العدد 2685 - الإثنين 11 يناير 2010م الموافق 25 محرم 1431هـ

مجلس الشورى... عودة لا بد منها (2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

طالما الحديث يتناول مجلس الشورى كمؤسسة، فلابد من التأكيد على أن المعالجة تتناولها في هذا الإطار العام، الذي لا يذهب عميقا كي يصل إلى تقويم كل فرد فيها على حدة، ومن ثم فمن الطبيعي أن تكون هناك بعض الاستثناءات الفردية التي تشذ عن الأداء الجماعي المؤسساتي للشورى.

في السياق ذاته، وبما أن الحكم هو الطرف المباشر الذي يتولى وضع أطر «الشورى» القانونية ولوائحه الإدارية وتقع بين يديه صلاحية تعيين أعضائه، فمن الطبيعي أن يكون هو الطرف الأول الذي يستحق المخاطبة، مشيرين في البداية، بعيدا عن الجوانب القانونية، إلى بعض أهم الثغرات التي لا يزال يعاني منها «الشورى» على المستوى السياسي دون الحاجة إلى المعالجة القانونية، التي على الرغم من أهميتها لكن ليس هنا مجال تناولها، والتي يمكن رصدها في النقاط التالية:

1. ضبابية المسئولية السياسية، فإن كان المطلوب من الشورى مراقبة المجلس النيابي للتأكد من عدم تجاوزه الخطوط الحمراء التي تبيحها له موازين القوى السياسية القائمة اليوم، ففي ذلك تحجيم للشورى ذاته، وحرفه عن الأهداف التي تقف وراء تشكيله، كمؤسسة تضم النخبة الطليعية من أبناء البلاد التي تأخذ على عاتقها مهمة تشييد الهياكل التشريعية التي تضع البحرين برمتها على الطريق الصحيح لبناء مملكة دستورية، تحميها القوانين المعاصرة، وتسيرها التشريعات المقننة قبل أي شيء آخر.

2. غياب مقاييس التعيين، فجردة سريعة لأعضاء مجلس الشورى، والحديث هنا يبتعد عن المقاييس السلوكية الفردية، ومعاينة مؤهلاتهم الفردية، تكشف غياب المعايير المهنية والمؤسساتية التي يتطلبها العمل في هيئة مناط بها القيام بهذا المستوى العالي من المسئوليات، إذ لا تقتصر مسئولية الشورى على المصادقة على هذا المرسوم او ذاك، ولا تقف عند حدود مراقبة ملاءمة هذا التشريع او ذاك لحالة طارئة أو وضع مؤقت، بل ولا ينبغي أن يحد صلاحياتها معاينة هذا البرنامج الوزاري أو ذاك المشروع البلدي.

فمسئولية الشورى الحقيقية، عندما يتمتع بالصلاحيات التي يحتاجها، هي وضع البحرين، تحت «مجهر إلكتروني» مسيس قادر على سبر أغوار التفاصيل الدقيقة، دون الضياع في دهاليزها، وقراءة المخططات الاستراتيجية، دون الوقوع ضحية الانبهار بها أو الخشية من مناقشتها، والانطلاق من كل ذلك للربط بين الاثنين، في إطار تشريعي سليم ومعاصر قادر على تأهيل البلاد للتقدم والتطور في آن على طريق تنموي صحيح، على الصعد كافة: الاقتصادية والاجتماعية، وأخيرا وليس آخرا السياسية.

3. افتقاد جسد الجرأة وروح المبادرة اللذين يحتاجهما المجلس، كي يكون الشورى قادرا وبكفاءة عالية، على إدارة أسس العلاقة المعقدة بين المجلس النيابي ومؤسسات السلطة وإداراتها المختلفة.

والنجاح في هذه المهمة، يتطلب مؤهلات من مستوى معين، على الصعيدين الفردي والمؤسساتي، لا يزال الشورى يفتقد إلى الكثير منها في الوقت الراهن.

ومرة أخرى، لا يقف الحديث هنا عند مبادرة يتيمة في هذا الاتجاه، أو خطوة مترددة في اتجاه آخر، بقدر ما نتحدث عن سلوك استراتيجي مبرمج مستمر مؤطر قادر على التعامل مع مجمل القضايا، بالجرأة المطلوبة، والمبادرة الخلاقة.

4. رهبة الاختلاف مع الحكم، منبعها، ونأمل أن لا يخوننا التقدير هنا، خشية أعضاء الشورى أن يفسر أي تشريع يتناولونه، حتى قبل أن يقروه، على نحو مغاير لما كانوا يقصدونه، من لدن الحكم، واعتبارها ذلك نوعا من التمرد الداخلي عليها، وبالتالي على مقاييس العمل ضمن الأطر المباحة، والدوائر المتاحة.

تتولد جراء ذلك روح محافظة تحكمها سلوكيات حذرة، تداهم الأعضاء، وتدمر عندهم نواة المبادرة، وتسلبهم حق التفكير الصحيح الذي يحول دون تعثر خطواتهم نحو المؤسسات التي يقصدونها، او تلعثم خطابهم تجاه المؤسسات التي يتعاملون معها.

هذه الحالة أفقدت الشورى الكثير من الحيوية التي يحتاجها لاحتلال المكانة الرفيعة التي يطمح لها من جهة، وعززت من النزعات الاستاتيكية داخل صفوفه، والتي قزمت بدورها حجم المكاسب التي كان من المفترض ان تتحقق، فيما لو تخلص الشورى من هذا السلوك الجامد.

5. انكفاء نحو الداخل، أبعد الشورى عن الكثير من منظمات المجتمع المدني، التي كان يفترض أن تكون ساعده الأيمن في وضع سياساته، وممارسة أنشطته على حد سواء.

ولربما كان مصدر ذلك الانكفاء غير المبرر، ونأمل أن نكون مخطئين، هو شعور راسخ لدى الغالبية من أعضاء الشورى، في أن طبيعة تشكيل المجلس، وآلية تعيين اعضائه، تحرم عليهم مد جسور التعاون مع تلك المنظمات.

وكانت محصلة ذلك السلوك الطبيعية والمتوقعة، هي قيام سور منيع حجب عن الشورى رؤية ذلك التكامل، وجرد تلك المنظمات والشورى من مجالات تعاون هما في أمس الحاجة لها، وأضاع عليهما سوية فرصة تشكيل فريق قوي متكامل يبني بتكاتف صرح توسيع هوامش الحريات المدنية التي بوسعها أن تؤسس لمواطنة متطورة تمارس دورها في إرساء قواعد مجتمع مملكة دستورية معاصرة.

6. مناكفة مجلس النواب، بوعي أو بدون وعي، دون ان يكون هناك سبب منطقي لهذا التنافر، الذي كان يفترض أن تحل مكانه روح تعاون تتكامل من خلالها الحجرتان، كما ينص على ذلك الدستور ومن قبله ميثاق العمل الوطني لتحقيق أهداف وطنية واحدة.

إن تمترس الحجرتين، الواحدة منهما في مواجهة الأخرى، بالإضافة إلى كونه يهدر طاقة كل منهما في معارك جانبية، ويستنزف قواهما سوية في مبارزات غير مجدية، يضيع عليهما معا فرصا كبيرة، كان من المفترض، في حال تلاشي المناكفة وحلول روح التعاون مكانها، أن تفتح أمامهما سوية، أو لكل منهما على حدة، مجالات إبداعية لا متناهية، وفضاءات تطويرية رحبة، تؤدي بدورها إلى نقل البحرين، تشريعيا وقانونيا إلى مصاف الممالك الراقية.

في ضوء كل ما تقدم، ربما آن الأوان، من أجل تجاوز هذه الثغرات، التي قد تبدو صغيرة أو ثانوية، لكنها في حقيقة الأمر وعلى أرض الواقع، ذات تأثيرات سلبية عميقة، إن لم تكن مدمرة، على روح الشورى وأدائه، كي يقف الحكم، وبالجرأة المطلوبة، من أجل إعادة النظر، وبشكل استراتيجي، في مجمل المقاييس التي وضعها، لإطلاق الشورى كمؤسسة، مطالبة بأن تؤدي دورها التشريعي على أرضية مشروع سياسي، يتكامل فيه الشورى مع المجلس النيابي، من أجل الوصول إلى «مجلس وطني»، يؤدي دوره على الوجه الأفضل في سياق حركته نحو التأسيس لصرح مملكة دستورية معاصرة.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2685 - الإثنين 11 يناير 2010م الموافق 25 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:00 م

      يالله نجمع حملة المليار ....

      هل سيطلع لنا مجلس النواب بقرار بناء برج كبير .... يالله نجمع حملة المليار .... مع تحيات أم عزوز الفلبيني

اقرأ ايضاً