العدد 514 - الأحد 01 فبراير 2004م الموافق 09 ذي الحجة 1424هـ

المشروطة «الخاتمية» بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

بعد تجاذب امتد نحو ست سنوات ونصف هي العمر الزمني للرئاسة «الخاتمية» لجمهورية إيران الإسلامية قرر الرئيس محمد خاتمي ان يحسم وبشكل نهائي خياراته السياسية لصالح «المجتمع الأهلي» مقابل «المجتمع المدني» على رغم كل الحماس الذي أبداه طوال تلك المدة للخيار الثاني.

ففي المعركة السياسية الحامية الدائرة بين «البرلمان» الذي هو من مظاهر «المجتمع المدني» و«مجلس صيانة الدستور» وهو من مظاهر «المجتمع الأهلي» منذ نحو أربع سنوات كان الرئيس محمد خاتمي يقف بصلابة وحزم طوال المدة المذكورة مدافعا عن رفاقه وأصحابه وحوارييه البرلمانيين ما دامت المعركة سياسية الشكل والمضمون.

لكنها في اللحظة التي دخلت في شبهة الخروج عن أطرها السياسية المتعارفة المتعلقة بقواعد التداول السلمي والنزيه على السلطة قرر الرئيس محمد خاتمي وبميل تدريجي وطبيعي في منحى بياني واضح منذ نحو سنتين باتجاه خيار «المجتمع الأهلي» وعلى حساب «المجتمع المدني» هذه المرة على رغم كل اعتزازه وحماسه وحزمه في الدفاع عن منجزات المجتمع المدني.

لقد اختار محمد خاتمي التاريخ والجغرافيا على حساب السياسة في اللحظة التي شعر فيها بأن السياسة يمكن ان تؤدي ليس به فقط بل وبكل انجازاته ورصيده كمثقف متدين ينتمي الى حضارة عريقة ومعه كل المخلصين من زملائه وحوارييه الى خارج التاريخ والجغرافيا اللتين تشكلان سمة اساسية من سمات شخصيته وهويته.

لقد كان محمد خاتمي واضحا وشفافا في الأزمة الانتخابية الأخيرة - الراهنة - وهو يشرح موقفه ويدافع عنه أمام منتقديه من الراديكاليين على يساره:

«سأقاوم وأصمد حتى النهاية دفاعا عن انجازات «المجتمع المدني» ولن أقبل أو انصاع لأية قراءة ظلامية أو «طالبانية» للإسلام، ولكن إذا دار الأمر بين مشروعي «الإصلاحي» وبين أصل النظام والقانون الأساسي للبلاد - أي الدستور - فإنني سأختار قطعا الدستور. لأنني انما ناديت بالاصلاحات انطلاقا من روح الدستور وفي إطاره وتحت سقف النظام» - خلاصة مضمون مواقف خاتمي الأخيرة -.

ثمة من اعتبر مواقف الرئيس الأخيرة تخليا عن زملائه من رموز الاصلاحيين لاسيما قادة حزب جبهة المشاركة وامينها العام شقيقه محمد رضا.

بينما رأى فيها آخرون «تكتيكا» موفّقا في اطار تقسيم الادوار دفاعا عن مجموع الحركة الاصلاحية وانجازاتها في ظل «التهديد» الذي تواجهه امام مشروع راديكاليي المحافظين الذي يحضّر «لاجتياح» البرلمان بأي ثمن كان ومصادرة سفينة الاصلاح ومن ثم تبديل قبطانها.

غير انني أرى فيها أمرا بين أمرين وظني في ذلك هو ان «رجل الدين والدولة» في خاتمي انتصر على خاتمي «المثقف والزعيم الاصلاحي» هذه المرة على عكس ما بدأ به في دورته الرئاسية الأولى قبل نحو ست سنوات ونصف.

فعندما يقول خاتمي ما قاله خلال الايام القليلة الماضية وهو يصر على مواصلة الطريق وعدم الرضوخ لضغوط الاستقالة الجماعية للحكومة والبرلمان كما يطالبه زملاؤه واصدقاؤه وانصاره من «الحزبيين» ويختار الدولة والنظام والمؤسسات والوطن، وليس التيار والحزب و«المشروع الاصلاحي» مهما كان عزيزا عليه... عندما يبدو الامر وكأنهما متعارضان فهو لا يختار بذلك المنظومة الحزبية المناهضة لمشروعه الاصلاحي، كما انه لا يختار عندما يختار «المجتمع الاهلي» كما اشرنا سابقا المؤسسة الدينية «التقليدية»، بل يختار التاريخ الذي ينتمي اليه والجغرافيا التي يتعلق بها أي الدين والوطن على حساب «لعبة السياسة» والسياسيين وليس على حساب مبادئه الاصلاحية وفكره المستنير وكذلك حركة الديمقراطية الشعبية الدينية الراشدة التي يتوق اليها ويتشوق لترسيخها ان لم يحصل ذلك اليوم على يده فبالتأكيد غدا وان كان على يد غيره ممن سيخلفه من بعده أو من ينوب عنه.

فخاتمي رجل الدين والدولة ثبت انه قارئ جيد للتاريخ، وبالتالي فإنه لا يريد تكرار تجربة «المشروطة» التاريخية المعروفة وحركة الدستور في بداية القرن الماضي.

كما ثبت انه «نجيب» و«تابع» اصيل لجغرافيته وبالتالي لا يريد تكرار تجربة استقطابات «النائيني - فضل الله نوري» ولا ان يكون سببا في ظهور دورة استبدادية جديدة لبلاده كما حصل عقب فشل الثورة الدستورية الشهيرة المعروفة بنهضة المشروطة.

لذلك ترى خاتمي رجل الدين والدولة المستنير بنور الدين والدولة «الشعبية الاسلامية الراشدة» كما يحلم ويتمنى ويكافح من أجلها، لا يرى بدا من التغلب. وإذا ما تطلب الامر «تجاوز» كل الخطوط الحمراء مع خاتمي «الأفندي» والحزبي و«المدني» سواء كان شقيقه أو احد حوارييه.

قد يبدو ذلك اشبه بالإشكالية أو المفارقة أو «البارادوكس» الذي يحيط بشخصية خاتمي الذي نصب «بطلا» للاصلاحات قبل نحو ست سنوات ونصف. لكن الرجل الذي ظل امينا حتى الساعة مع زملائه ورجاله وحوارييه وصادقا مع نفسه وشعبه وهو المعروف بـ «النجابة» السياسية وغير السياسية لم ير بدا من «الانتصار» على خاتمي «البطل» من أجل الانتصار للتاريخ والجغرافيا و«للمجتمع الاهلي» الضارب عميقا في جذور النسيج الايراني من دون ان يعني ذلك مطلقا انحيازا «حزبيا» لا لمجلس صيانة الدستور ولا حتى للمؤسسة الدينية «التقليدية»، ذلك لأنه يعرف جيدا أنه في السياسة ليس هناك ثابت فيها الا «السياسة». بينما في الدين كل شيء ثابت فيه الا «السياسة».

من هنا فهو إذ لا يريد ان يتحول الدين إلى أداة بين السياسة والسياسيين لكنه ينادي بأن تكون السياسة أداة طبيعية بيد المتدينين

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 514 - الأحد 01 فبراير 2004م الموافق 09 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً