يعد التمثيل المحاصصي في مجلس الحكم العراقي، مخرجا أوليا لسد الفراغ الذي أحدثه إسقاط النظام البعثي هناك، وربما يكون جزءا من حل الأمر بالشكل الأقرب إلى ما تسامع عنه الناس من توزيع العرقيات والطوائف في العراق، أكثر منه رغبة في خلق تآلف وطني في هذا البلد.
ولكن الأمر يبدأ في الانحياز ناحية الخطورة، متى ما بدأ تكوين المؤسسات العسكرية والمدنية على هذا الأساس، وهو أن تكون لكل عرقية أو طائفة، ممثل بحسب حجم الطائفة، ما يعني تهيئة العراق كي يكون فسيفساء كبرى تقع ضمن حدود واحدة تؤطرها.
إن «مقولات» النسب المئوية التي تروج حاليا، أمر يحتاج إلى كثير من المراجعة، لأنها لا تعدو تكهنات لا تستند إلى إحصاءات دقيقة، خصوصا في بلد كالعراق حاول النظام السابق طمس الهويات الخاصة وتذويبها، فلا تعرف من الشخص إلا اسميه الأولين، وكذلك فإن التزاوج المختلط بين الكثير من الفئات، يفوت - إلى حد كبير - فرضيات «نقاء الانتماء».
أما الأمر الأهم هاهنا، فيتمثل في أن يطالب كل فريق بتمثله في الوطن ومؤسساته، وذلك دفعا وإمحاء لما جرى عليه النظام السابق، فعلاج الخطأ لا يكون بارتكاب الخطأ نفسه، وإن أتى على هيئة «حصص» توزع بحسب تلاوين المجتمع.
فلبنان يعاني من تحت الجلد مسألة مشابهة، إذ تتوزع المناصب بأمر الدستور، بغض النظر عن الكفاءة والأحقية، فلربما كان الأحق بإدارة وزارة ما، أو ترؤس الحكومة، شخص لم ينص عليه الدستور، فهل يتقدم المفضول على الفاضل حفاظا على التوازن الطائفي وإن كان على حساب توازن البلد نفسه؟ وهل يضير بلد ما أن تتكاثر كوادر مؤهلة في مواقع معينة إن كانت هي الأقدر على إدارتها بصرف النظر عن انتماءاتها المتعددة؟
إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"العدد 484 - الجمعة 02 يناير 2004م الموافق 09 ذي القعدة 1424هـ