بطولة ديفي تشيس، جيسون ماردسن وسوزان بليشيت وإخراج هايو ميازاكي. على رغم تصفيق الاستحسان والجوائز التي حققها فيلم Spirited Away فإن ذلك لم يجعلني أفكر بضرورة مشاهدته. نعم لقد كان هذا الفيلم الفائز المشترك بجائزة Golden Bear في برلين هذا العام والحاصل على جائزة اوسكار لافضل فيلم للرسوم المتحركة والمتفوق على Titanic كأنجح فيلم في تاريخ اليابان والفيلم الذي حقق مكاسب وصلت إلى 200 مليون دولار بعد عرضه في اميركا.
إن كل هذا الأمر جيد ولكن ذلك لا يغير الحقيقة بأنه فيلم رسوم متحركة. وعندما اتذكر خيبة الأمل مع آخر فيلم رسوم متحركة ياباني لميازاكي بعنوان «الاميرة مونوكي» أصبح لديّ شك في أن يغريني أحدث أثر فني للمخرج الياباني هايو ميازاكي. ولكن من المدهش أن هذا الفيلم الأخير بعنوان Spirited Away قد بدا رائعا. ولربما لا يكون اثرا فنيا رائعا ولكنه بالتأكيد ابتكار متألق يتسم بالاثارة ونوع من الذكاء السحري.
وبمقارنته مع Alice in wenderland فإنه يعج بالاشارات إلىKafka وOvids Metamorphoses وHomers Odyssey وThe Wizard of oz بالاضافة إلى الميثولوجيا اليابانية. ومع كل ذلك يتسم هذا الفيلم بالطابع المميز لميازاكي: قصة من قصص الجن تحمل طابع الهلوسة التي تحدث اثناء الحلم. ففي كل مرة تعتقد انك تعرف القصة يغير الفيلم اتجاهه ثانية رافضا كل شيء باستثناء اسلوبه المنحرف.
ويبدأ الفيلم بشكل مضلل - وباسلوب واقعي - مع (تشهيرو) العابسة التي تبلغ العاشرة من العمر وهي تئن في المقعد الخلفي من سيارة والدها بسبب الانتقال إلى منزل جديد. وتأخذهم طريق مختصرة خلال الغابة إلى متنزه مهجور للألعاب إذ يبدأ والد ووالدة تشهيرو في التهام كل ما يستطيعون من الطعام ليتحولان إلى خنزيرين على الفور.
ثم ينتقل الفيلم من الجانب الأعلى للواقعية إلى عالم الاشباح الغريب إذ تجد تشهيرو نفسها فجأة تتدرب للعمل كخادمة في حمام عمومي مختلط وتكون رئيستها ساحرة كبيرة الرأس تدعى يوبابا تقوم بفرض اسم جديد عليها وهو «ين» وتصر على أن ينال والداها الجزاء الذي يستحقانه.
ويثار فضول المشاهد اكثر فأكثر مع النصف ساعة الأول من الفيلم. إن الشعور بأننا نتحرك في حلم يزداد عندما يتم تقديم المساعدة لتشهيرو من قبل صبي يدعى هاكو (جيسون ماردسن) الذي يشرح قوانين البقاء على قيد الحياة. إن هذه القوانين لا مغزى لها ولكن كما يحدث في الحلم فإن المرء يتحرك على فرضية عدم وضوح أية قوانين أخرى. ومع ذلك فإن انشغال ميازاكي بتحريك الاشكال ليس مزعجا بطريقة الواقعية السحرية، إنها عملية مثيرة كما أن تفاصيل القصة المجسمة (التي تخلع صفات بشرية على غير الانسان) لا تتسم بالبراعة البتة. وتتحول العجوز الشمطاء يوبابا في الليل إلى طير جارح ويتحول هاكو إلى تنين مجنح وتتحول اكوتاريساوا إلى جنية ماء.
ومن الصعب القول إذا ما كان Spirited Away فيلم كبار يناسب الاطفال أم فيلم اطفال يناسب الكبار. إن تشهيرو ليست طفلة لديها قوى سحرية مثل هاري بوتر ولكن عليها ان تتعلم المسئولية. وتبدأ تشهيرو الفيلم كطفلة نكدة مزعجة ثم تتعلم تدريجيا أهمية الكياسة والمثابرة والبطولة والعوامل التي تشكل البلوغ. ولكن اذا كان البالغون عظماء فلماذا تحول والداها الى خنزيرين؟ ولماذا يعتبر الطفل الضخم اغرب مخلوق في الفيلم يقوم يوبابا بوضعه تحت كومة من الوسائد المتناثرة؟
هل هذا يحمل معنى خفيا بأنه قد اضطهد من قبل الاطفال؟
فقد يكون هناك طابع اكثر كآبة لهذا الفيلم مما تراه العين لأول مرة. وتمت الاشارة على سبيل المثال الى ان الحمّام العمومي قد يكون كناية عن صناعة الجنس اليابانية، الطلب من النساء العاملات بتنظيف واشباع رغبة الزبائن البذيئين من الذكور، ما سيجعل عمل تشهيرو هناك أكثر ازعاجا. وقد يسيطر هذا التفسير على عقول الصغار من المشاهدين وكذلك تعقيدات حبكة الرواية في الربع الاخير عندما تحاول تشهيرو افتداء صديقها التنين هاكو.
وقد مر حل العقدة أمام مخيلتي ايضا مع انه اقل أهمية من الاداء البارع المتسم بالثقة بالنفس الذي ظهر عندما قامت تشهيرو بركوب القطار الذي يمر خلال البحر وهي الصورة التي لربما قد اقتبست من دالي أو ماغريت.
ويرتكز نجاح Spirited Away على هذا النوع من المقارنة عن طريق وضع الشيء بجانب الآخر. وتشهد كلمات الممثلين الواضحة والتفاصيل الواقعية والألوان الرائعة لفن الرسم بالجهد والعناية الذي يتسم بهما ميازاكي وفريقه من صنّاع الرسوم المتحركة ان جائزة الاوسكار هي أقل ما يستحقونه.
(خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط»)
Spirited Away
بطولة ديفي تشيس، جيسون ماردسن وسوزان بليشيت وإخراج هايو ميازاكي
العدد 485 - السبت 03 يناير 2004م الموافق 10 ذي القعدة 1424هـ