العدد 2684 - الأحد 10 يناير 2010م الموافق 24 محرم 1431هـ

إيران بين الايديولوجية والواقع (2 - 2)

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

على المستوى الإقليمي هناك دول قامت على أسس أيدلوجية أو مذهبية لاكتساب الشرعية لنظمها السياسية، تماما كما كان الوضع عليه إبان حكم الدولة العباسية ودولة السلاجقة. إلا أن الاعتماد على هذه الأسس لا يتعدى خدمة النظام السياسي القائم.

أما في الحالة الإيرانية فإن اندماج الأيديولوجية بالسياسة قد طال الأوضاع الداخلية، والسياسة الخارجية على حد سواء. فعلى مستوى الداخل برز النفوذ الواسع للمؤسسة الدينية، فطالت الأيديولوجية فضاء الحرية الشخصية لحد تدخل الحكومة في زيّ المواطن وطريقة لبسه ونوع الموسيقى والفن الذي عليه الاستمتاع به.

وهذا النوع من انغماس الدولة في الحياة الشخصية للمواطن، كما كان سائدا إبان الحقبة الماوية في الصين، كفيل بإنهاك طاقات الدولة ووضعها في مواجهة دائمة مع شريحة واسعة من المجتمع، وهي حالة بالإمكان تجنبها للتفرغ للمسائل الحيوية الأخرى. لهذه الأسباب رفع الإصلاحيون شعار الحرية وحقوق الإنسان وحكم القانون.

وعلى المستوى الإداري والاقتصادي فقد أدت هيمنة رجال الدين على كثير من المرافق الحكومية، وفقا لقاعدة الولاء والانتماء والقرب من مؤسسة صنع القرار، إلى تغييب معايير الكفاءة كما هو الحال في كثير من الأنظمة الشمولية والقبلية.

وفي وضع كهذا تنتشر ظاهرة الفساد والمحسوبية والبيروقراطية، وينحدر أداء المؤسسات الحكومية، وهي أمراض خطيرة تنخر في جسم الدولة إذا لم تتم معالجتها.

وقد فاقمت السياسة الخارجية من حدة الحصار الاقتصادي المفروض على الجمهورية الإسلامية، فبلغ التضخم معدلا مرتفعا وصل 25 في المئة بعد أن كان 15.30 في العام 2003.

وقد دفعت فاتورة هذا التضخم الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تآكل دخلها. كما ساهم الحصار في ارتفاع نسبة البطالة إلى 15 في المئة وفقا للمصادر الرسمية وإلى 28 في المئة وفقا لمصادر أخرى. وقد وصل معدل البطالة بين الشباب في السن بين 15 و29 سنة إلى 50 في المئة وفقا لهذه المصادر، حيث طالت البطالة شريحة المهندسين والأطباء مما دفع الكثيرين منهم للهجرة في عملية واسعة لاستنزاف العقول.

وهذه الشرائح الواسعة هي التي دعمت برنامج خاتمي الإصلاحي في العام 1997 بنسبة 80 في المئة. وذلك قبل انحسار الخاتمية في العام 2003 والذي انحسر على إثره مشروع الديموقراطية الإسلامية التي نادى بها، مما حمل البعض إلى الاعتقاد بأن انحسار هذا المشروع وغياب البديل من رحم النظام السياسي قد يمهد في النهاية إلى بروز الديموقراطية الغربية.

وعلى مستوى الخارج فقد انعكست الأيديولوجية على سياسة إيران الخارجية متمثلة بوضوح في االتزام بدعم القضية الفلسطينية كحالة إنسانية، وفي الدعوة إلى تحرير القدس كقضية إسلامية.

وبالرغم من مصداقية هذا التوجه، فقد فسّره البعض على أنه خطة صفوية الهدف منها هو الهيمنة والتمدد في المنطقة، في حين أن التوسع والهيمنة يمكن تحقيقه بصورة أقل تكلفة لو تبنت إيران سياسة معاكسة تماما لهذا التوجه.

والمفارقة هنا أن هذه السياسة قد جلبت على إيران متاعب جمة وضعتها في مواجهة ليس مع الغرب والولايات المتحدة الأميركية فقط، وهي الدول التي ترى في «اسرائيل» امتدادا لمصالحها المتبادلة، بل في تعارض كبير مع بعض دول المحيط العربي، ومع قطاع كبير من الفلسطينيين الذين رأوا في هذا الدعم تدخلا في شؤنهم الداخلية. وما قضية الملف النووي الإيراني إلا أحد إفرازات هذه الأيديولوجية السياسية التي يسعى الغرب والولايات المتحدة الأميركية من خلالها إلى تقويض النظام السياسي في إيران من داخله بخنقه اقتصاديا، وذلك على غرار ما حدث للمعسكر الاشتراكي، حيث كانت النقمة من تردي الأوضاع المعيشية سببا رئيسا للتخلص من النظام.

لهذه الأسباب أيضا ترى شريحة واسعة من الإيرانيين عدم جواز تحميل الشعب الإيراني وحده تبعات القضية الفلسطينية، ويتمسكون بخيار الوطن أولا كم هو الحال عليه في بقية الدول العربية والإسلامية الأخرى مثل تركيا وماليزيا.

أما على المستوى الإقليمي المرتبطة مصالحه بالمصالح الغربية فمن الطبيعي أن تتطابق مواقف معظم دول الإقليم مع المواقف الغربية تجاه إيران.

وقد انعكست هذه المواقف في مقولة الهلال الشيعي، وفي مواقف بعض الدول من مواطنيها وبالأخص أولئك الذين يشتركون مع إيران في المذهب، حيث تعتبر بعض هذه الدول فئة من مواطنيها، شاءوا أم أبوا، على أنهم امتداد للنفوذ الإيراني، وعليهم تحمُّل جزء من فاتورة هذا الصراع السياسي بأشكال عدة. وقد نتجت عن هذا الوضع المعقد شروخ في التآلف الوطني وفي العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

ومن الطبيعي أن يكون للدول الغربية و»إسرائيل»، المبتلية بعقدة الجنوب اللبناني، مصلحة ودورا في خلط الأوراق لفرض مزيد من العزلة والضغوط على النظام الإيراني. وهكذا يصبح الكيان الإسرائيلي هو المستفيد الأول من عقدة الخوف هذه تجاه إيران التي رأى فيها البعض خطرا يفوق الخطر الإسرائيلي.

وعلى صلة بالموضوع فلا غرابة أن تشهد هذه الحقبة بالذات انبعاثا غير مألوف لأفكار حقبة مظلمة تبرر للمسلم قتل أخيه، وتسخر لنشرها مكنة إعلامية هائلة تزرع الشك والخوف بين الناس من بعضهم بعضا، وتحول المجتمع الى كانتونات منفصلة وغير متجانسة.

وهكذا يستبدل الخوف من الخطر الإسرائيلي إلى الخوف من شركاء الوطن والعقيدة، ويتم إصدار فتاوى شرعية تبرر الشراكة مع غير المسلمين وتدعو لـ «إسرائيل» بالنصر على العدو الجديد المشترك.

ختاما، فإن اعتماد الأيديولوجية خيارا أوليا في السياسة وفي نظم إدارة الدولة هو توجه أثبتت الأحداث والتجارب الدولية عدم جدواه. وللتدليل على ذلك علينا مقارنة أوضاع المنطقة في الوقت الحاضر بما كانت عليه قبل العام 1979 حيث التشدد الأيديولوجي من جانب قد ولَّد تشددا أيديولوجيا مضادّا أكثر تطرفا وعنفا.

من جانب آخر فإن الواقعية السياسية في النظام العالمي ترجح المصالح الاقتصادية على المسائل الأيديولوجية. وقد تنبهت الصين التي مرت بأحداث مشابهة لهذا النهج في العلاقات الدولية بعد الأحداث التي شهدتها ساحة تياننميان في العام 1989، هذه الأحداث التي تعاطف معها قادة كبار في الحزب الشيوعي الصيني كالسكرتير العام للحزب زهو زيانغ وغيره، كادت أن تؤدي إلى تفكك هرم القيادة السياسية.

وقد رفع قادة المعارضة أيضا شعار الإصلاح السياسي والاقتصادي ومكافحة الفساد والتضخم. وبالرغم من السيطرة على الأوضاع إلا أن القيادة الصينية أدركت خطورة الوضع الذي استثمرته الدول الغربية المزهوة بنشوة تفكك الاتحاد السوفياتي، فقامت بمراجعة سياساتها وتبنت سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية أدت تدريجيا إلى تطبيق اقتصاد السوق وتخفيض القيود السياسية.

ومنذ العام 1990 والصين تشهد نموّا اقتصاديا غير مسبوق. فهل ستكون الاضطرابات التي تجري الآن في الجارة إيران درسا يستفاد منه لإعادة التوازن بين الأيديولوجية والسياسة؟

لو حدث ذلك لأراحت جمهورية إيران الإسلامية نفسها وأراحتنا نحن أهل الإقليم المتضررين من تبعات سياسية لا ناقة لنا فيها ولا جمل.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 2684 - الأحد 10 يناير 2010م الموافق 24 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 8:54 م

      زائر 3

      لم تجاوب على السؤال ثم قلت قوى اقليمية اخرى مثل ايران و تركيا فهمت اللعبة،
      وهل العرب من 48 إلى الان لم يفهموا اللعبة ثم ما دخل البحرين البلد الصغير في الموضوع عندما تقول
      (هناك من يريد ادخالكم في لعبة اقليمية قد تحرق البحرين و من عليها.)

    • زائر 3 | 3:05 م

      زائر 2

      العرب يحبون القضية الفلسطينية و لكنهم لا يحبون الفلسطينيين، و قوى اقليمية اخرى مثل ايران و تركيا فهمت اللعبة، و ها هي تريدان اختراق السوق. هي أشبه بالتجارة، و البسطاء و الشباب يصدقون كل ما يسمعون أو يقرؤون! اصحوا يا أهل البحرين، هناك من يريد ادخالكم في لعبة اقليمية قد تحرق البحرين و من عليها.

    • زائر 2 | 11:46 ص

      زائر (1)

      جهل أن القضية الفلسطينية وقف حصري للعرب. بواسطة: : زائر (1)
      وماذا قدم العرب للقضية الفلسطينيةمن 48 إلى الان

    • زائر 1 | 6:31 م

      مقال واقعي كسابقه

      و لكن أصحاب الرؤوس الحامية لا يفهمون هذا الكلام. أتفق مع الكاتب تماما فيما ذهب له في مقال الأمس و اليوم بخصوص الاحداث في ايران. و القضية الفلسطينية أصبحت تجارة لا تبور للأنظمة العربية و اليوم نرى إيران و تركيا يريدان اقتحام السوق و تسويق بضاعتهما، و ذلك نابع من جهل أن القضية الفلسطينية وقف حصري للعرب.

اقرأ ايضاً