالخطاب المعرفي والمتحضر الذي يستطيع أن يرى الشباب أنفسهم فيه، لذلك تحول خطابه إلى خبزٍ يأكله كل الناس، لأن الرجل نزل إلى الناس فلم يتكلم معهم من فوق البلكونة في عاجيةٍ مفرطة. السيد امتاز بمتابعة الملفات التي تهم الشارع اللبناني وفق أجندة مدروسة، وفاعلة. وما يميز السيد انفتاحه على كل الأطياف من أجل تشكيل وعي جماهيري مدروس قائم على تحقيق القواسم الوطنية المشتركة، لهذا نجد أن خطاب السيد فرض وجوده واحترامه حتى على الدولة اللبنانية، فبذكاءٍ استطاع الرجل أن يحشر الدولة بما فيها بعض خصومه في زاوية واحدة وفق أجندة المقاومة.
لا أحد يستطيع أن يزايد على نضج السيد فقهيا ولا فكريا فقد استطاع أن يجعل خطاب قناة المنار خطابا معتدلا متوازنا يمتاز بنضج فكري غير مأسور لعقد الرهاب والفوبيا، فأصبحت المرأة اللبنانية الثورية المقاومة امرأة تدير برامج للفكر والثقافة والأدب بزيٍ إسلامي محتشم. لذلك نجد أن المرأة المسلمة التي تشكل وعيها الثقافي ونما فكرها تحت تربية نصرالله تختلف كثيرا عمن تربين فكريا في المحطات المختلفة من مجتمعاتنا الإسلامية.
السيدنصر الله ركز كثيرا على ثوابت الدين والعقيدة كما ركز على تعليم المرأة في المقاومة، ووعى ضرورة دخولها الجامعة والميادين العلمية الأخرى مع المحافظة على الدين، لذلك نجد المقاومة ركزت على المرأة، على الأيتام، الفقراء، الأسرى، الدراسة، الاعلام... وكلها محل اهتمام نبض الشارع اللبناني وغيره
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 514 - الأحد 01 فبراير 2004م الموافق 09 ذي الحجة 1424هـ