يضحكني هذا العالم العربي ففيه من الغرائب ما يضحك الثكلى وخصوصا عندما تتحول الديمقراطية فيه إلى جارية تلمع شوارب المسئول. وما يضحكني هم أولئك المثقفون عندما يجلسون في مقاهي الصحافة وهم ينظّرون للعالم الغربي، ما يجب وما لا يجب عليه فعله لتحقيق الديمقراطية في مجتمعه! وتلك هي المفارقة بيننا كعرب وبينهم كغربيين وخصوصا عندما نكون في السلطة... ريتشارد نيكسون فقد مستقبله السياسي عندما تنصت على هواتف خصومه في حملته الانتخابية ومدير إذاعة الـ «بي. بي. سي»، يقدم استقالته بسبب غلطة التقرير، في حين نرى العرب يتقلبون على فراش السلطة غير مبالين بكل ما يفعلونه... أبنية متهالكة تسقط على أصحابها بسبب الغش في البناء ووزير البلدية نائم كما حدث في مصر، وهكذا هم الوزراء... فوزير همّه سرقة البقر، وآخر يبيع الشعير، وثالث يتاجر بالغنم والماغز، ولم يبق الا الروث طريقا للمتاجرة. ورجال الثقافة نائمون... يتكلمون عن شرف البنت لكنهم لا يتكلمون عن شرف أمة تباع علنا.
يستفزهم كل شيء لكنهم يتخشبون أمام تزوير الانتخابات واستغلال النفوذ ونهب المال العام... منشغلون بالتوافه، وما يمس وجع الناس وهمومهم هم عنه هاربون. لقد أصبح الفساد في كل العالم العربي مرتفعا كالاهرامات: فساد في مصر، وفساد في الأردن كما حدث لبنك البتراء، وفساد يصل أحيانا إلى بيع القبور، والمثقف مشغول بقصة البطة في موزمبيق كيف نامت، وكرشة جنكيزخان كيف انتفخت ذات يوم في التاريخ، وهكذا دواليك.
اننا للأسف قد نساهم في تخدير المشاعر وغسل المخوخ من دون أن نعلم. هذه اللامبالاة المزروعة في عقول المثقفين هي التي تخلق مناخ الموت البطيء.
لقد أصبحت منابرنا تكتفي بإعطاء اشارات النقد من بعيد، وبعد ذلك تغتسل عن المسئولية لنصبح على قضية ثانية... وهكذا العملية. ما نريده هو مواصلة الملفات عبر فريق عمل مدعوم من الجميع يعتمد التوثيق طريقا لكشف الحقائق. فالإدانات أصبحت مكررة ومستهجنة.
في الأيام الماضية وصلني أكثر من اتصال لمواطنين منتسبين للقطاع الخاص يقولون ان رواتبهم تم الاقتطاع منها، فقد كانوا متوجسين من أن خطة رفع الاشتراكات قد بدأت. قلت لهم: لا علم لي وإن كان كل شيء غير بعيد في هذا البلد... والذي سيدفع فاتورة كل هذه الخسائر ليس المسئولون في الهيئتين - على رغم كل ما قيل - ولكن الناس هي التي ستدفع الثمن وذلك عبر رفع الاشتراكات. قلناها سابقا، وحذرنا من خطورة هذا الملف، ودعونا إلى سحب الثقة من وزير أو وزيرين ولكن الجميع صمتوا وآثروا الجلوس في مقاعد المتفرجين، تكلمنا حتى بح صوتنا وصرخت زوجة عباس من الضيف المذنب «ضيفك راودني عباس... عباس البطل الحساس لم يسمع شيئا... زوجته تغتاب الناس».
بكل أمانة... نحن في الصحافة نشعر اننا ادينا واجبنا تجاه هذا الملف (ملف الهيئتين) ومازلنا على قناعتنا بأن بعض هؤلاء المسئولين ليسوا بحجم المسئولية، ومازلنا نرى ان افضل حل هو ان تقتطع بعض الخسائر من اموالهم ويجب ان تسحب الثقة من بعضهم.
ولكن يبقى السؤال: أين هي مؤسسات المجتمع المدني؟ أين هم رؤساء النقابات والاتحاد العمالي؟ نحن نقدر انهم في الفترة الماضية كانوا مشغولين بالانتخابات. لقد انتهت الانتخابات ونحن نبحث عن دور لهم الآن، وهذا أول اختبار. الآن سيبدأ موسم عاشوراء فيجب ان يستغل للحديث عن قضايا تهم المواطنين بما فيها ملف التأمينات والتقاعد.
إشارات:
- لا أعلم أين هو وزير التجارة من غلاء الاسعار؟ وأين هي الرقابة؟
- مدرسو احدى مدارس المنطقة الشمالية كادوا أن يذهبوا ضحية كذبة طفل انطلت على المدير لولا نباهة احد المشرفين الذي اكتشف الكذبة في اليوم ذاته واقفل الموضوع
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 513 - السبت 31 يناير 2004م الموافق 08 ذي الحجة 1424هـ