بلا شك كانت التفجيرات التي هزت المغرب ربيع العام الماضي 2003 وتحديدا تاريخ 16 مايو/ أيار، من أبرز الحوادث التي طبعت الساحة السياسية والاجتماعية في المغرب، والتي يتفق الكل بأنها لحظة حزينة في تاريخ المغرب الحديث، وهزت مشاعر المغاربة، لتبقى تفاصيلها عالقة بأذهان الجميع.
فمنذ أن برز مصطلح إرهاب وما يرافقه من تفجيرات دموية، وسيارات مفخخة وعمليات انتحارية، ظل المغرب بمواطنيه وأحزابه ومنظماته وحكومته يتعامل معه كحدث تعرفه بعض الدول الجارة أو البعيدة، أو من خلال الصور التي تتناقلها وسائل الإعلام، إلا أن ما حدث ليلة الجمعة الحزينة الموافقة لتاريخ 16 مايو من العام 2003 في عدد من المناطق الحيوية بمركز مدينة الدار البيضاء القلب النابض اقتصاديا وماليا للمغرب، قلبت الموازين والمعتقدات، لتصبح المملكة العربية الوحيدة في إفريقيا من الدول التي أرغمت على الدخول إلى نادي الدول المستهدفة إرهابيا.
وبعد ما يزيد عن الثماني أشهر من الحدث - الزلزال، مازال رجل الشارع المغربي يتساءل عن الأسباب الرئيسية لهذه التفجيرات التي لم يكن يرى مثلها إلا عبر ما تنقله المحطات التلفزيونية أو ما تحفل به الأفلام الهوليودية من مشاهد مماثلة. إلا أنه بالإضافة إلى ذلك تتملك المواطن في المغرب الرغبة الأكيدة في معرفة سبب ما حدث ، وما الدوافع التي أدت بشباب في مقتبل العمر يفخخ نفسه ليفجرها بين الآمنين، بالإضافة طبعا إلى تأثير ذلك على الساحة الداخلية.
الإعلامي المغربي نور الدين مفتاح مدير أسبوعية «الأيام» الصادرة في مدينة الدار البيضاء يقول في هذا الصدد «إن حوادث 16 مايو التي كانت على رأس أهم حوادث السنة وبلا منازع ، وهي حوادث دفعت بالطبقة السياسية خصوصا والمجتمع عموما في المغرب إلى إعادة النظر في مجموعة من الأشياء التي كانت تعتقد أنها من بين المسلمات من قبيل أن المغرب غير مستهدف إرهابيا، أن ثقافة الإرهاب بعيدة كل البعد عن الساحة الداخلية».
46 قتيلا وجرحى قدر عددهم بالمئات، إلا أن الواضح أن المملكة لم يتغير فيها شيء، اللهم إلا عدد من المحاكمات الطارئة التي لم تكن في الحسبان، والتي تضاربت الآراء عن نزاهتها على اعتبار الكم الكبير من الذين توبعوا والذين صدرت في حقهم أحكام قاسية لم يعرفها تاريخ المغرب قياسا ربما على الحوادث الإرهابية التي لم يعرفها التاريخ المغربي أيضا في السابق، بالإضافة إلى تراجع شهدته الساحة الحقوقية حول طرق الاعتقال والتحقيق والمدد غير القانونية للاعتقال الاحتياطي، وهو ما تناقلته الكثير من التقارير الدولية والتي كان آخرها التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الأميركي كولن باول خلال زيارته الأخيرة للمغرب، إذ قال «إن الحرب على الإرهاب، لا تعني بالضرورة خرق حقوق الإنسان».
وإذا كان تأثير تفجيرات 16 مايو غير ظاهر على الساحة الاجتماعية في المغرب باعتبار استمرارية ثقافة التسامح والتعايش بين مختلف الطوائف الدينية المغربية، أكثر من هذا ظل المغرب بلدا يسعى إلى تكريس الديمقراطية والمساواة وهو ما تمثل في انتخابات محلية كانت إلى حد ما مقبولة من حيث طريقة إجرائها ونتائجها وتدخل السلطات في صوغها، وفي طرح العاهل المغربي الملك محمد السادس لقانون الأسرة الجديد المسمى في المغرب بمدونة الأسرة والذي جاء ليرتقي بوضعية المرأة والأسرة إلى وضع أحسن، وهو ما حافظ على وجه المغرب الإسلامي المتفتح.
لكن وعلى رغم هذا فإن التغير كان ليدخل من أبواب الكثير من المنازل المغربية سواء منها التي كان أبناؤها سببا في هذا الزلزال غير المنتظر، أو تلك التي تضررت منه وفقدت أعزاءها والتي انتظمت ضمن منظمة اصطلح على تسميتها بـ «جمعية أسر ضحايا 16 مايو».
فما أهداف هذه المنظمة؟ وما سبب تأسيسها؟
تقول رئيسة الجمعية سعاد البكدوري «نحن كمغاربة نتعايش منذ عدة قرون على رغم اختلاف انتماءاتنا وذهنياتنا في ظل ما ينص عليه الإسلام وهو التعايش، وبالتالي فإننا كجمعية نتساءل عما حققت المجموعة الإرهابية التي فجرت مركز الدار البيضاء، ولتفجر معه أسرنا؟ والجواب بالتأكيد، أنها لم تحقق شيئا، بل ما حدث هو أنهم ضيعوا شبابهم وأعمارهم هباء منثورا، وضيعونا معهم من دون أي جرم نكون قد ارتكبناه».
بدورها تساءلت هناء محرز التي فقدت زوجها وابنها مساء الجمعة الدامية عندما كانا يتناولان وجبة العشاء بنادي «دار اسبانيا كاسا ذي اسبانيا» والعضو في جمعية ضحايا 16 مايو عن «ما الفائدة التي جناها من أرسل القنابل البشرية الموقوتة إلى مركز الدار البيضاء؟ الواضح أنه ليست هناك أية فائدة أو شيء يمكن أن يكونوا قد جنوه، فالمغرب مستمر في طريقه والمغاربة أيضا»، لتضيف «تبين لي أنهم فقط أدخلوا أولا الحزن لعوائلهم كما أدخلوه لأسرنا إذ يتموا أولادنا ورملوا نساءنا، بعيدا عن ذلك لم أجد أي جواب قد يشفع لهم ما أقدموا عليه، فلحد الآن هذا هو السؤال الذي يسيطر علي ويتردد يوميا في ذهني ولم أجد له أي رد شافي قد يطفئ النار المؤججة في داخلي».
الأسئلة التي تتردد في ذهن هناء محرز، كانت تتردد في أذهان كل المغاربة ، فمن كان يستهدف الانتحاريون المغرر بهم بعملياتهم الإرهابية، فالمجتمع مسلم حتى النخاع، ويتعايش شعبه في سلام مع مختلف أتباع الديانات الأخرى سواء من اليهود الذي لا يتجاوز عددهم 3 آلاف نسمة، أو السياح الأجانب الذين يشتغل بين ظهرانيهم في مواطنهم الأصلية مئات الآلاف من المغاربة».
فإن أهم ما يحز في نفوس المغاربة هو أن من هاجمهم هم من أبناء جلدتهم البالغ عددهم 14 انتحاريا منحدرين من الحواري والأحياء الشعبية الفقيرة بضواحي مدينة الدار البيضاء، فمن أين تسربت ثقافة الانتحار الغريبة في المجتمع المغربي.
يقول في هذا الإطار الإعلامي المغربي نور الدين مفتاح «إضافة إلى الأفكار الهدامة التي كان يحملها هؤلاء وإلى العامل الأمني، هناك كذلك عوامل أخرى أساسية تتعلق بالأساس بالتربة التي تنبت الإرهاب، من قبيل مشكلات السكن بالنظر إلى أن معظم الانتحاريين منحدرين من دور الصفيح، زيادة على المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها غالبية أبناء المجتمع خصوصا في المناطق الشعبية، والمتمثلة في التوزيع غير العادل للثروات، واقتصاد الريع وانتشار البطالة».
على أي تبقى حوادث 16 مايو التفجيرية التي هزت مدينة الدار البيضاء ومعها أفئدة الشعب المغربي حدثا أليما أفجع الكل وعلى امتداد طول وعرض المملكة، لكنه في المقابل مثل مناسبة لإظهار التضامن بأجمل صوره بين الشعب وحكومته وقيادته الذين اتفقوا مجتمعين على تجاوز المحنة والعمل على عدم تكرارها، وعدم التسامح مع من يروج لها ولمثلها من حاملي ألوية الأفكار الهدامة التي أجمع الكل أنه لا مكان لها في مغرب التسامح والتعايش، مغرب الأصالة والمعاصرة
العدد 482 - الأربعاء 31 ديسمبر 2003م الموافق 07 ذي القعدة 1424هـ