العدد 514 - الأحد 01 فبراير 2004م الموافق 09 ذي الحجة 1424هـ

العراق... والخيار الصعب

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حذر أكثر من طرف أميركي من احتمال نشوب حرب أهلية في العراق في حال قررت قوات الاحتلال الانسحاب بحسب المواعيد التي تعهدت الالتزام بها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. التحذيرات خطيرة وليست مجرد تهويل لتبرير استمرار الاحتلال، فهي تستند إلى وقائع ميدانية ظهرت في أكثر من مناسبة حتى تلك المتعلقة بمواقيت الاعياد.

هناك مشكلات إذا ولاشك أن المسئولية القانونية (الدولية) يتحمل نتائجها الاحتلال نفسه. فالمواثيق والمعاهدات والاتفاقات تنص على مواد قانونية تحمّل الدولة التي تستولي على دولة أخرى كل النتائج المترتبة على الاحتلال. وبحسب تلك القوانين الدولية فإن الولايات المتحدة تتحمل وحدها مسئولية كل ما حصل ويحصل من فوضى وحرق ونهب وتدمير وتلوث وأمراض ومجاعات. حتى ان المحتل يتحمل مسئولية كل حوادث الأمن والقتل والاغتيالات التي حصلت في الشهور العشرة الأخيرة؛ لأن الاجتياح كان السبب المباشر في تفكيك المؤسسات والغاء القوانين وكسر التوازنات وترك الأمور تتداعى لتصل إلى ما وصلت إليه من انهيار عام يقود في حال استمراره إلى معارك محلية.

الحرب الأهلية إذا غير مستبعدة وهذا لاشك يريده الاحتلال ويخطط له لسلسلة أهداف بعيدة المدى تتخطى العراق نفسه. وانفجار الاقتتال الأهلي مرجح إذا استمر الاحتلال في حقن القوى السياسية ضد بعضها بعضا. وفي حال لم تتوصل الاطراف المعنية والعاقلة إلى التفاهم على صيغة سياسية تنقذ ما تبقى من دولة ومؤسسات وأعراف وقوانين واخلاق فإن الوضع سيتدهور ودولة العراق ستصبح في «خبر كان» لتنهض مكانها دويلات صغيرة وضعيفة وغير قادرة على الحياة من دون مساعدات ومعونات خارجية.

باختصار كل الطوائف والمناطق والمذاهب والاحزاب ستخسر من الحرب الأهلية والرابح الوحيد منها هو الاحتلال الذي لا يريد للعراق الخير ولا الوحدة والديمقراطية والحرية والسعادة. فالاحتلال جاء في سياق مخطط استراتيجي كبير يتجاوز حدود العراق. فالعراق هو خطوة في مشوار الولايات المتحدة التي لم تتردد إدارتها الحالية في إعلان أهدافها الاستراتيجية التي تناولت كل شيء من موضوع المرأة إلى برامج التربية والتعليم إلى قوانين الاحوال الشخصية وغيرها من جزئيات تتناول حياة الناس وطرق عيشهم وسلوكهم اليومي.

العراق وسيلة وليس هدفا برأسه. انه مجرد واسطة لدخول المنطقة والهدف بالتأكيد ليس ضرب الاستبداد وتدريب الناس على الانتخابات. هذه الهموم ثانوية وهي تأتي في سياق لا يحتل المقام الأول الذي يتركز الآن على تثبيت السيطرة من خلال إضعاف كل القوى التوحيدية في المنطقة لتبقى قوات الاحتلال القوة الوحيدة القادرة على التحرك في كل الاتجاهات حين تسنح الفرصة وتحين الساعة. وهذا كله مرهون بمدى نجاح الحزب الجمهوري في دورة الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل.

المشروع الأميركي واضح وأعلن مرارا عن خطوطه العريضة في خطب وقرارات وبيانات وتصريحات وتسريبات. واساس المشروع ليس الديمقراطية وحقوق الانسان. هذا الكلام للتسويق وهو رأس «جبل الجليد» الظاهر فوق سطح الماء بينما قعر الجبل هو اساس المشروع وهو ينص على السيطرة وضرب الاستقرار تمهيدا لاعادة تشكيل خريطة المنطقة.

الديمقراطية الأميركية في العراق كذبة وهي في أحسن حالاتها مجرد خدعة لتبرير الاجتياح ومن ثم تبرير الاحتلال وأخيرا تبرير بقاء القوات إلى الفترة التي يقتضيها المشروع الاستئصالي في ابعاده الاستراتيجية.

هذه الكذبة خدعت العراقيين والكثير من شعوب المنطقة. وعلى رغم ان الديمقراطية هي خدعة لتسويق مشروع خطير فقد انطلت على المراجع والقوى السياسية والفعاليات المختلفة التي يتشكل منها المجتمع العراقي فبدأت تتنافس على مسألة لم تتضح معالمها حتى الآن وليس هناك ما يدل على ان الولايات المتحدة صادقة في نواياها. واشنطن صادقة فقط في إضعاف كل القوى العراقية وإنهاك كل الاطراف التي تشكل فعلا قاعدة اجتماعية يمكن الاعتماد عليها لانتاج سلطة سياسية بديلة. فالهدف من الانتخابات كما تراه إدارة البيت الأبيض ليس المساعدة على تشكيل سلطة بديلة مختارة ديمقراطيا من الشعب العراقي بل تعطيل امكانات اجراء الانتخابات حتى تدخل الاطراف المتنافسة في تناحر أهلي يضعف امكانات قيام دولة عراقية موحدة وحرة وذات سيادة.

في الاسابيع الثلاثة الأخيرة صدرت الكثير من التحذيرات الأميركية باحتمال نشوب حرب أهلية. وعلى رغم ان الاطراف المعنية استبعدت حصولها الآن فإنها لم تستبعد حصولها مطلقا.

فالكرة اليوم في الملعب العراقي وعلى إدارة الفريق ان تختار بين التفاهم على صيغة دستورية للبلاد أو كارثة الحرب الأهلية التي تخطط لها أميركا

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 514 - الأحد 01 فبراير 2004م الموافق 09 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً