الأولوية التي حددها سمو ولي العهد ضمن برنامج مجلس التنمية الاقتصادية هي حل مشكلات سوق العمل التي تهدد مستقبل البحرين خلال السنوات العشر المقبلة ما لم يتم وضع الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى.
لقد أدى التنافس غير السليم بين العمالة الوافدة والرخيصة مع العمالة الوطنية إلى انخفاض معدل دخل المواطن البحريني بنسبة 19 في المئة خلال الاثنتي عشرة سنة الماضية، وفيما لو استمر الوضع كما هو عليه فإن مستوى الدخل سينخفض بنسبة تزيد على ذلك. وهذا يعني أن الخريج الجامعي سيحصل على معاش أقل بما يقرب 40 في المئة مما كان يحصل عليه في العام 1990. هذا في الوقت الذي تزداد فيه كلفة المعيشة ولاسيما فيما يخص السكن الذي أصبح حلما غير قابل للتحقيق للأكثرية من الجيل الجديد.
صاحب العمل البحريني يفضل الأجنبي لعدة أسباب. فهو رخيص في أكثر الأحيان وهو مطيع وينفذ ما يطلب منه، وهو أيضا مضمون لأنه لا يستطيع الانتقال من عمل إلى عمل بسهولة. ولكن صاحب العمل عليه أن يركز على الأعمال التي لا تتطلب مهارات متقدمة لأن العامل الماهر لا يمكن أن يقبل بالظروف التي يخضع لها العامل الأجنبي الرخيص. ولكن التطور الاقتصادي لا يقوم على الجوانب غير المتقدمة لأن القيمة المضافة قليلة. ولهذا فإن الدراسة التي أعدتها مؤسسة «ماكينزي» عن سوق العمل البحرينية أوضحت أن انتاجية العامل في البحرين هي 34 في المئة مقارنة مع انتاجية العامل في الولايات المتحدة الأميركية.
وهذا يعني أن شخصا واحدا ينتج ما يعادل ثلاثة أشخاص في البحرين مع فارق أن هذا الانتاج يتركز في الاقتصاد المتقدم المستوى، بينما يتركز الانتاج البحريني (بصورة عامة) في الاقتصاد الهابط المستوى.
العمالة الرخيصة متوافرة في كل مكان، لو سمح لها بالهجرة إلى كل مكان. فهذه العمالة يمكن أن تذهب إلى فرنسا وألمانيا وبريطانيا لو فسح لها المجال ولكن ذلك سيعني أن مستوى دخل المواطن في تلك البلدان سينخفض ولذلك فإن الهجرة يتم تحديدها بنسبة معينة وتتم مكافحتها إذا كانت ستفتح بابا استعباديا للعمالة الوافدة ووسيلة للضغط على المواطن بحيث يصبح خارج سوق العمل.
الدول المتقدمة لا تخاف لو هدد أحد أصحاب العمل بأنه سيرحل من بلادها إلى بلد تتوافر فيه الأيدي الرخيصة. بل على العكس يشجع على ذلك في بعض الأحيان، كما حصل في بريطانيا على يد رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر التي سمحت بإغلاق المصانع التي لا تربح لكي تنتقل إلى أماكن توجد فيها أيد عاملة رخيصة. وفي العام 1983 - وبسبب هذه السياسة - استوردت بريطانيا ولأول مرة في تاريخها أكثر مما تصدر، ولكن ذلك لم يثنِ ثاتشر للتنازل عن سياستها.
وفعلا، ما هي إلا عدة سنوات وإذا بالاقتصاد البريطاني يلتقط أنفاسه ويتوسع مرات عدة مقابل انكماشه في القطاعات التقليدية التي كانت في يوم من الأيام مصدر قوته.
ولكي تحقق ثاتشر ما تريد وضعت نصب عينها صورة بريطانيا التي تريد تحقيقها وأعادت هيكلة الاقتصاد عبر خصخصة الاتصالات والحديد والصناعات الكبرى وحتى الكهرباء والماء ومختلف قطاعات الاقتصاد. وأشرفت على تحويل دور الحكومة إلى المراقب والمنظم بعد أن تخلت عن دور امتلاك القطاع العام وتسيير الاقتصاد من خلال موظفين حكوميين. فالموظف الحكومي ليس تاجرا وليس صاحب العمل ولذلك فإنه لا ينبغي أن يكون المدير للعملية الاقتصادية، وإنما المراقب والمانع للاحتكار والفساد والتلاعب وغير ذلك من المهمات المرتبطة بمهمة الحكومة الأساسية، وهي رعاية مصالح المواطنين.
وأملنا أن نستطيع رسم الصورة التي نريدها للبحرين بعد عشر سنوات وثم نعقد العزم ونتوكل على الله ونهيئ أنفسنا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 486 - الأحد 04 يناير 2004م الموافق 11 ذي القعدة 1424هـ