العدد 482 - الأربعاء 31 ديسمبر 2003م الموافق 07 ذي القعدة 1424هـ

أمسية استثنائية لأدونيس وشمة

المتحف الوطني - جعفر علي 

تحديث: 12 مايو 2017

ليس نجما خاشعا للقمر

ليس وجها هو ذا يأتي

كرمح وثني غازيا أرض الحروف

بهذه الأبيات الشعرية النابضة بالحياة بدأت أمسية أدونيس، في متحف البحرين الوطني بحضور عدد كبير من الوزراء والمثقفين ومحبي شعر أدونيس.

وكما عودنا أدونيس في الولوج الى مناطق جغرافية جديدة في الشعر العربي كذلك كانت أمسيته التي حملت لونا وأفقا جديدا.

«ليلة استثنائية» هو عنوان الأمسية التي قدمت قبل ليلتها هذه في كل من باريس والقاهرة والاسكندرية، حاملة أكثر من ظل، فالى جانب الظلام الذي كان مساحة رحبة للتخيل، مع الاضاءة المسلطة عليه وعلى وجوه المشاركين، كان للعزف الذي أبدعه نصير شمّة على آلة العود، والغناء الذي خرج صوتا دافئا من عبير الفلسطينية الجنسية ومي فاروق المصرية الجنسية، حضورا أرحب ومتخيلا أوسع.

نصير شمة بدأ الأمسية بأنغام شرقية تبعث في النفس مشاعر متباينة كأنها خبئت منذ زمان بعيد في كهف مسحور فخرجت على يديه، والذي كان يعزف مستحضرا صورة قصائد أدونيس، عزفا منفردا تخال معه الأنغام تتعانق مع الأبيات في رباط ودي مفعم بالحياة، لتغني بعدها عبير في صوت أقرب الى الهمس «هو ذا يلبس عري الحجر ويصلّي للظهور هو ذا يحتضن الأرض الخفيفة» وكأن المستمع يستشعر وكأن هذه الأبيات التي نظمها أدونيس أبيات تتلبس به وتصفه هو ذاته أي الشاعر الذي يلبس عري الحجر ويصلي للظهور، ولكنه وعلى رغم سموه يحتضن الأرض في رباط من المودة والحب، وخصوصا بعد أن ظهر أدونيس الى المسرح والمغنية تغني. ظهر أدونيس إذا في تواضعه الجم، وهدوئه المعهود ليقول بأن الشاعر غريب في صفاته تلك غريب في مشاعره واحساسه المختلف بالحياة فالى «أين يمضي اذا شجر الحبر بكت أغصانه لم يعد بيننا غير ترحاله وخطاه وحتى حبره الذي يتقوت به انهزمت وانكسرت وشاخت أغصانه فهو لم يعد قادرا الا اضفاء لمسات لا غير أو ذكرى عابرة ولم يعد قادرا على أن يهب حياة جديدة».

ومع أن الصوت الذي ظهرت به مي المصرية بعد أن ألقى أدونيس قصيدته كان متميزا الا أنه لم يزد على أن أضاف الى جو الشجن والاحباط صوتا آخر، فقد غنت مي «لا نعرف الحب الذي قالوه أو كتبوه أو رسموه نترك عطره لهوائهم فرحا بهم ونبارك الجرح الدي فتحوه في سكراته ونشوش الأفق الصديق لكي يقول تبتكر الورود على وسائدي وتبتكر الفصول وعطفا على هذا الأداء ألقى أدونيس قصيدة أشار بأنها نظمت في 1991 وهي تدلل على نبوءة الشاعر، فكأنها وليدة هذه الأيام.

يقول أدونيس «يخرج العطر حيران من وردة الأسئلة تخرج الأمثلة من فم الأرض مختومة لكلا كما قلت يا سيدي لنعم مثلما قلت يا سيدي للذي نستشهد من أجله ونقاتل نقتل من أجله» ثم عزف شديد الخشوع لنصير شمة، تغني على اثره عبير الفلسطينية «لا أحب سوى أرضك الطيبة يا هذه البلاد التي أنتمي اليها وأعيش أحلم باسمك للبلاد التي أوسعت صدرها لمتاهك البلاد التي حضنتني» ليعود الشاعر فيقول «كيف تغيرت وكيف توارى كل ما كان عندي رمى النوم أثقاله فوق رأسي بعد هذا التشرد ملأ المدائن بعد السنين التي أرهقت كاهلي والمستمع ابان هذه الأمسية يقتنع بأن شعر أدونيس يطلع من مشكاة واحدة فهو في هذه الأمسية يقرأ شيئا من شعره العمودي فلا تختلف لغته عن لهجة الشاعر المبدع، فقد جاءت الأبيات العربية الموزونة بالشعر العمودي أجمل في صوت مي، وكان غناؤها رائعا وهي تغني «أكاد ألمح أحلامي مكدسة كأنها ورق يجتره ورق تحيد عن أرضها من شهوتي طرق وتنمحي في مداها من دمي طرق قوافل من تباريح ووسوة خذها اليك ودعني أيها الأفق هنا سأشعل نار الحب ثانية هنا سأحضن عنقائي وأحترق هنا» أعاد الشاعر قراءة هذه الأبيات، لتنتهي الأمسية الشعرية بعزف على آلة العود وغناء مشترك بين عبير ومي لشعر أدونيس الذي يقول «لا الزمان سرير ولا الأرض نوم شجر الحب عال والمكان ينام كذا شاء الحب دون غطاء» على مدى ثلاث أو أربع دورات ما بين العزف والغناء والالقاء الشعري يمضي بنا الوقت مع أدونيس الذي قدم أمسيته الشعرية في جو مختلف وشعر مختلف وأداء مختلف





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً