العدد 482 - الأربعاء 31 ديسمبر 2003م الموافق 07 ذي القعدة 1424هـ

المرأة في الإسلام بين المشاركة والتبعية (1-2)

قد يرمي أحدهم إليك ببعضك المفقود، ربما يخلي لك مساحات متناثرة تسبح فيها، تجدف بين أمواجها وقد تقع بين يديك فرصة أخرى لحياة جديدة بعد سفر في التيه الذي يسميه البعض «الضياع» أو «المتاهة»، هكذا يشعر المرء وهو يصغي لذلك المفكر المتواضع المشاكس بابتسامته التي تخترق عقلك الباطن من أعلاه إلى أسفله، فما أجمل العلم والمعرفة عندما تتكشف عن تواضع وبساطة وحب للحياة، لا بل أكثر منها تلك الجرأة على منازلة الواقع المختل بذات الأدوات وذات النصوص!

هل تجرأت وقلت شيئا ما، يوحي بغير مقاصدي؟ ربما، فمن خلال متابعة بعض الخطب النسائية هذه الأيام أو ما تشير إليه بعض الأقلام ما يستحضر أمامي وبإلحاح شديد آراء هذا المشاكس، فظاهر تلك الخطب والكتابات، يروق لها توصيف الواقع النسائي في مجتمعنا كساحة لمباراة كرة القدم يتواجه فيها فريقان، لابد من فوز أحدهما وخسارة الآخر، فمن هو يا ترى أحدهما؟ ومن هو الآخر؟ أحدهما وحسب ما يروق للبعض، يمثل تيار الإسلاميات المتفوقات عددا وربما عدة بسبب التشبث بالبعد الديني الإيديولوجي، والآخر المحتوم عليه جني الخسارة والهزيمة هو تيار «الليبراليات» ذي الجذور اليسارية وذلك لما يمثله من إشكالية مختبرية تختبر فيها قدرته كأحد قوى المجتمع على «تداول السلطة»، كما قارب ذلك الرأي ما بين تلك القدرة وتجارب كل من الضباط الأحرار في مصر وقادة جبهة التحرير في الجزائر والأنظمة العربية الأخرى ووو... وهي التي قادتنا إلى الهاوية! هل ندعوكم اليوم إلى ربط الأحزمة إذ منهم من سيقودكم إلى الهاوية، ومنهم من سينجو بكم ويقودكم إلى جنة الخلد. استذكرت هذه القراءة التجردية، مرات كثيرة وخصوصا عندما يتداعى العقل والتفكير، مع المتحدث المفكر المشاكس وهو يجيب عن أسئلة مستمعيه وبتركيز شديد للغاية، كل سؤال على حدة هذا هو شرطه، وقتها لا يجوز أن يغالب المرء ذاته وتأخذه العزة بالنفس بعيدا، وينكر تأثره وسقوطه في فخ النوافذ والأبواب التي شرعها أو التحوط بتلك السياج التي أقامها ليخترقك بها وتقصف بالعقل وتنقله إلى مدارات قد لا يكون للواحد منا مكان يجوب في أرجائها ويرحب فيه، وخصوصا إذا ما سادت لغة الغالب والمغلوب، لكنه بالتأكيد يحرك فيك كل ما بك، ويستنهض حواسك، ويأخذ بك كي تتوقف عن تكبيل الأيدي العقل بقيم الثقافة السائدة، فأنت لست ضد ما يقوله، أنت لا تقوى على الأخذ به، أنت أشبه ما تكون قد تلقيت دعوته لحضور حفل تتصالح فيه مع الذات والعقل المغيب، ومع كل ما حولك من ظواهر، تصالح لا مهادنة فيه، كل غواياته هو أن تقبل بالآخر والآخر يقبل بك، وأن يرتقي المدعون إلى سطوح العقل، وفي حضرة التواضع والمعرفة بكل تجلياتها وتنوعاتها، هكذا أفرش مقدمتي لعرض غوايات الأفكار التي تناولها المفكر أبوالقاسم في محاضرة الثلثاء في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2003 في مقر جمعية العمل الوطني الديمقراطي، ولكن مهلا، وقبول الولوج لها، لنتوقف عند ما عرضته الصحافة المحلية خلال الأسبوع الماضي، وتصريح للكثير من النساء اللواتي ارتفعت أصواتهن بالشكوى من بعض الظواهر التسلطية الضاغطة أثناء عملية الترشيح لانتخابات عضوية مجلس إدارة إحدى الجمعيات السياسية، تقول إحداهن: «... والآن تأتينا اتصالات تقول لنا رشحوا فلانة ولا ترشحوا فلانة...»، وأخرى تقول: «وطلبوا مني بشكل صريح وواضح أن أنسحب، وذلك لكي لا تتشتت الأصوات...»، أما الثالثة فقد أكدت: «... هناك اخوان في اللجنة السياسية قاموا بترشيحي، ... وأنا أقول لماذا لا يوجد كرسيان للمرأة في مجلس الإدارة بدلا من كرسي واحد فقط؟». هذه بعض من أصوات الغالبية التي يتأمل لها البعض الفوز في معركة مباراة كرة القدم الدائرة لتأسيس الاتحاد النسائي البحريني بحكم تمثيلهن للغالبية في المجتمع. وحتى لا تأخذنا المتاهة بعيدا عن حديث محمد أبوالقاسم بشأن المرأة والإسلام وبين مشاركتها وتبعيتها، نعود أدراجنا، ونورد ما أكده منذ بداية حديثه وكعادته دائما، التزامه بالنص القرآني وبالبحث في دلالة الآية القرآنية من منطلق معرفي، إذ يرى أن استخدام النص للمفردات هو استخدام إلهي وليس استخداما بلاغيا، أما المنهجية التي يستدل بها، فهي منهج القراءة الداخلية للقرآن الكريم، وليس القراءة الخارجية التي يرى أنها واقعة تحت تحكم ثقافتين إحداهما يتسع لها تركيب المجتمع الإسلامي الشرقي والغربي منه، والذي تحدث عنه كمجتمع تأسس قبل المجتمع الصناعي، إذ إن لكل مجتمع من هذه المجتمعات قيمة الرعوية أو البداوية (من البداوة) أو قيم مجتمعات التجارة الوسطية، التي سبقتها جميعا قيم مجتمع القنانة، فإن هذه القيم مازالت مستمرة، وتأخذ بالعرف الاجتماعي في العلاقات بين الناس وبين ذوي المجتمع أنفسهم، إنها علاقة الإنسان بالآخر في هذه المجتمعات. بيد أنه لا مناص من السؤال هنا، هل المقصود علاقة الغالبية بالأقلية المشار إليها أعلاه؟ أم هي فلسفة أخرى تنمط هذه العلاقات؟ ويستكمل أبوالقاسم وهو يشير إلى علاقة الرجل بالمرأة وبالإسقاطات، إلى السلطة المعرفية التي تتمظهر في بعض المجتمعات في سلطة الكاهن، وسلطة الفقيهة في المجتمعات الإسلامية، والأب في الأسرة، وهي ذاتها - أي هذه السلطة - هي التي تقرر وتسقط رؤيتها على النص الديني، ويؤخذ منها الدين في أية قضية تخص المرأة وغير المرأة، يأخذ منها ما هو متوافق لديها ولمفهومها مع ما يعيشه الفرد ويتمثله، وهذا ما يثير الجدل بشأن ما يصرح به بعضهن للصحافة: «رشحت نفسي لأنني تلقيت تشجيعا من...، أو انسحبت من الترشيحات لأنني نصحت بـ...»، فهل تشكل هذه التعليمات شكلا من أشكال إسقاطات العرف على النص التي قصدها مفكرنا المشاكس لتكون المرأة مشاركة تابعة، أم ماذا؟

الثقافة الأخرى التي تحدث عنها أيضا، هي تلك التي يتسع لها مجتمع الحداثة الذي تأسس حسب زعمه، على مرحلتين هما مرحلة العولمة التقليدية وهي ما تعرف بمرحلة الاستعمار الذي سعى إلى إيجاد نواة ونماذج لتكوينه بهدف استثمار تلك المستعمرات لصالحه فيما بعد، ومن هنا نشر وأشاع لغته التي أنتجت البنى التي تلائمه وحسب مواصفاته ومقاييسه، وقد بثت هذه الثقافة بدورها في ثقافة جديدة هي الأخرى ارتبطت بالعولمة التقليدية الأميركية وشكلت تيار العولمة المعاصر الذي استمر منذ نشوء الشريحة المسيطرة الحداثية، التي ينفي عنها امتلاك السيطرة المعرفية كالسلطة التي يملكها الأب أو ما شابه. إذن - والقول لايزال لأبي القاسم - إن المنهجية الذي يتبعها ليس مهمتها إرضاء أي من الطرفين الذين تحدث عن كل منهما، الطرف التقليدي أو الحداثي. ويصل بنا إلى أن التيار التقليدي إنما يعيد إنتاج مفاهيم الحياة، فالمجتمع التقليدي يسقط رؤيته على النص في القول: إن المرأة تابع للرجل، ولم يتوانَ هذا المفهوم الذي اتسم بتكريس مفهوم الموالي والسراء في البحث عن دلالته بالنص لكي يسقطها عليه. ويصح الأمر نفسه على القول: إن شهادة المرأة هي نصف شهادة الرجل، وبالتالي يشاع أن المرأة نصف الرجل وتابع له. ويتساءل عما ورد في النص ويستشهد بالآية الكريمة من سورة البقرة: «واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإنْ لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان فمن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى»، (البقرة: 282)... ويستنتج أن كلمة «تضل» إنما قصد بها دلالة الموقف وليست للتذكير والموعظة، فالمرأة في المجتمعات الذكورية غالبا ما تخضع لقهر الذكور وتقع تحت رحمة تهديدهم لها بالهجر والطلاق والحرمان من الأبناء... إلخ، وبالتالي فهي تضطر وتحت ضغط المحاباة ومواجهة هذه الضغوط الممارسة عليها، أن تتخذ موقفا غير سديد. إذن، الموقف هنا معرفي وقضائي وليس لتذكيرها بسبب علة أو عاهة النسيان، وبالتالي «العجز والنقصان عند المرأة»، ويضيف أن في هذا الموقف مكر إلهي دقيق إذ تبطل شهادة ذلك الرجل في حال عدم توافق رأي المرأة الثانية مع الأولى. إن القول إن المرأة نصف الرجل فيه إشكالية، وهي إشكالية استلاب الثقافة من الخارج للنص الديني من الداخل وتجييره لصالحها، وهذه الإشكالية موجودة في مختلف المجتمعات بتعدد أديانها وليست ظاهرة تقتصر على المجتمعات الإسلامية فقط





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً