«لو اننا نحن الهنود كان بوسعنا ان نبصق في تناسق لشكلنا بركة تبلغ من الضخامة حدا تفرق 300,000 انجليزي».
والكلام منسوب للمهاتما غاندي الذي عرف عنه أنه صاحب نظرية اللاعنف الشهيرة، وقد قاله في مواجهة أزمة التفرقة التي كانت قد عاشتها الهند في مواجهة الاستعمار الانجليزي بين فئاتها المختلفة لاسيما بين الهندوس والمسلمين في مطلع القرن الماضي.
ما يشبه هذا الكلام ورد على لسان الامام الخميني (وهو القائد الإيراني المسلم الذي عرفت قيادته المتميزة واشتهرت فيما بعد بثورة «الدم على السيف» في نهاية سبعينات القرن الماضي)، عندما خاطب مجموع الدول العربية والاسلامية بخصوص القضية الفلسطينية والصراع مع الدولة العبرية بالقول: «لو ان كل مسلم سكب سطل ماء على «إسرائيل» بشكل متناسق وفي اطار حركة واحدة لفرقت تلك الدولة في البحر».
قبل أيام عقد في طهران مؤتمر دولي تحت عنوان «العالم الاسلامي - التحديات والفرص» حضره مفكرون وارباب رأي وأصحاب قلم ورجال دولة سابقون «ولاحقون» التقوا على مدى يومين كاملين فيما بينهم ومع جميع القيادات الايرانية وهم يتدارسون الفرص والتحديات، وانا استمع اليهم استحضرتني هاتان المقولتان آنفتا الذكر، وقلت لعل من المفيد التذكير بها والتأمل فيها لعلها تعيننا على ما نحن فيه من تحديات، وتسعفنا لاغتنام ما هو أمامنا من فرص.
يكاد لا يختلف اثنان في العالم الاسلامي كله من المحيط الى المحيط على انه ليس هناك تحدٍ أكبر من كون المسلمين الذين يملكون كل القدرات والامكانات الهائلة في الحجم وفي الكيفية وفي العدد وفي النوعية من انهم على رغم ذلك مشتتون ممزقون متفرقون بصورة كيانات وطرائق قددا.
لكنهم في الوقت نفسه لا يتفقون للأسف الشديد على ان الفرصة الذهبية مؤاتية لهم أكثر من أي وقت مضى للعمل سويا تحت راية التوحيد وسقف كلمة واحدة هي انهم «قادرون» على رغم كل ما يصيبهم من مصائب وكوارث وما يحيط بهم من اعداء وحصارات وتشويهات أو مؤامرات، على تحقيق انجازات كبيرة لامتهم، لاوطانهم ولانفسهم افرادا وجماعات بشرط ان يقرأوا الوقائع والحوادث قراءة صحيحة، وان يقدروا الموقف العام حق تقديره.
ولنأخذ «إسرائيل» والقضية الفلسطينية وهي القضية المركزية كما يفترض ان تكون لنا نحن المسلمين جميعا. فلنأخذها مثالا:
ألم يقل العالم كله كلمته في هذه الدولة العنصرية التي باتت تشكل خطرا داهما على الأمن العالمي بحسب احصاءات واستطلاعات الرأي في أوروبا قبل آسيا وإفريقيا.
ألم يعترف العالم ولو بعد قرن من العذاب والمعاناة بان للفلسطينيين حقا في فلسطين، ليقيموا فيها ويقميوا دولتهم المستقلة فيها حتى ولو على شبر من ترابها وخريطتها التاريخية الاصلية.
ألم يقدم الشعب الفلسطيني الشهادة وباللحم العادي وشلال الدم الذي لا ينقطع بانه «الرائد الذي لا يكذب أهله» وانه المرابط ابدا حتى قيام الساعة دفاعا عن الارض والعرض والكرامة ووحدة الامة وكلمة الوحدة والتوحيد فيها.
في المقابل ألم تكشف الايام بان كل الجيوش والجحافل ومخازن التدمير الشامل من الاسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية التي تتحصن من وراءها وتتمرس خلفها الدولة العبرية، قد وصلت عمليا الى نهاياتها وهي تصطدم اليوم بحائط اسمنتي مخلخل لا يقوى على صد ايام التغيير العالمية التي تطارد المختبئين وراءه، فما بالك لو قرأه العرب والمسلمون جيدا بانه نهاية امبراطورية («إسرائيل» من الفرات الى النيل).
الا يقرأ زعماؤنا، الا تقرأ نخبنا، الا يقرأ صناع القرار في بلادنا بان «إسرائيل» التي لايزال علمها يصور خطين ازرقين يمثلان حلمها في السيطرة المباشرة على النيل والفرات باتت اليوم تختبئ وراء حائط اسمنتي مضعضع غير قادر على الصمود خوفا من اجتياح العمليات الاستشهادية لاراضي الـ 48 من أرض فلسطين التاريخية.
قد يقول قائل ان «إسرائيل» باختراقاتها السياسية أو المخابراتية أو الامنية أو الاقتصادية قد وصلت الى بغداد بعد الذي حصل في العراق، لكن ذلك لا يمنع ابدا من ان تكون «إسرائيل» هذه هي نفسها غير قادرة على حماية سياحها ولا اقتصادها ولا رجالها ولا جماهيرها ناهيك عن جنودها من ارادة الفلسطيني الذي استطاع بلحمه العادي وشلال دمه المنسكب على أرض الرباط ان يخلق توازنا للرعب يندر حصوله بين قوى مندفعة لحرق الاخضر واليابس ومدعومة بكل انواع السلاح المدمر وهي تخوض هجوما استراتيجيا عمره اكثر من قرنين - منذ الحروب الصليبية - وبين قوى متهالكة متداعية مشتتة وممزقة يكاد لا يجمع فيما بينها الا حبل التوحيد وكلمة الاسلام وهي تخوض دفاعا استراتيجيا عن ذلك الحبل وتلك الكلمة.
باستطاعة «إسرائيل» لو أقرت وهي ستقع ان عاجلا أو آجلا ان تغير علم كيانها فترسم بدل الخطين الازرقين، خطا اسود يمثل حدود سمعتها المقبلة من وراء المتوسط في وجدان الرأي العام الأوروبي على رغم كل الدعم المادي اللامحدود من الحكومات، وخطا رماديا معوجا يمثل الجدار الاسمنتي الذي تبنيه خوفا من مواجهة قدرها الفلسطيني الذي يرفرف لها باعلام السلام ورايات الأمن المتبادل لتهدئة رعبها وهلعها اللامتناهي.
المشهد العالمي ليس جميلا ابدا، والرسم البياني لاتجاه الأمن والاستقرار والسلام منحدر بالتأكيد، لكنه وعلى رغم ذلك كله فهناك ما يؤكد بان بالامكان صناعة غد مشرق للعرب والمسلمين شرط وان يوحدوا كلمتهم مسبوقة بهذه الوحدة بتقدير موحد للموقف. والامر كله يحتاج الى تغليب العقل على الاحساس، ولا اقول العاطفة فالعاطفة مطلوبة، لكن الاحساس المقارب للمس يقول إن ما وراء الجدار الاسمنتي الذي تبنيه «إسرائيل» وهو حديث العالم هذه الايام سواء الذين معه أو الذين ضده هو نفسه الامر الذي وراء واقعة 11 سبتمبر/ ايلول، انه الخوف من القدر المحتوم الذي ينتظر امبراطورية الظلم واللاعدالة التي كلما تمددت وانتشرت وتغلغلت في الآفاق كلها وهنت وضعفت، ولكن هل يقرأ زعماؤنا وهل تقرأ نخبنا وهل يقرأ صناع القرار في بلادنا الفصل الاخير من هذه الرواية جيدا؟! هنا يحضرني الحديث الشريف أو الرواية التي تنقل عن زمن الرسالة الاول اذ يقال ان الرسول (ص) ارسل مصعب بن عمير مبكرا الى المدينة فعاد منها فسأله رسول الله (ص) وكيف هي يا مصعب فقال له: كلهم اسلام يا رسول الله، فقال له، وكيف القادمة... فما كانت الا فترة بسيطة حتى اصبحت المدينة عاصمة الإسلام..
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 483 - الخميس 01 يناير 2004م الموافق 08 ذي القعدة 1424هـ