بينما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون يتعهد أمام وزير الخارجية المصري بتجنب أي عمل يمكن أن يؤثر على هدنة محتملة تتفاوض الفصائل الفلسطينية حاليا بشأنها. وكان جيش الاحتلال يرسّخ على الأرض سياسة «إسرائيل» العدوانية طغت أنباء الاعتداء بالضرب الذي تعرض له وزير الخارجية المصري أحمد ماهر من قبل مصلين داخل المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة والذي استوجب إدخاله المستشفى لساعات للعلاج، على نتائج مهمة الوزير المصري في «إسرائيل» والهادفة أساسا إلى الترتيب لهدنة في العمليات العسكرية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وذلك غداة لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون ووزير الخارجية سيلفان شالوم. وكان ماهر قد قصد المسجد الأقصى للصلاة فيه بعد أن أنهى لقاءاته الرسمية مع المسئولين الإسرائيليين ولدى اقترابه من بوابة المسجد الأقصى تصدى له عشرات المصلين بالسباب والصراخ، ونعته بعضهم بـ «الخائن» فيما حاول آخرون الاعتداء عليه ما خلق حالا من الفوضى الشاملة والتدافع والتشابك بالأيدي بين حراس الوزير وحراس المسجد الأقصى من جهة وعدد من المصلين. وعبر حراس الوقف الذين كان يفترض أن يتولوا حماية ماهر في باحة المسجد الأقصى عن استيائهم لأن حراسه الإسرائيليين اقتادوه «عمدا» إلى باب المغاربة بينما كان حراس الوقف ينتظرونه عند باب الأسباط. وفيما عرض التلفزيون الإسرائيلي لقطات لأحمد ماهر شبه غائب عن الوعي ويستند إلى أكتاف أعضاء في الوفد بينما كان يتم نقله خارج باحة المسجد الأقصى، أعلن التلفزيون المصري باقتضاب ان «بعض الاشخاص تهجموا على أحمد ماهر عندما كان يهم بدخول المسجد الاقصى»، موضحة ان الحالة الصحية للوزير المصري «مستقرة». وجاء في معظم عناوين الصحف العربية «ماهر يتعرض لاعتداء في الأقصى» وحافظت الصحف المصرية على هدوئها مع تأكيد مواصلة مصر جهودها من أجل «رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني» وبينما جاء العنوان في «الأهرام» (المصرية) أقرب إلى التهدئة إذ عنونت «الحكومة الفلسطينية تستنكر الحادث وتتوعد بمحاسبة مرتكبيه... متطرفو حزب التحرير يحاولون الاعتداء على أحمد ماهر داخل المسجد الأقصى!» سجلت «الوفد» (المصرية) «اعتداء سافر على وزير خارجية مصر داخل المسجد الأقصى... فلسطينيون ضربوا أحمد ماهر حتى أصيب بالإغماء... تضارب الأنباء عن وجود حرس إسرائيلي أثناء الحادث» وعنونت «الأخبار» (المصرية) «ماهر يتعرض لاعتداء إجرامي من متطرفين فلسطينيين في المسجد الأقصى» وقالت انها إذ تدين هذا الاعتداء الآثم تؤكد ان زيارة ماهر لـ «إسرائيل» وما أعلنه في المؤتمر الصحافي كانت تستهدف رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني وتحقيق آماله في نيل حقوقه المشروعة الأمر الذي يرفضه المتطرفون أعداء السلام. ووصفت «الأهرام» الحادث بأنه واقعة مؤسفة، إذ حاولت مجموعة من المتشددين الفلسطينيين، الاعتداء بالضرب على وزير الخارجية، بينما كان في طريقه إلى الصلاة في المسجد الأقصى بالقدس، ولفتت إلى ان التقارير الأولية، أشارت إلى أن المهاجمين رددوا هتافات تتهم الوزير بالخيانة، وبدأوا في إلقاء أحذية عليه(!) عند مدخل المسجد، وهم يسبونه ويسألونه: ما الذي جاء بك إلى هنا؟ ولاحظت «الوفد»، تضارب الأنباء عن وجود أو عدم وجود حراس لماهر أثناء دخوله المسجد. وفي مقالتها اليومية، أكدت «الأهرام» ان جهود مصر الدبلوماسية لن تتوقف بعد زيارة ماهر بل ستتواصل لأن القضية لا تهم حكومة شارون وحدها ويجب ألاّ ترتهن بالعقبات التي تضعها بل تهم كل المجتمع الدولي إذ أصبحت قضية دولية بما تعنيه الكلمة من معان. كذلك أكد جلال دويدار في «الأخبار» (المصرية) ان كل ما تسعي إليه مصر هو أن يحل السلام كل منطقة الشرق الأوسط باعتبار ان التوصل إلى هذا الإنجاز يحقق صالحها الوطني والقومي. مشددا على ان هدف زعامة وقيادة مصر دفع عجلة التنمية من أجل الارتفاع بمستوى المعيشة لكل أفراد الشعب وتوفير الحياة الكريمة. ومن هذا المنطلق فإن الجهود المصرية لا تتوقف بحكم المسئولية التاريخية حتى إنهاء كل أشكال العنف وإزالة كل مصادر التوتر والخلاف وصولا إلى السلام العادل والشامل المنشود الذي يحقق أمن واستقرار جميع الدول والشعوب. ولفت إلى ان الزيارة السريعة التي كلف وزير الخارجية أحمد ماهر بالقيام بها لـ «إسرائيل» هي من أجل كسر حال الجمود التي تعيشها مسيرة السلام نتيجة تعنت شارون وحكومته. متمنيا أن يكون التحرك الإسرائيلي إيجابيا في الأسابيع المقبلة نحو السلام استجابة للجهد المصري المخلص. وختم دويدار بالقول ان لا أمل في أية انفراجة إلاّ إذا آمن شارون وجماعته بأن السلام العادل هو لصالح «إسرائيل» والشعب الإسرائيلي، وكفى ما ضاع من وقت وما سال من دماء.
قذف بالأحذية!
وعنونت «الراية» (القطرية) «مهاجمة ماهر حتى الإغماء بالأقصى» فيما جاء في «مانشيت» «البيان» (الإماراتية) «مبارك يؤكد الالتزام بجهود التسوية على رغم الاعتداء على ماهر بالأقصى» ولفتت «القدس العربي» (الفلسطينية) إلى «الفلسطينيون يقذفون أحمد ماهر بالأحذية في الأقصى» واعتبر رئيس تحريرها عبدالباري عطوان ان الأحذية التي انهالت على رأس أحمد ماهر هي درس لكل الزعماء العرب وممثليهم الذين استهتروا بالشارع العربي وباتوا لا يستمعون إلاّ للإدارة الأميركية... وفي مقالة تحت عنوان «أحذية الإنذار المبكر»، سخر عطوان، قائلا ان الأحذية التي انهالت على رأس وزير الخارجية المصري أحمد ماهر أثناء زيارته للمسجد الأقصى هي درس لكل الزعماء العرب وممثليهم الذين استهتروا بالشارع العربي، ومطالبه، ومشاعره، وباتوا لا يستمعون إلاّ للإدارة الأميركية ومطالبها المهينة في التطبيع مع الدولة العبرية، وخدمة مصالحها، والتستر على سياساتها الإرهابية. ورأى ان ماهر، أهان الشعب المصري وقواه الوطنية الحية، عندما ذهب على غير رغبته، واستهزأ بمشاعره، إلى تل أبيب للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي الملطخة يداه بدماء رجال المقاومة الفلسطينية. ولذلك كانت أحذية المصلين الفلسطينيين التي انهالت عليه هي تعبير عن غضب ووطنية أشقّائهم في مصر، مثلما هي تعبير عن وجهة نظر جميع الشعوب العربية تجاه أنظمتها الدكتاتورية القمعية الفاسدة. واعتبر عطوان، انه كان على وزير الخارجية المصري أن يمتنع عن زيارة القدس المحتلة، طالما ان الرئيس عرفات، المنتخب ديمقراطيا محاصر ومهان بقرار إسرائيلي، وموافقة أميركية. وتمنى عطوان، أن يستخلص المسئولون الفلسطينيون، وعلى رأسهم رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع العبر من هذه الحادثة، وأن يتوقف عن مساعيه للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، وإنقاذه من أزماته الحالية. كما تمنى أن يراجع المحتفلون بتوقيع مبادرة جنيف، والمتبنون لها مواقفهم، لأنهم إذا استمروا في تنازلاتهم عن ثوابت القضية العربية الفلسطينية، سيواجهون أحذية الشعب الفلسطيني وكل الشعوب العربية الأخرى. وأكد ان الشعوب العربية تخلصت من عقدة الخوف، وباتت تعبر عن امتعاضها من خنوع حكامها واستسلامهم بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة. وشدد على ان أحذية المصلين الفلسطينيين لم تسقط على رأس ماهر وحده بل رؤوس كل الزعماء العرب المطبعين مع «إسرائيل» سرا أو علنا. وختم عطوان، بالقول انه ربما تدخل أحذية الإنذار التي ألقاها الفلسطينيون التاريخ على انها الرد الشعبي العربي على الكوارث والنكسات شبه اليومية التي أصبحت تشكل الواقع العربي. فشكرا لهذه الأحذية، وشكرا لأصحابها!
وأبرزت جميع الصحف اللبنانية الخبر الذي أجمعت على وصفه بالاعتداء... وحمل بعضها «إسرائيل» مسئولية الاعتداء وعنونت «البلد» «حرمة الأقصى لم تحم ماهر» وقالت «الكفاح العربي» «انتفاضة الأقصى على الوساطة المصرية وماهر المتفائل بلقاء شارون يتعرض للضرب والشتائم» ولاحظت ان تفاؤل وزير خارجية مصر احمد ماهر لم يصمد طويلا. فبعد ساعات قليلة من إعلانه نجاح مهمته في الأراضي المحتلة، بانتزاع تعهد «إسرائيل» لالتزام «خريطة الطريق»، سقط المسئول المصري في أرض باحة مسجد الأقصى بعدما أغمي عليه اثر تعرضه للضرب على أيدي عشرات الفلسطينيين الغاضبين من لقاءاته الإسرائيلية. ورأى غسان شربل في «الحياة» (اللندنية)، ان الاعتداء على ماهر حادث غريب ومستهجن ومدان... ورأى ان ما جرى حادث خطير يصعب تصديقه ويفوق القدرة على الاحتمال. وإذا كان مشهد اعتقال صدام جرح مشاعر قسم من العرب فإن المشهد الذي بثته شبكات التلفزيون أثار استياء واستنكار معظم العرب إن لم يكن كلهم. وإذ شدد على انه من حق الفلسطيني وأي عربي أن يؤيد سياسة مصر أو يعارضها، أكد انه يجب ألا يعني التأييد تخوين الآخرين أو إدانتهم. والمعارضة يجب ألاّ تعني تخوين مصر. ولهذا كان التطاول على ماهر من قماشة الممارسات التي تحاول الاحتجاج على سوء الوضع العربي لكنها تزيده سوءا. فهذه الممارسات تساهم في إضعاف الموقف العربي وتفتح الباب لكل أنواع الحساسيات. وعاد ليشدد على انه من حق الفلسطيني أن يتفق مع القراءة المصرية أو أن يختلف معها. لكن من واجب كل عربي أن يتذكر حتى في حال الاختلاف انها مصر بكل ما لها من ثقل وبكل ما لها من تاريخ في النزاع العربي الإسرائيلي. لهذا بدا الحادث غريبا ومستهجنا ومدانا.
حرب طواحين الهواء
واختار جوزف سماحة في «السفير» (اللبنانية)، الحديث عن نظرة بعد القادة الفلسطينيين إلى مشروع شارون الأحادي التي تدعو إلى «ترك مأزق شارون ليتطور» معتبرا ان الدعوة إلى تركيز الجهد لإسقاط «وثيقة جنيف» مثل حرب على طواحين هواء... وقال ان ما قد لا نخسره بالحرب ضد الوثيقة نخسره في الحرب ضد «خريطة الطريق». واستغرب أن يكون هناك بين القادة الفلسطينيين، من يدعو العرب والمسلمين إلى ترك مأزق شارون ليتطور. وسخر قائلا ان صاحب الدعوة يقرأ بنظارات خاصة لا تجعله يرى الانهيارات المتتالية في العالمين العربي والإسلامي. والاتهام الذي يوجهه هذا القائد الفلسطيني يطال من يرمي طوق نجاة لشارون فيقبل بعدم إدانة وثيقة جنيف ويمتنع عن النضال لإسقاطها، أو يتعاطى مع «خريطة الطريق» ولا يرى فيها مجرد وسيلة لإنقاذ «إسرائيل» مما تتخبط فيه. واعتبر سماحة، ان المشكلة ليست في تعريض كل من «الوثيقة» أو «الخريطة» لنقد. المشكلة هي في الإيحاء بأن كلا منهما، أو أيا منهما، وسيلة فك الطوق عن رئيس الوزراء الإسرائيلي المحاصر، والموضوع في موقع دفاعي. وأورد سماحة، كلام أحد الأشخاص «الوردة هنا فلنرقص هنا». موضحا ان معنى هذا الكلام انه يتعيّن تحديد الحيز الحقيقي للمواجهة في كل لحظة. وهذا الحيز في فلسطين، اليوم، هو ضد المشروع الشاروني المعبَّر عنه في خطاب هرتزليا. فشارون يضع الفلسطينيين أمام الخيار: إما الحرب الأهلية وإما «الحل» من طرف واحد. أي إما تطبيق القراءة الإسرائيلية لـ «خريطة الطريق» وإما مواجهة خطر ضم قسم من الضفة، وتقطيع أوصال الأرض المحتلة، وضرب التواصل بين الفلسطينيين، وقطع صلتهم بالمحيط إلا لأغراض التجارة أو... الرحيل. وأكد سماحة، انه بات صعبا تصديق دعاة «ترك مأزق شارون يتطور». فلا يعقل ان هؤلاء لا يعاينون الخط البياني التنازلي للوضع العربي والإسلامي وللوضع الدولي المحيط بقضيتهم. ولا يعقل ان ما يميّزهم عن البن لادنية يتعطل في هذا المجال بالضبط. ان التفسير الممكن لسلوكهم هو انهم يضبطون سياساتهم على إيقاع الصراع على السلطة وليس على إيقاع الصراع على الأرض. فإذا وضعنا هذه الفرضية في الحسبان بات ممكنا فهم الكثير مما يبدو متناقضا وغير عقلاني. فهل هذا هو الموضوع فعلا، وهل هذا ما يختبئ وراء الكلام الكبير، هل هذه هي الوردة التي يرقصون حولها، هل يدركون الآثار «التعبوية» لخطابهم، هل يعتذرون من أحمد ماهر؟
يذكر ان نبأ تداولته الصحف العربية صادف «حادثة الاعتداء على ماهر» يفيد ان أردنيا متهما بالإرهاب يرمي «بنعله» هيئة المحكمة... فقد فاجأ المتهم خميس أبودرويش رئيس المحكمة وقضاتها بعد إعلان بدء الجلسة بقذفهم «بنعله». وهاجم المتهم أبودرويش، هيئة المحكمة بكلمات نابية واصفا أعضاءها بالكفرة واليهود
العدد 483 - الخميس 01 يناير 2004م الموافق 08 ذي القعدة 1424هـ