العدد 2684 - الأحد 10 يناير 2010م الموافق 24 محرم 1431هـ

قراءة لصور فوتوغرافية على حائط السياسة الإيرانية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أسبوع كتبت عن الزيجات السياسية (المنفرطة العقد) في إيران. وخلصت إلى أن جزءا من مُسبّباتها هو ذهاب سكينتها التاريخية المنتظِمَة بعد ضربة الرئيس أحمدي نجاد لها قُبيل الانتخابات الرئاسية العاشرة (وقبلها أيضا). اليوم أقوّي من ذلك التشخيص عبر رسم مشهده الحقيقي داخل السلطة.

ولأن الخلاف السياسي قد امتدت تمظهراته لحدّ التفسير المُجزّأ للتصريحات والمواقف وحتى لهزّة الكتف والإيماءة، بل وحتى لقَنَصَات وسائل الإعلام، فإني أبدأ اليوم بعرض صورة درامية وتفاعليّة لكنها في الحقيقة عاكِسة لذات الإشكال السياسي القائم.

بل إنها أصبحت جزءا من المحدّدات التي تُقاس بها حدّة ونعومة العلاقات السياسية القائمة بين الأفراد والأحزاب. وهي في حقيقتها لا تخرج عن كونها فعلا كذلك، لأنها باتت مُستَعمَلة من قِبَل السياسيين أنفسهم في الداخل والخارج.

في ليلة السابع من شهر محرّم تبدأ من كلّ عام مراسم عزاء حسيني رسمي يقيمه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي في حسينية الإمام الخميني في طهران، ويحضره مسئولو النظام من الدرجات العليا والوسطى والدنيا وعدد من الشخصيات الدينية والفنية بشتّى مراتبها.

في الليلة الأولى جلس على يمين المُرشد كل من الرئيس أحمدي نجاد ثم رئيس البرلمان علي لاريجاني ثم مدّعي عام إيران الشيخ محسني إيجي. وعلى يسار المرشد جلس رئيس مجلس صيانة الدستور آية الله جنّتي ثم عضو مجلسي الدستور والخبراء هاشمي شاهرودي ثم نائب رئيس البرلمان محمد حسن أبو ترابي فرّ ثم رئيس المحكمة العليا آية الله محسن كركاني ثم رئيس السلطة القضائية آية الله صادق آملي لاريجاني.

في الليلة الثانية جلس على يسار المرشد آية الله محمد خامنئي ثم إمام جمعة مشهد وعضو مجلس الخبراء السيد أحمد علم الهدى. وعلى يمين المرشد جَلَسَ السيد حسن الخميني (حفيد الإمام الخميني) ثم رئيس مكتب التفتيش بمكتب المرشد الشيخ ناطق نوري، ثم النائب الأول لرئيس السلطة القضائية آية الله إبراهيم رئيسي ثم أمين عام مجمَع تشخيص مصلحة النظام الجنرال محسن رضائي.

في الليلة الثالثة جلس على يمين المرشد الأب الروحي لليمين المحافظ التقليدي آية الله مهدوي كني، وعضو مجلسي الخبراء والدستور آية الله إمامي كاشاني، والمدعي العام العسكري حجة الإسلام نيازي، وعضو البرلمان الشيخ مصباحي مقدّم ورئيس منظمة التفتيش الشيخ مصطفى بورمحمدي.

في صورة أخرى وأخيرة وخلال اجتماع مجمع تشخيص مصلحة النظام، جلس على يمين هاشمي رفسنجاني آية الله صادق آملي لاريجاني، يليه الشيخ ناطق نوري، وعلى يساره جلس آية الله هاشمي شاهرودي، ثم الجنرال محسن رضائي.

وفي المقاعد المتقابلة جلس آية الله إمامي كاشاني، وعضو مجلس الخبراء آية الله دري نجف آبادي، وعضو مجلس الخبراء ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية بمجمع التشخيص حجة الإسلام حسن روحاني، وعضو مجلس الخبراء وسادن الروضة الرضوية آية الله واعظ طبسي.

كما حضَر آية الله أحمد جنتي، ومستشار المرشد للشئون الدولية علي أكبر ولايتي، ونائب رئيس الجمهورية السابق محمد رضا عارف، وعضو مجلس النواب أحمد توكلي، وعضو مجلس الخبراء وإمام جمعة مدينة قم آية الله إبراهيم أميني، وعضو مجلس الخبراء وممثل الولي الفقيه في الحج آية الله محمدي ريشهري، وعضو مجلس الخبراء الشيخ مجيد أنصاري.

هذا المشهد الدرامي يفسّر العديد من الروابط السياسية المنفرطة العقد بين المسؤوليين السياسيين الإيرانيين. بالتأكيد فإن لهذه القراءة خلفيات مُساندة وتفسيرية، إلاّ أنها تعكس في النهاية واقع وصورة الطلاق السياسي الذي حصل.

في الليلة التي حضرها الرئيس أحمدي نجاد غاب خصومه من داخل التيار المحافظ عن الحضور. ناطق نوري الذي اتّهم نجاد أبناؤه في المناظرة التلفزيونية بالفساد، ومحسن رضائي منافسه في الانتخابات، ومصطفى بور محمّدي الذي كان وزيرا عنده للداخلية قبل أن يُقِيله.

وكان الحضور في ذلك المحضر يتمثّل في اليمين التقليدي (علي لاريجاني، أبوترابي، محسني إيجي) الذي وقّع هدنة مع الرئيس قبيل التصويت على الحكومة الحالية في البرلمان. أما الباقون فهم ممن بقيت علاقاتهم رمادية مع الرئيس أحمدي نجاد كصادق لاريجاني.

في الليلة التالية حَضَرَ اثنان من الغائبين (نوري، رضائي). وفي الثالثة حضر الغائب الثالث (بور محمّدي)، ومعه الناطق الرسمي باسم روحانيب مبارز مصباحي مقدّم وهو من أبرز قيادات اليمين التقليدي الذي أبعدت منه شخصيات كثيرة عن حكومة نجاد الأولى.

في مشهد اجتماع مجمع التشخيص الذي يرأسه دستوريا هاشمي رفسنجاني غابَ الرئيس أحمدي نجاد عن الاجتماع. وفي العادة يحضر رئيس الجمهورية مثل هذه الاجتماعات باعتباره عضوا أصيلا في المَجمَع، لكنه ومنذ الخلاف الذي حصل بين نجاد ورفسنجاني لم يعد يحضر الرئيس في اجتماعات المجمَع، وهي من أبرز المفارقات التي يُطبّل عليها التيار الإصلاحي المتطرف.

بالنسبة لبقية الأعضاء الحاضرين فإن الوفاق غائب أيضا بين الرئيس وبين كلّ من حسن روحاني (محافظ تقليدي) الذي أقاله من ملف المفاوضات النووية، ومحمد رضا عارف (إصلاحي معتدل) الذي كان نائبا لمحمد خاتمي، وأحمد توكّلي (محافظ تقليدي) الذي دائما ما يعترك مع أحمدي نجاد في برامجه الاقتصادية، والشيخ مجيد أنصاري (إصلاحي معتدل) المنتمي إلى «روحانيون مبارز» أحد أهم المخالفين لبرامج الرئيس.

هنا يتضّح أن علاقات الرئيس الداخلية على ثلاث صور: الأولى: مترديّة بينه وبين جزء كبير من المحافظين. والثانية: تصالحية براغماتية مع الجزء المتبقي من المحافظين لكنها قابلة لأن تسوء حين تقع أيّ إقالات قد يُجريها الرئيس داخل الحكومة (وخصوصا لوزارة التربية الذي ينتمي وزيرها للمحافظين التقليديين). وثالثة: رماديّة، لكنها غير مضمونة لأنها تحتمل المصيرين عند الأزمات.

وإذا كانت هناك من علاقات مستقرّة بين الرئيس وبين المجموعتين الثانية والثالثة فلأن التيار المحافظ ينتصر إلى النظام عند الأزمات. وحين تكون خلاصة موقفه الانحياز فهذا لا يعني وقوفا إلى جانب الرئيس بقدر ما هو مع الخيار الأوسع لحفظ السلطة.

في النهاية تبقى المفاضلة قائمة داخل تيار اليمين فقط. وربما تأخذ مساحة أكبر في المحاصصة والمحاسبة والتنازلات بين شخوصه وفرقائه. لكنها بالتأكيد لن تكون كذلك إذا ما جُمِعَ معها التيار الإصلاحي المتطرف الذي لم يعُد يشكّل أحد أضلاع المعادلة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2684 - الأحد 10 يناير 2010م الموافق 24 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 1:56 م

      ماذا يعني الكاتب ؟

      ماذا يعني الكاتب ؟ هل يريد أن بنال من الرئيس الشجاع أحمدي نجاد ؟ واذا لم يكن بينه وبين كل هؤلاء وفاق فما العيب ؟ هل هم الشرعية للجمهورية الاسلامية ؟؟؟ بالتأكيد لا ... نجاد هو أفضل رئيس وصل إلى ايران منذ الشهيد رجائي

    • زائر 11 | 12:59 م

      ماذا بخصوص

      اشكر الكاتب المحترم على كتاباته المميزة والرصينة التي نفتقد امثالها في البحرين

    • زائر 9 | 7:20 ص

      شكراً للتحليل

      السلام عليكم، شكراً للتحليل والقراءة، ولكن نرجو منكم إعطاء قراءة لما قد يجري على الساحة الإيرانية خلال 2010م خصوصاً في ظل التعقيدات الداخلية، والمسرح الدولي.

    • زائر 10 | 7:20 ص

      شكراً للتحليل

      السلام عليكم، شكراً للتحليل والقراءة، ولكن نرجو منكم إعطاء قراءة لما قد يجري على الساحة الإيرانية خلال 2010م خصوصاً في ظل التعقيدات الداخلية، والمسرح الدولي.

    • زائر 8 | 6:58 ص

      يازائر 4

      الله لا يبارك فيك أنت!

    • زائر 7 | 6:50 ص

      خاتمي لم تكن معه الأحزاب الثمانية

      خاتمي لم تكن معه الأحزاب الثمانية عشر سوى حزبين لكنه فاز بأعلى الأصوات. هذا يعني أن التيارات شيء والقاعدة الشعبية شيء آخر

    • زائر 6 | 6:26 ص

      الى الزائر رقم 3

      في ايران كما في الدول التي تحتكم الى صوت الشعب بدون تزوير فإن صوت الغالبية هو الذي ينتصر بغض النظر عن رغبة كبار المسؤولين ولو لن الاعلام له دور ايضا في تأجيج النفوس مما قد يؤثر بطريقة ما على النتائج و هذا ما حدث في ايران. اما في دولنا السعيدة فإن رغبة ... هي التي تأتي بمن تريد بالانتخابات او بدونها

    • زائر 5 | 5:33 ص

      الله لا يبارك فيهم جميعا

      راية الطاغوت

    • زائر 4 | 5:32 ص

      كيف فاز نجاد

      اذا نصف المحافظين مو وياه وخصوم له كيف فاز نجاد يعني اكيد الانتخابات مزورة

    • زائر 2 | 1:56 ص

      سبزززززززززززززززز براي ايران

      في النهاية يا اخي الكريم لا يصح الا الصحيح

    • زائر 1 | 6:39 م

      الله يكون بعون نجاد

      الغبي ما ترك له صديق، لا من المحافظين و لا من الإصلاحيين. يستاهل قلعته المغرور، الكل حاقرنه و مو عاطنة ويه.

اقرأ ايضاً