منذ ان صرح جلالة الملك اثناء مقابلته مع رؤساء تحرير الصحف اليومية الاسبوع الماضي انه تم فصل القرار الاقتصادي عن السياسي فإن الكثير يتساءل عن مدلول هذا الفصل. فمن ناحية لا يمكن باي حال ان تفصل القرارات بشكل واضح لانها متداخلة في كثير من الاحيان، ولأن الوزارات متعددة وتؤثر في اتجاه القرار سلبا أو ايجابا.
على أن هناك مفهوما في إدارة الدولة يطرح بصورة أخرى. فبالامكان ان تفصل القرارات عن قضية معينة وتسلمها إلى هيئة أو إلى شخص قائم عليها يبت فيها وتكون قراراتها حاسمة ونافذة. وفي الحكومة البريطانية يتم بين فترة وأخرى تعيين اشخاص للعب دور محدود، فمثلا يعين شخص مسئولا عن مكافحة المخدرات او تطوير تقنية استراتيجية معينة، ويطلق عليه (صحافيا) تعبير «قيصر». والقيصر تعبير يطلق على الشخص الذي يتسلم مهمة محددة ويحصل على صلاحيات واسعة مباشرة من رأس السلطة التنفيذية، بحيث يتمكن من التدخل في شأن أي وزارة وأية هيئة حكومية ويحصل على ما يشاء ويوجه السياسة كيفما يرى لتحقيق الهدف الذي تم تحديده.
وهكذا الحال - كما افهمه شخصيا - بالنسبة إلى فصل القرار الاقتصادي عن السياسي. فسمو ولي العهد هو «القيصر» الذي يتسلم كل ما له علاقة بتحديد الاستراتيجية الاقتصادية البحرينية وله بذلك صلاحيات واسعة لتوجيه امكانات الوزارات والدوائر الرسمية لتحقيق الهدف المنشود.
ولقد أوضح جلالة الملك اثناء اللقاء الصحافي أنه سلَّم الملف الاقتصادي إلى ولي العهد، وان اول قضية سيعالجها ولي العهد هي مشكلة سوق العمل والبطالة. وفعلا لم تمض سوى ايام حتى دعا ولي العهد قرابة ثمانين شخصية من وزراء واصحاب أعمال ونواب وشورى وتكنوقراط وصحافيين إلى ورشة عمل مهمة عرض خلالها نتائج الدراسة التي اعدتها مؤسسة «ماكينزي» الدولية لتضع الأرقام بين يدي الجميع بكل شفافية لم نعهدها من قبل.
فالدراسة تقول ان الوقت حان لأخذ قرارات شجاعة لانقاذ مستقبل الجيل المقبل الذي لن يجد نصفه (مابين 50 و60 ألف مواطن) عملا مناسبا اذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن.
وأوضحت الدراسة سبعة اسباب للمشكلة الحالية، ثلاثة منها خاصة بالحكومة وأربعة خاصة بالسوق. ويأتي على رأس الاسباب انعدام وجود الخطة الاستراتيجية التي توجه طاقات البلاد نحو أهداف تنموية مستديمة. قد قسمت الورشة الحوار بين عشر طاولات، وجلس على كل طاولة ثمانية اشخاص بالاضافة إلى شخص واحد من مؤسسة «ماكينزي». وكل طاولة احتوت على انواع مختلفة من الناس الذين تمت دعوتهم، وطلب سمو ولي العهد من الجميع ابداء رأيهم بكل صراحة، وشارك هو بنفسه مع كل طاولة اثناء النقاش، ثم عرضت الورشة نتائج ما توصلت اليه من اسباب وعرضت الافكار الأولية المتداولة في عالم اليوم.
ومع نهاية الورشة كان واضحا ان ورشة اخرى ستقام لبحث الانموذج الذي تود البحرين تحقيقه. وقبل ان تبدأ الورشة الأخرى لتحديد الانموذج الاقتصادي والاستراتيجية الاقتصادية التي ينبغي ان ننشدها، فاننا جميعا مدعوون لدراسة ما جاء في دراسة «ماكينزي» ولنستعد للمشاركة في الحل الذي بدأت معالمه تتضح ولم يبق امامنا الا التوكل على الله والمضي قدما إلى الامام
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 478 - السبت 27 ديسمبر 2003م الموافق 03 ذي القعدة 1424هـ