الفرح عمّ العالم العربي والاسلامي هذا العام قبيل حلول يوم العيد، وذلك بفضل حنكة حزب الله وأمينه العام السيّد حسن نصراللّه الذي أنجز أكبر عملية لتبادل الأسرى منذ بدء الصراع العربي - الاسرائيلي من دون تنازلات. وهذا هو النصر الثاني بعد تحرير الجنوب اللبناني (ما عدا مزارع شبعا) في العام 2000 الذي يشعر فيه الإنسان العربي والمسلم بالعزة وأنه ليس صفرا على الشمال كما قال وردد الكثيرون.
عدت للتو من لبنان وكان الجميع فرحين ويشعرون بالفخر على رغم قساوة الظروف. فالعيد عيد مهما تكن الظروف، فكيف إذا كان هناك إنجاز كبير كتحرير الأسرى.
في لبنان ترى الفوارق الكبيرة بين منطقة «البرج» التي أعادت إعمارها شركة «سوليدير» وحولتها إلى ما يشبه أحد الأحياء الأوروبية لاحتوائها خليطا من العمران الفرنسي والايطالي والعثماني مع الاحتفاظ بآثار قديمة تعود الى العصور الفينيقية والرومانية والبيزنطية، وبين منطقة الضاحية الجنوبية و«حارة حريك».
الحي الجديد ينافس فرنسا في جماله ويزداد على فرنسا في اسعار السلع المعروضة فيه، بينما تحتوي حارة حريك على أقدم المباني المخربة عمرانيا وأرخص السلع في المحلات. غير أن هذه الضاحية التي تشبه الخربة هي مركز الحدث، لأنها تحتوي على مقرات حزب الله والسيد حسن نصرالله والسيد محمد حسين فضل الله. التحدي بين الخراب والعمران من الجوانب المادية والمعنوية واضح في كل مكان مع انتصار الجانب المعنوي.
غير أن ذلك ليس الصورة كلها، فإحدى الجمعيات التابعة إلى السيد فضل اللّه شيدت قرية تراثية صغيرة تحتوي على «مطعم الساحة» وهو من أفضل المطاعم جمالا ورقيا ومنظرا وخدمة وأكلا وشربا، ومن يود الذهاب إليه ينصحونه بأن يحجز مسبقا لأن الأماكن كلها مملوءة في أكثر الأحيان. والقرية التراثية أصبحت أفضل من جميع مطاعم وخدمات منطقة البرج التي عمرتها شركة سوليدير.
في صباح يوم التحرير ركبت ومن معي إحدى سيارات الأجرة وطلبت من السائق أن ينقلني من البرج الى قلب الحدث (حارة حريك) لإجراء مقابلة مع السيد فضل الله قبيل وصول الأسرى، لان الاماكن ستغلق مع الظهيرة وعلينا الانتهاء من ذلك قبل حصول الازدحام. سيارة الأجرة من نوع «مرسيدس»، جزء منها تمت صيانته بما يشبه الاسمنت، وزجاجتها الامامية تحتوي على كسور منذ أيام الحرب الاهلية، وأبوابها لا يستطيع فتحها الا صاحب السيارة ولا يبدو ان فيها اي شيء يعمل بالطريقة التي صممها مصنعها. سائق السيارة قال ان السيارة من موديل 1975، وانها خدمته وخدمت غيره من دون كلل أو ملل في أحلك الظروف وما زالت «في الخدمة»، وأضاف «الياباني (السيارة المصنوعة في اليابان) ما يكفي سنتين في لبنان»!
اخترقت العربة التي تشبه السيارة الشوارع الجميلة ودخلت في مناطق مازالت تحمل آلام الحرب الأهلية ولكنها تحتوي ابطال لبنان والعرب والاسلام إذ الابتسامات على كل الوجوه والجميع يشعرون بأنهم حققوا نصرا وعزا وفخرا للجميع وفسحوا المجال للاحتفال بعيدين في وقت واحد. عدت الى البحرين وجميع الوجوه ملأتها البسمة والكل يشعر بعزة أكبر مما يتوقعه الآخرون، ذلك لان امتنا الاسلامية عزيزة، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 513 - السبت 31 يناير 2004م الموافق 08 ذي الحجة 1424هـ