العدد 2343 - الثلثاء 03 فبراير 2009م الموافق 07 صفر 1430هـ

دروس من الأنظمة الديمقراطية... المنظومة الإسكندنافية نموذجا (3)

هاني الريس comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي بحريني

في الحلقة الأولى، تحدثنا عن المملكة السويدية وطبيعة نظامها الديمقراطي الدستوري في المنظومة الاسنكندنافية، وفي هذه الحلقة نسلط الضوء على التجربة الدانماركية.

(المملكة الدنماركية)

الدنمارك، هي أقدم مملكة في أوروبا، حيث توحدت البلاد، في نهاية القرن العاشر الميلادي، تحت راية الملك هيراله، وسلالة متصلة من خمسين ملكا وملكتين، وهو يعتبر رقما قياسيا إمتدال أكثر من ألف عام، وعلى رغم من أن ليس جميع المكلوك الدنماركيين أبطالا عالميين، فإن لمملكة الدنماركية عبر ألف عام من تاريخها من ملوك الفايكنج حتى المملكة البرلمانية الدستورية الحديثة والمعاصرة، قدرة فائقة على التأقلم مع المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على امتداد القرون الغابرة، وبصورة واضحة فإن العرش الدنماركي الذي استطاع أن يحافظ على بلد صغير يقع على حافة القارة الأوروبية التي شهدتها الحروب والثورات الدراماتيكية وإصلاحات واحتلالات أجنبية، إنه العرش الملكي الذي استطاع أن يحافظ على حلم الشعب متوقدا، لقد كانت ولاتزال العلاقة الشخصية بين كل ملوك البلاد والشعب، هي الرابطة العميقية الجذور والراسخة في الدنمارك، وهي كانت ثمرة المشاركة الشعبية والمشورة والتعاون البناء والصادق بين العرش والمواطنين.

وقد أشار عدد من المؤرخين، إلى أنه ما كان لهذه العلاقة أن تستمر وتبق راسخة إلى هذا الوقت، لولا أن الجالس على العرش يجسد الصفات التي يعتبرها الشعب صفاتهم، وبمعنى آخر عندما يرى الناس في ملوكهم وولاة أمرهم أنفسهم.

(الحكم البرلماني الدستوري):

بدأ الحكم الديمقراطي في المملكة الدنماركية لأول مرة في العام 1849، وفي العام 1951، أدخل النظام البرلماني الدستوري، عمليا وقانونيا، وقد تم تدوين هذا النظام في القانون الأساسي للدولة منذ العام 1955.

ووفقا لهذا القانون، فإن السلطة السياسية والقانونية في البلاد، تكون في قبضة المؤسستين التشريعية (البرلمان) والتنفيذية (الحكومة) واستنادا إلى هذا المبدء، فإن الحكومة يجب أن تحصل على موافقة غالبية أعضاء البرلمان حتى تستطيع الاستمرار في تسيير أمور السلطة.

وقد بني القانون الأساسي للحكم في الدنمارك، على مبدأ تقسيم السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وضروة تعاونها المشترك لإدارة دفة السلطة والحكم الذي حددها الدستور في جميع نصوصه حول «احترام رأي الأمة» وتساوي حقوق المواطنين جميعا بصرف النظر عن الانتماء السياسي والتوجهات العقائدية والدينية، وحق جميع المواطنين نساء ورجالا وشبابا في طرح تصوراتهم في المسائل الأساسية الجوهرية المتعلقة بمستقبل البلاد، من دون أية وصاية من أحد.

ومن بين أكثر الضمانات التي يشدد عليها الدستور الدنماركي، التأمينات الاجتماعية والاقتصادية والخدمات الصحية وتعويضات البطالة عن العمل وتأمين التقاعد ومجانية التعليم والتوزيع العادل للثروة الوطنية، وتمتع المواطنين بحق النقاش والمشاركة في صنع قرارات الدولة والمجتمع، وحرية التعبير وحرية الصحافة، وحق التصويت وحرية المعتقد، وحرية التجمع، وتكوين النقابات العامة وحرية التظاهرات، وحق التملك، وحق الاستجواب الدستوري والمكاشفة والمساءلة والمحاسبة.

(التحول السلمي):

حصل الشعب الدنماركي على الديمقراطية التي كان يطالب بها على مدى عقود طويلة في يوم الخامس من يونيو/ حزيران من العام 1969، بعد أن أجبرت التحركات الاحتجاجية الشعبية الملك فريدرك السابع، على إعلان الدستور، حيث كان المواطنون في البلدان الأوروبية في ذلك الوقت يتحركون للضغط على الأنظمة الملكية المستبدة من أجل الحصول على الديمقراطية والحريات، وقد مرت الحركة الاحتجاجية الدنماركية بطريق التحول السلمي من دون إراقة الدماء، بعد خروج المواطنين إلى الشوارع متعهدين بإسقاط الحكم عبر توسيع نطاق التظاهرات السلمية والعصيان المدني، مما اضطر الملك إلى الانصياع إلى مطلب الشعب خوفا من إنفجار الثورة ضده، فتحول أمام ذلك الضغط الشعبي عن معظم صلاحياته الواسعة والمطلقة، فتحول بعدها إلى مجرد رمز للأمة، بعد الإعلان عن الدستور الذي جعل الشعب الدنماركي مصدر السلطات جميعا.

(تعديل الدستور):

عدل الدستور الدنماركي مرات قليلة جدا، من بينها العام 1953، عندما لم يستطع الملك أن ينجب ولدا يرث العرش، مما قد سهل التعديل على ابنته في تولي العرش من بعده، وجاء التعديل الآخر المهم، الذي أتاح للمرأة حق الترشح والانتخابات للمجالس البلدية والبرلمان وحق الشباب (18 سنة) في التصويت العام، ثم استمرت التعديلات البسيطة بمايتلاءم مع الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الملحة. حيث يضع الدستور خطوطا عريضة مبنية وفقا لمبادئ القانون والحكم البرلماني الدستوري الذي قد يمهد تجديد مسارات الدولة الديمقراطية الدستورية، إذ يأتي الحكم من خلال التصويت الحر والمباشر الذي تنبثق منه السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) التي تراقب بعضها البعض لتكون بالتالي في خدمة المواطنين وحماية حرياتهم وحقوقهم الأساسية المكرسة في الدستور والأعراف الدولية.

(المؤسسة التشريعية) البرلمان:

يتكون مجلس الشعب (البرلمان) الدنماركي من 179 عضوا تتم مشاركتهم في البرلمان عن طريق الاستفتاء الشعبي العام (الانتخابات النيابية) الذي يشارك فيه كل مواطن كامل الأهلية (من 18 سنة) ومدة الدورة البرلمانية أربع سنوات.

ومن بين هذا العدد من أعضاء البرلمان، ينتخب عضوان فقط من جزيرة (بيوون) واثنان من جزيرة (كفيولاند) وهي جزر تابعة للدنمارك وتقع في منطقة القطب الشمالي المتجمد وتتمتع بالحكم الذاتي، وتتم هذه الانتخابات على أساس المناطق والمقاطعات، وتكون الانتخابات غاية في السرية وتحت مراقبة المنظمات الدولية، ويحصل كل مواطن ومواطنة على ورقة انتخابية تصلهم إلى عناوين إقامتهم ويدلون بموجبها بصوت منفرد، كما يحق للمواطن أن يدلي بصوته من خلال رسالة خاصة بعد أن يطلب قسيمة خاصة به، وتتولى الدولة إيصال العجزة والمرضى وكبار السن إلى مراكز الاقتراع، ولم يتم حتى الآن في الانتخابات الدنماركية تسجيل أية حالة تزوير منظمة أو شراء ذمم، كما هو الحال في العديد من الدول التي لم تبلغ بعد مستوى الديمقراطية الفعلية، ويحق لمن يبلغ سن الثامنة عشر (أقر هذا القانون في العام 1978) وحاملي الجنسية الدنماركية ومن بحوزته عنوان ثابت في الدنمارك بالتصويت للانتخابات البلدية والبرلمانية العامة.

(رمز الدولة):

الملك أو الملكة في الدنمارك، وفقا لنصوص الدستور، ليس لديهم أية سلطة فصلية في إدارة الحكم، بقدر ما هم يعتبرون رمز الأمة وتنحصر مهماتهم في تمثيل الدولة الرسمية والتوقيع على إصدار الأنظمة والقوانيين، بعد توقيع أحد وزراء الحكومة.

وتعتبر الملكة ما ركريت الثانية، ملكة محبوبة من عامة الشعب الدنماركي نظرا لتواضعها واهتمامها لكل صغيرة وكبيرة من أمور البلاد، وهي امرأة ذكية ولبقة وجميلة وفنانة تشكيلية، تقيم بين الحين والآخر معارض فنية لرسومها، حيث تمكنت من إقامة العديد من المعارض الفنية وتبرعت بريعها إلى المنظمات الإنسانية ورعاية الأطفال والمسنيين.

(الأحزاب السياسية):

الأحزاب السياسية هي جزء هام من الحياة السياسية الديمقراطية في البلاد، وجميع الأحزاب لديها مقار مركزية ومراكز فرعية في مختلف مناطق البلاد، ويناقش فيها القواعد الحزبية، المشكلات المحلية والترشيح للانتخابات البرلمانية والبلدية والمديريات والمحافظات.

ويحق لكل حزب ترشيح عناصره لانتخابات مجلس الشعب، بعد حصوله على نسبة معينة من مجموع الأصوات في الانتخابات السابقة، ويتطلب أيضا الحصول على نسبة 2 في المئة من الأصوات للمشاركة في الانتخابات العامة ودخول البرلمان.

وبلغت الأحزاب السياسية في الدنمارك في العام 1870، ما بين 4 إلى 5 أحزاب فقط، واتسعت أعدادها في سنوات لاحقة، وكانت هذه الأحزاب تاريخيا حتى العام 1970، تتأثر بأصوات الناخبين ذوي العلاقة بمواقف الحزب من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وبعض التقاليد السائدة في المجتمع، وموقف الحزب يتجسد من خلال التركبية الاجتماعية والمهنية للحزب، ومدى تمسك أعضاء الحزب بالبرامج الحزبية والعادات والتقاليد الاجتماعية والعقائدية.

ولكن هذه الصورة أخذت تنحسر منذ العام 1970، حيث توسعت قاعدة التصويت على مسائل كثيرة وتطورات لاحقة تتطلبها الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد، وبذلك أخذ الناخبون يغيرون أصواتهم التاريخية لدى أحزاب أخرى جديدة أوصلت بعضها إلى البرلمان.

إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"

العدد 2343 - الثلثاء 03 فبراير 2009م الموافق 07 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً