العدد 514 - الأحد 01 فبراير 2004م الموافق 09 ذي الحجة 1424هـ

قضية التأمينات والتقاعد وحدت الناس حول «هم مشترك »

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

تميزت قضية التأمينات والتقاعد عن غيرها من قضايا الوطن بانها وحدت الناس، لأن أموال الاشتراكات كلها من جهد العاملين في القطاعات المختلفة من دون استثناء. وبسبب وحدة الجميع تمكن البرلمانيون والصحافيون من ممارسة دورهم بفاعلية، بل ان «الممارسة السياسية» غلبت «النص القانوني» الذي كان يمنع المساءلة لما جرى قبل بدء البرلمان أعماله، واضطر عدد من المسئولين الى تغيير مواقفهم والاستجابة - ولو جزئيا - لمطالب الناس التي عبر عنها النيابيون والصحافيون.

صناديق «التقاعد» في كل بلد من أكثر الصناديق غنى، وتعتبر أموال التقاعد المحرك الرئيسي لعدد من الأنشطة الرئيسية الرابحة، وعلى أساسها يتم تحديد قوة اقتصاد البلاد لأن المخزون يعتبر داعما احتياطيا مستمرا.

أموال التأمينات والتقاعد البحرينية تقترب من خمسة مليارات ونصف المليار دولار، وهي ثروة طائلة بالنسبة إلى البحرين، وهي ثروة يمتلكها كل العاملين الذين دفعوا اشتراكاتهم من دون انقطاع طوال حياتهم العملية. ولذلك فإن إدارات صناديق التقاعد في البلدان الديمقراطية تخضع لشفافية كبيرة وتمثيل مباشر (من هيئات منتخبة مباشرة من قبل العاملين والموظفين) وتخضع لتدقيق متواصل ونشر للتقارير المدققة على جميع المشتركين. وهذه الأمور لم تحصل في البحرين خلال السنوات الماضية، وهو ما أدى إلى حدوث المخالفات والمشكلات الواحدة تلو الأخرى.

الناس جميعا طالبوا بتحديد الأخطاء وتحديد أسماء الذين ارتكبوا الأخطاء ومن ثم معالجة هذه الأخطاء بصورة مقبولة. الحكومة وافقت على الاعتراف ببعض الأخطاء الاستثمارية والإدارية ولكنها رفضت تسمية الذين أخطأوا معتبرة ان المستقبل كفيل بإصلاح أخطاء الماضي. على ان هذا الطرح مازال ناقصا عما يطرحه الخبراء والناس الذين يشعرون بالخطر على أموالهم التقاعدية. والحكومة باشرت بتنفيذ عدد من التوصيات، ولكن جوهر المشكلة مازال بعيدا عن المعالجة الكاملة.

ارجاع الأموال التي يمكن ارجاعها أمر يسير، لأن ذلك لا يتعدى عدة ملايين (ربما عشرين مليون دولار) وهو ليس بالصعب على الحكومة، ولكن المطلوب هو إعادة صوغ الإدارة بحسب الضوابط الدولية التي تتطلب الشفافية الكاملة وتمثيل أصحاب الاشتراكات تمثيلا حقيقيا وتعيين مراقبين مستقلين على كل ما يجري من ممارسات إدارية واستثمارية. وهذا لن يلغي مطلب تسمية ومساءلة الأشخاص المعنيين، لأن تعويم المشكلة قد يترك بعض من تسببوا في المشكلة في أماكنهم وهذا من شأنه خلخلة ثقة المشاركين والخبراء المستقلين في الصندوق والتأمينات.

في التسعينات كان في بريطانيا شخص اسمه «روبرت ماكسويل» وكان يملك قرابة ثلث دور النشر والصحافة في بريطانيا، ولكنه ايضا كان يلعب بأموال صندوق التقاعد التابع لامبراطوريته التجارية. فقد كان يستنزف أموال الصندوق لتسيير أعماله الاستثمارية من دون علم أصحاب الصندوق. وكانت أموره تسير من دون شكوك عندما كانت تلاعباته بالمال (الذي لا يملكه) تدر عليه الأرباح. ولكن عندما انقلبت معادلات الاستثمار وبدأ يخسر الملايين في استثمارات فاشلة اكتشف الناس أمره. ولكنه وقبل ان تصل يد العدالة اليه ركب أحد قواربه الفخمة (يخت متكامل الخدمات) وأبحر به الى البحر الأبيض المتوسط وانتحر. وبعد انتحاره بدأت الأمور تتضح وتحول أبناؤه من عائلة تملك المليارات الى عائلة على بساط الفقر بعد ان صادرت السلطات الأموال وأعادت ما استطاعت إعادته الى صندوق التقاعد.

كان انتحار ماكسويل خوفا من العقاب، وما نحتاجه هو نظام عقاب يدفع من يتلاعب بالمال العام او يسيء الإدارة فيه الى الانتحار قبل إلقاء القبض عليه

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 514 - الأحد 01 فبراير 2004م الموافق 09 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً