مساكين هؤلاء الناس انتخبوا الكثيرين لكنهم صدموا لسكوت عدد كبير من النواب. كثير من النواب تملصوا من هذا الملف الخطير (ملف افلاس صندوق التقاعد والتأمينات) وضعوا في الأذن اليمنى طحينا وفي اليسرى عجينا. قامت الصحافة بالاتصال ببعضهم إلا أنهم يرفضون أن يصرحوا بأي تصريح على رغم أن قضية الافلاس ليست خاصة بفئة دون فئة أو بجماعة دون أخرى. هذه الأموال هي أموال المجتمع البحريني على شتى أطيافه، أموال قواعدهم الانتخابية... أموال الفقراء والعجزة وكبار السن والمتقاعدين. وهؤلاء أدلوا بأصواتهم الانتخابية لصالح عدد كبير من النواب إلا إن هؤلاء النواب في غالبيتهم صمتوا عدا قلة. لذلك يجب على المجتمع البحريني على شتى أطيافه أن يقرأ مواقف نوابه بدقة وبمسئولية. ويوم 10 فبراير/ شباط هو يوم اختبار لكل النواب فإما أن يكرم النائب أو يهان وقديما قيل «في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال». لذلك نطالب كل الكتل النيابية بموقف مسئول وبعد مناقشة التقرير أن تتحالف جميعا وتدلي بصوت واحدٍ لاكمال النصاب لاستجواب الوزراء وبعد الاستجواب يجب أن يكون هناك سحب للثقة وخصوصا التقرير حمّل الوزراء الثلاثة مسئولية التجاوزات المالية والإدارية وخصوصا سيف والشعلة.
وهنا نسأل الوزراء الثلاثة والإدارات التي مرت على الهيئتين ما هذه القسمة المجحفة؟ فالمواطن المتقاعد عندما يطلب قرضا من هيئة التقاعد التي هي في الأساس أمواله تنزل عليه مطرقة الفوائد ويوم يعجز عن الدفع ولو كان مبلغا رمزيا بضعة من الدنانير يجرجر للمحاكم، و«يبهدل» شر «بهدلة» وقد تباع أملاكه، وقد يباع بيته... كل ذلك يجري على رغم أنه في حقيقة الأمر اقترض مالا من ماله في حين - وهنا تكون المفارقة - تلغى قروض بالملايين من الصندوق ذاته على مؤسسات كبرى ويتم شطب هذه الأموال حينا وحينا يتم الغاء الفوائد! ان أموال صندوق التقاعد في قطرات عرق الفلاحين والكادحين والمواطنين الغلابة... ملايين الدنانير ذهبت هباء والناس نيام... كيف حصل ذلك؟ ومن المسئول؟ وأين هم الوزراء؟
والغريب في الأمر أن أحد النواب القريبين من التقرير يقول: «إن ما تم عرضه من فضائح افلاس التأمينات الاجتماعية وصندوق التقاعد وتلك التجاوزات المالية والإدارية لا يمثل إلا 10 في المئة مما هو موجود في التقرير». البعض يقول ستتدحرج رؤوس ورؤوس. والغريب أن المواطن عندما يطلب قرضا من التقاعد التي هي في الأساس أمواله يتم سؤاله: لماذا تريد هذا القرض؟ ولأجل ماذا؟ وأين ستنفقه؟ وكأنه أمام قاضٍ للتحقيق، لكن كل هذه الأسئلة تبقى مجمدة في ثلاجة مجلس الإدارة عندما ينوون منحها إلى هنا أو هناك! ويبقى السؤال: من المسئول عن هشاشة سياسة الاستثمار في الهيئتين؟ ومن المسئول عن كل هذه التخفيضات تخفيض الاشتراكات من دون الرجوع إلى توصيات الخبير؟ أليست هذه أمانات للشعب والله يقول: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها» (النساء: 58). أليست هذه حقوق الناس؟ وأين ذهب الوزراء الثلاثة من المادة الدستورية القائلة إن الدولة هي التي تكفل الضمان الاجتماعي في حال العجز أو الشيخوخة. للأسف الاستثمارات تذهب إلى فنادق ومصارف وشراء مبانٍ وتقوم بتطوير المنطقة الجنوبية وملاعب الجولف... وعندما سئل أحد الوزراء لقد تم بيع احدى العمارات التي تملكها هيئة التأمينات قال: لقد بيعت من دون علمي. وهذه مشكلتنا في نظرية «لا أعلم» والشاعر يقول: «إن كنت لاتدري فتلك مصيبة وان كنت تدري فالمصيبة أعظم».
إن خطر أزمة «تقاعد جيت» ليس فقط في الأثر الحالي بل المشكلة الكبرى التي ستقع على مستقبل الأسر لأن هدف الهيئتين هو تأمين دخل ثابت له في حال العجز والشيخوخة ليكون سندا لأسرته. نتمنى من النواب جميعا بما فيهم رئيس المجلس خليفة الظهراني موقفا وطنيا داعما لهذا الملف فهو اختبار لهم أمام الله والوطن والناخبين فهم بذلك سيحددون مستقبلهم الانتخابي أمام قواعدهم. هناك مفارقة بحرينية كويتية انه في الكويت الوزير عندما يشعر أنه قصر أو أخطأ في حق المواطنين في أية وزارة يقدم استقالته وقد حدث ذلك لوزير كويتي سابقا قبل تفاقم القضية فقالت الصحافة الكويتية في حينها «الوزير اختصر الطريق على الصحافة والنواب ولولا الاستقالة لتحول إلى وجبة دسمة للجميع». بالأمس - وبعد أداء المنتخب الكويتي - قدم الوزير أحمد فهد الصباح استقالته من رئاسة الاتحاد الكويتي طبعا مع الفارق بين كرة القدم وفلوس تقاعد بالملايين
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 486 - الأحد 04 يناير 2004م الموافق 11 ذي القعدة 1424هـ