العدد 2689 - الجمعة 15 يناير 2010م الموافق 29 محرم 1431هـ

رهان التربية على حقوق الإنسان: مواطنون لا رعايا

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

تواجه الأنظمة العربية المستبدة أشكالا مختلفة من الاحتجاجات تتراوح بين الوقفات والمسيرات والتفجيرات والاغتيالات والانقلابات، مما يضع علامة الاستفهام حول مشروعية أساليب الاحتجاج ودورها في تحقيق التحرر والانعتاق والعيش الكريم، خاصة أنه كلما ازدادت درجة الاستبداد وخنق الحريات والظلم كلما زادت درجت عنف الاحتجاج.

عموما يتم ترسيخ القيمة بواسطة التربية التي ليست سوى نقل وتثبيت جدول من القيم والمبادئ في ثقافة مجتمع معين من قبيل المساواة والكرامة والحرية... مما يعني أن الحق يكتسب قيمته الحقيقية في مجتمع سياسي.

يقول أرسطو: «الإنسان حيوان سياسي لا يسعد إلا في دولة منظمة تتكون من أفراد فضلاء» وحيث ليس لدينا معيار لقياس الفضيلة، أستحسن القول «الإنسان حيوان اجتماعي لا يسعد إلا في دولة منظمة تتكون من أفراد يعلمون حقوقهم وواجباتهم».

إن الوعي بالحق دافع إلى الاحتجاج من أجله، ومعرفة الواجبات مسئولية والتزام اجتماعي. بعبارة أوضح، ان ترسيخ هذا الوعي لدى الفرد الاجتماعي هو الذي ينقله من كونه رعية (له واجبات فقط) إلى مواطن (له حقوق وواجبات)؛ ومن تم فالمواطنة تتلخص في الوعي بالقيمة الحقيقية للفرد والجماعة.

«من المستحيل أن يفلح شيء حسن تحت قهر السلطة وظلام الجهل»، إن هذه الملاحظة يمكن أن تفسر فشل الأنظمة العربية في بلوغ الديمقراطية الحقيقية رغم أنها، ظاهريا على الأقل، تمارس جميع السلوكات اللازمة لقيام دولة الحق والقانون. إن قهر السلطة يحيل تلك الممارسات إلى لعبة من المغالطات، كما أن ارتفاع منسوب الجهل يبخس من أهمية المطالبة بالتغيير، مما يدفع إلى اليأس والتطرف والتدمير.

تشكل هاته الصفات الأخيرة خصائص الإنسان المقهور الذي يشعر بالدونية والعجز واللاجدوى، ويمارس الاستبداد والاستغلال والتعذيب، والتدمير الذي ليس سوى هروبا من الشعور بالعجز إزاء العالم الخارجي؛ أو لنقل إنه رد فعل ضد القلق أي الشعور بالتهديد ضد المصالح الحيوية المادية والعاطفية (الأشياء والإنسان). هكذا كلما ازداد الإحباط من الحياة ازداد الدافع نحو التدمير قوة، وكلما تحققت شروط الحياة قلَّت قوة التدمير ونموذج الحركات الدينية المتطرفة خير شاهد على ذلك.

إن الحق في الحياة أهم بند في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مما يجعل التربية على حقوق الإنسان ترسيخا لطبيعته وجودا وتفكيرا وممارسة؛ بعبارة أوجز إنها عملية التنوير بصيغة الفكر المعاصر، أي، بناء أسس عقلانية طبيعية للعيش الكريم في نظام سياسي عادل يسمح بممارسة الحرية الفردية والجماعية.

يجب التمييز أولا بين التربية على حقوق الإنسان، أي الوعي بالحقوق التي يجب المطالبة بها، والدفاع عن حقوق الإنسان أي رصد الخروقات.

إن تحقيق الحق خارج المجتمع يكون حلما أو وهما، فإن المطالبة والإلحاح في الطلب من أجل تحقيق الطبيعة الإنسانية لابد أن يكون داخل المجتمع، وهو ما يعني أن الاحتجاج: «تحويل مطلب إلى سلوك فعلي في مكان عمومي».

إنه سلوك إنساني بكل أبعاده النفسية والاجتماعية والفكرية والثقافية... غير أن العاملين الفكري والنفسي هما اللذان يؤثران أيما تأثير في السلوك الاحتجاجي، لأن الاحتجاج قد يكون حلما مرضيا أو فكرة معقولة ناجمة عن ثقافة الاحتجاج، كما قد يكون مجرد رد فعل انفعالي أو مزاجي.

من هنا أهمية العلاقة بين الفكر الحقوقي والتربية على الاحتجاج التي يمكن أن تختصر في الأسئلة التالية: لماذا أحتج؟ ولأي غرض أحتج؟ ما الذي أحتج من أجله؟ هل يستحق فعلا الطلب؟ وكيف أحتج؟ هل ما يحقق بالاحتجاج يلبي فعلا المطلب أم يجانبه؟ مما يقتضي وجود أنواع مختلفة من القيم المطلوبة، أقصد، السياسية والاجتماعية والاقتصادية... بعبارة أخرى، يلزم عن تحديد المطالب تحديد المسئولية وأسلوب الاحتجاج فنتساءل هل يكون الاحتجاج مؤطرا من قبل مؤسسة سياسية أو مدنية أم يكون عفويا؟ كما تحدد المطالب الفئات المحتاجة والمحتجة (العمال، المثقفون، المتسيسة، العامة، الباطرونا، المرضى، الشواذ...)

يسعى الإنسان جاهدا إلى تجاوز ماهو قائم، ويبحث باستمرار عن ما ينبغي أن يكون، وهذا ما يجعله طالبا للكمال، إنه بتعبير جون بول سارتر مشروع لم يكتمل بعد. هذا التناقض بين «ما هو كائن» و«ما يجب أن يكون»، يشكل أساس الوجود الإنساني.

إذا افترضنا أن جمعيات المجتمع المدني، ومن ضمنها الجمعيات الحقوقية، تقوم بدورها الحقيقي، فإنها تكون أمام مشكلة تتلخص في التساؤل: كيف يمكن التربية على الاحتجاج هل بتعليم بنود المواثيق الدولية أم بتعليم القيم الإنسانية؟ أيهما يؤدي إلى أسلوب احتجاج حضاري؟ إنه التعارض بين المبدأين: «الغاية تبرر الوسيلة» و»الغاية نافعة والوسيلة ناجعة». بل إن السؤال الأخطر هو: «أي أسلوب احتجاج يصلح لأي نظام سياسي؟ قد يكون الجواب هو أن أعنف نظام حكم لا يبرر استعمال العنف المادي مثال غاندي والاستعمار البريطاني، لكن في المقابل توجد الحركات التحررية في جنوب أميركا وإفريقيا، والحركات الإسلامية الجهادية المتطرفة التي تلجأ إلى العنف.

إن التربية على حقوق الإنسان تحويل لهذه الحقوق إلى قيم توجه السلوك، الأمر الذي يقوم على مسلمة مفادها أن الوعي بالمبادئ والقيم يؤدي بالضرورة إلى السلوك طبقا لها.

من هنا دعوة سقراط «اعرف نفسك بنفسك»، لأنه يتصور أن الوعي بقيم سلوك الفرد تدفعه إلى تغييرها وبالتالي إلى تقويم سلوكه من خلال ترسيخ قيم جديدة والوعي بها.

بعبارة أخرى: إن الانحراف السلوكي ناجم عن الانحراف الفكري. وعليه لابد للفكر الحقوقي أن يقوم بتصحيح المفاهيم ليقوِّم السلوكات. غير أن الأمر فيه نظر لأن العلاقة بين معرفة حقيقة القيمة وسواء السلوك احتمالية فقط، ذلك لأن أغلبنا يعرف قيمة الصدق وأهمية الوقت ومضرة التدخين ومع ذلك نكذب ونتأخر عن المواعيد وندخن....

فالوعي بالحق دافع إلى الاحتجاج من أجله، ومعرفة الواجبات مسؤولية والتزام اجتماعي. بعبارة أوضح، إن ترسيخ هذا الوعي لدى الفرد الاجتماعي هو الذي ينقله من كونه رعية (له واجبات فقط) إلى مواطن (له حقوق وواجبات)؛ ومن ثم فالمواطنة تتلخص في الوعي بالقيمة الحقيقية للفرد والجماعة.

لذلك سيكون من المستحيل أن يفلح شيء حسن تحت قهر السلطة وظلام الجهل.

إن هذه الملاحظة الأخيرة هي التي تفسر فشل الأنظمة العربية في بلوغ الديمقراطية الحقيقية رغم أنها تمارس جميع السلوكات اللازمة لقيام دولة الحق والقانون. فقهر السلطة يحيل تلك الممارسات إلى لعبة المغالطات والتغليط، ووجود الجهل يبخس من أهمية المطالبة بالتغيير، مما يدفع إلى اليأس والتطرف والتدمير، وهذه هي السمات النفسية للإنسان المقهور الذي يشعر بالدونية والعجز واللاجدوى، ويمارس الاستبداد والاستغلال والتعذيب، والتدمير الذي ليس سوى هروبا من الشعور بالعجز إزاء العالم الخارجي؛ أو لنقل إنه رد فعل ضد القلق أي الشعور بالتهديد ضد المصالح الحيوية المادية والعاطفية (الأشياء والإنسان). هكذا كلما ازداد الدافع نحو الحياة انجرافا ازداد الدافع نحو التدمير قوة، (الحركات الدينية المتطرفة)، وكلما تحققت الحياة قلَّت قوة التدمير. والحق في الحياة أهم بند في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مما يجعل التربية على حقوق الإنسان ترسيخا لطبيعته وجودا وتفكيرا وممارسة؛ بعبارة أوجز إنها عملية التنوير بصيغة الفكر المعاصر، أي، بناء أسس عقلانية طبيعية للعيش الكريم في نظام سياسي عادل يسمح بممارسة الحرية الفردية والجماعية. لذا ما أحوجنا إلى المفكر المربي من قبيل إيمانويل كانط.

* أستاذ الفلسفة المعاصرة – المغرب، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 2689 - الجمعة 15 يناير 2010م الموافق 29 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً