نصل هنا إلى بيت القصيد حيث نتناول الخطوات التي يمكن للحكم أن يقدم عليها من أجل بناء أطر وصلاحيات مؤسسة مثل الشورى - هذا في حال تمسكه بما يبرر إستمرارها- كي يتسنى لها ممارسة دورها التشريعي الصحيح، في نطاق بيئة دستورية سليمة.
ويترتب على ذلك أن يبادر الحكم منفردا أو، وهذا هو الخيار الأفضل، بالتشاور مع المؤسسات ذات العلاقة من أجل بناء القنوات الصحيحة أيضا، وذات الأفق الإيجابي البناء، التي تنظم العلاقات بين الشورى وسائر المؤسسات الأخرى، وفي المقدمة منها المجلس النيابي، والسلطة التنفيذية، دون إغفال تلك العلاقة التي لايمكن الإستغناء عنها مع منظمات المجتمع المدني الحقوقية، إلى جانب السلطة القضائية.
أول الخطوات الصحيحة على هذا الطريق، وهي خطوة جريئة وبحاجة إلى الكثير من الشجاعة، وتتعلق بمدى رغبة الحكم في تقدير إستمرار الحاجة إلى الشورى كمؤسسة على النحو الذي هي عليه اليوم.
إذ ربما آن الأوان اليوم، كي توضع الشورى، كمؤسسة، على الميزان، وفي مواجهة تساؤل جريء من مستوى: هل هناك حاجة حقيقية لهيئة تشريعية مثل مجلس الشورى الحالي، وبالصلاحيات المحدودة التي تتمتع بها، طالما أن هناك سلطة تشريعية أخرى هي المجلس النيابي؟ الحكم دون سواه، وبفضل الصلاحيات التي يمده بها الدستور، هو القادر على الإجابة العملية على مثل هذا التساؤل، والخروج بالإجابة الصحيحة، من خلال تقدير موضوعي لمدى إستمرار تلك الحاجة كي يواصل الشورى، ممارسة دوره جنبا إلى جنب مع المجلس النيابي، بما يستتبع ذلك من إلتزامات مالية يمكن توفيرها وإنعكاسات سياسية سلبية يمكن تلافيها.
ثاني تلك الخطوات تتعلق بالحكم ذاته ومدى رؤيته لآلية إدارة البلاد، وما إذا كانت تلك النظرة تنطلق من أرضية مستقبلية طويلة المدى، أم هي آنية وقصيرة بالمقياس التاريخي/ السياسي للزمن.
فالوصول إلى النظرة الأولى، تتطلب فيما تتطلبه، مشاركة المؤسسات التشريعية والتنفيذية في السلطة بشكل مباشر وعميق، بالمعنى العصري لكلمة المشاركة التي قد تصل إلى درجة تداولها، الأمر الذي يتطلب عدم إستثناء قوى أخرى، تعاني اليوم من تهميش لا تستحقه، بما فيها تلك المصنفة في قائمة المعارضة السياسية، وحتى تلك التي توضع، أحيانا في الخانة الراديكالية منها. إن منطق التاريخ وأحداثه يؤكدان أن النظام المستفرد بالسلطة قصير الأجل، ودروبه مليئة بالتأزمات التي غالبا ما تقود إلى إنفجارات دورية ترهق الحكم وتؤذي البلاد على حد سواء.
مقابل ذلك، تزود المشاركة الحقيقية، لا الشكلية، نظام الحكم الذي يأخذ بها، بأفضل صمامات الأمان التي من شأنها أن تطيل من عمره السياسي، وتنزع، في آن، فتيل الإنفجارات الدورية المتتالية التي قد ترهقة وتعيق حركة تقدمه.
ثالث تلك الخطوات هي نجاح الحكم في التمرد على قيود قرار إتخذه في مرحلة سابقة، تلبية لإحتياجات ظروف طارئة وآنية، وتحت ضغوط اوضاع معينة، ربما لم تعد قائمة اليوم، لكنها، كانت مبررة حينها، عندما إضطر إلى الخضوع لقوانين تلك المرحلة والإستجابة لمتطلباتها، وأدت جميعها إلى إطلاق مجلس الشورى كمؤسسة. هذا المدخل، في حال أخذ الحكم به يتطلب طرد الذهنية النابذة للمرونة، وهي التي تولد أعراضا غير سليمة، بالمعنى السياسي للكلمة، مصدرها - أي تلك الأعراض - أمراض تضع أية خطوة تراجعية مرنة يقدم عليها الحكم، في مصاف التنازلات االإستراتيجية التي قد تقوده، كما تتوهم تلك النظرة وهي مخطئة في ذلك بطبيعة الحال، إلى تقديم المزيد من التنازلات غير الضرورية التي تؤدي بدورها إلى فقدان الحكم لسيطرته على مقاليد الأمور في البلاد، كي تقود في النهاية إلى تجريده من إحكام قبضته الحديدية على السلطات التي يتمتع بها اليوم (وهي نظرية خاطئة). هذه النظرية تقسم البلاد بشكل مبتسر، وغير طبيعي، إلى جبهتين متصارعتين: يقود إحداهما الحكم، في وجه الأخرى والتي هي المجتمع بكل قواه وفئاته المختلفة. مثل هذ التقسيم خاطئ وأعمى سياسيا، وينقل الإختلافات جراء ذلك من أروقتها السياسية السلمية المتعقلة إلى مستوى التناحرات الصدامية التي لم يعد هناك مبرر لإندلاعها اليوم في البحرين.
من الطبيعي هنا ان يجد النظام نفسه امام معادلة مركبة، بحاجة إلى حل معقد يقوم على نظرة استراتيجية بعيدة المدى متكاملة، تتقيد بقوانين المرونة التي توفرها سياسة ما يعرف بمبدأ «العطاء من اجل الأخذ»، عوضا عن الانسياق وراء مدخل «الهزيمة» و«النصر».
رابع تلك الخطوات، وهي توفيقية في جوهرها، وتدعو الحكم إلى ان يخطو خطوة بإتجاه تقوية العنصر الديمقراطي وتعزيز حضوره في آلية تشكيل مجلس الشورى وطرق تنصيب أعضائه من خلال إختيارهم أو النسبة الغالبة منهم، في أسوا الأحوال، من بين صفوف أعضاء مجالس إدارات الجمعيات المهنية أو منظمات المجتمع المدني الأخرى، والذين تم إنتخابهم بشكل ديمقراطي في مجالس الإدارة تلك. بهذه الخطوة يكون الحكم قد نجح في تقليص الهامش غير الديمقراطي في تنصيب أعضاء الشورى، وفتح المجال أمام تلك المنظمات كي تكون لها كلمتها في مؤسسة ذات علاقة مباشرة بهمومها.
وفي ختام الحديث عن مسؤولية الحكم أزاء مهمات تطوير مجلس الشورى، لابد من التأكيد على أن الوصول إلى الصيغة الأفضل على المستويين السياسي والتشريعي لتطوير هذه المؤسسة تبقى ناقصة ومبتورة، ما لم ينزع أعضاء الشورى أنفسهم من ذهنيتهم كونهم ينتسبون إلى مؤسسة سلطة همها الأساسي الدفاع عن سياسة الحكم، وتضع نفسها في مواقع التصدي، بحق وأحيانا بغير حق، للنضالات الجماهيرية التي يفترض أن تكون، في نهاية المطاف، مكونة أساسية من مكونات شجرة الديمقراطية الوارفة التي تنشر ظلالها في مناطق البحرين كافة، وينعم بتلك الظلال منظمات العمل الوطني الديمقراطي دون أي إستثناء. ولكي يتحقق ذلك، لابد للمعارضة بدورها أيضا، من أن تبذل جهودها من أجل إنتشال الشورى من سيطرة مثل تلك الأفكار، كي يبني الجميع، بمن فيهم الشوريون بحرين المستقبل التي يحمي مؤسساتها دستور عصري من جهة ومنظمات مجتمع مدني فاعلة من جهة ثانية، وفوق هذا وذاك سلطة قضائية مستقلة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2686 - الثلثاء 12 يناير 2010م الموافق 26 محرم 1431هـ