العدد 2684 - الأحد 10 يناير 2010م الموافق 24 محرم 1431هـ

مجلس الشورى عودة لابد منها (1)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حظي الموقف من المشاركة في انتخابات المجلس النيابي أو مقاطعتها بالكثير من الاهتمام من لدن أقطاب المعارضة، ما لم تنله أية قضية سياسية أخرى خلال الأعوام القليلة الماضية.

كما أسهب الكثير من تنظيماتها وأعضائها في معالجة المسائل التفصيلية الدقيقة في ذلك الشأن إلى حد دفع بالقضايا الأخرى بعيدا نحو الخلف.

وبالمقابل، كان الموقف من الشورى مجحفا إن كان ذلك من حيث الكم، أو على مستوى مدخل المعالجة، وعلى وجه الخصوص في صفوف المعارضة ذاتها التي اعتبرته، وبشكل مطلق، مؤسسة من مؤسسات الحكم، وامتدادا لواحد أو أكثر من أجهزته، وحرّضت، انسجاما مع ذلك التصنيف الذي أصبح اليوم بحاجة إلى إعادة النظر، إلى موقف سلبي مطلق منه. والمقصود بمجلس الشورى هنا، هو تلك الهيئة التي تشكلت بعد المشروع الإصلاحي المعمول به منذ مطلع هذا القرن.

في البدء، لابد من التأكيد على خطأ المدخلين السائدين الذين سيطرأ على محاور النقاشات التي تناولت تقويم مجلس الشورى الحالي، وتحوّل كل واحد منهما إلى ما يشبه المُسلَّمة التي باتت بحاجة إلى المراجعة:

الأول، وهو ذلك الذي تبناه الحكم، ومن يدور في فلكه من قوى وشخصيات، والذي نظر إلى الشورى بوصف كونه المؤسسة التشريعية التي ينبغي لها أن تمارس دور صمّام الأمان المستمر الذي يراقب نتائج الانتخابات، ويتولى حماية الحكم من أي «جنوح سياسي» قد يسلكه مجلس النواب، الذي لم يعد في وسع النظام التحكم في نتائج صناديق اقتراعه.

هذا التصنيف، دفع النظام إلى توخي الحيطة والحذر عند رسم الإطار العام لدور وصلاحيات مجلس الشورى، ووضع الكثير من مقاييس ضمان عند اختيار أعضاء مجلس الشورى وتنصيبهم، بحيث يضمن الحد الأدنى من الانحياز المطلوب لصالحه، والعمل قدر الإمكان كي تأتي تركيبة المجلس منسجمة مع توجهات النظام، وتمرير سياساته، دون أن يعني ذلك أن النظام قد نجح في تطويع كل من اختارهم كي يتحولوا إلى أدوات مسيّرة في يده، كما قد يتبادر إلى أذهان البعض منا.

أما الثاني، فهو الذي وضع مجلس الشورى في أقصى طرف المعادلة، فاعتبره، وبالمطلق، «بوقا عصريا من أبواق السلطة»، ومن ثم فهو حالة ميؤس منها مقدّما، عندما يتعلق الأمر بالتشريع أو سن القوانين، أو الموافقة على المراسيم.

مسيرة الشورى خلال سنوات الدورتين الأخيرتين، تثبتان تموضعه في منزلة بين منزلتين، فمن جهة لا بد من الإقرار بأن أعضاء مجلس الشورى قد وصلوا إلى مناصبهم بقرار تعيين، وليس عن طريق صناديق الاقتراع، حتى في صيغه البدائية، الأمر الذي يفقدهم نسبة عالية من شعبية هويتهم التمثيلية الانتخابية، ويفرض عليهم بعض أشكال المهادنة التي تقتضيها طبيعة العلاقة بين العضو المعيَّن (بفتح الياء)، والجهة المعيِّنة (بكسرها).

لكن مقابل ذلك، نجد أن هناك نسبة من بين أعضائه، التي لا ينبغي الاستهانة بها، أو الانتقاص من أهمية دورها الذي تمارسه، ممن حاولوا أن يتمردوا على قيود تلك العلاقة، ولو بشكل سلمي سلس لا تشوبه أية مسحة من التحدي للجهة التي أصدرت مرسوم تعيينهم، من أجل الوصول، ولو بشكل تدريجي تطوري وليس ثوري (Evolutionary and not Revolutionary)، إلى بعض الأهداف أو المكاسب لصالح المواطن، أو ربما أحيانا لمصالح أخرى قد تكون ضد مصلحة ذلك المواطن.

هذه النسبة لاتزال ضئيلة، ومحكومة بموازين القوى القائمة التي لاتزال في غير صالح المعارضة، لكنها في الوقت ذاته، قابلة للنمو، ولديها الاستعداد لتصليب مواقفها، متى ما نالت تعاون المعارضة أو حتى رعايتها واحتضانها.

هذه الحالة التي قد تبدو غير تقليدية في العمل السياسي، والبسيطة في مظاهرها، لكنها المعقدة في جوهرها، هي التي ينبغي أن تدفع قوى المعارضة السياسية كي تتعامل مع هذه المؤسسة من منطلقات غير تقليدية أيضا، وتعالجها من مداخل مختلفة نوعيا عن تلك المناهج الكلاسيكة التي واجهتها في مراحل سابقة.

فليس هناك من قرار أسهل من وضع مجلس الشورى، بكل أطره، وكامل أعضائه، وبجرة قلم، في خانة القوى المناهضة لمصالح الجماهير، والدعوة، بالتالي، لمقاطعته وبشكل مطلق، ونعت كل من هم فيه بكل الصفات السياسية والنظرية السيئة التي تخرجهم من دائرة المعارضة العريضة، وتدخلهم في دوائر السلطة الضيقة.

بهذا الإجراء تكون المعارضة قد أوصلت المجلس، بوعي أو بدون وعي، إلى المواقف التالية: أول تلك المواقف هو بثّ روح ما يمكن أن نسميه «الدّونية» في نفوس أعضاء مجلس الشورى ووضعهم في مرتبة سياسية أدنى من تلك التي يمكن أن ينزل إليها أي من أعضاء المجلس النيابي، الأمر الذي يخلق نوعا من المراتبية السياسية غير الحقيقية لأعضاء الثاني على حساب أعضاء الأول، الذين سيتحولون، وبشكل موضوعي، بعيدا عن إرادتهم، إلى معارضة من الدرجة الثانية إن لم يكن أدنى من ذلك.

أما الموقف الثاني فهو تحويل مجلس الشورى إلى لقمة سائغة في فم النظام يتحكم فيها كما يشاء، ويختار له هو دون سواه من يملك، من وجهة نظره الذاتية، الأحقية، ويتمتع بالمواصفات التي تبيح له الجلوس على مقاعد الشورى. وهي، أي المعارضة، تكون قد دفعت من خلال هذا التصنيف، بتلك الفئة القليلة المحدودة العدد من أعضاء الشورى، بإرادة حرّة من المعارضة من جهة، وعلى الرغم من أولئك الأعضاء من جهة ثانية، إلى الابتعاد عن أي شكل من أشكال المعارضة، مهما كانت باهتة أو محدودة، لأنهم لم يعد في وسعهم أن يطمحوا للانتساب إلى صفوف تلك المعارضة العريضة.

وثالث تلك الأوضاع هو ذلك الذي يجرّد المعارضة، ومرة أخرى، بمحض إرادتها من هيئة تشريعية، شاءت المعارضة أن تعترف أم أصرّت على النكران، تملك بين أيديها الكثير من الأوراق القوية والبطاقات الرابحة في ميادين التشريع المختلفة.

قد يعتبر البعض منا في هذا التشخيص نوعا من السذاجة السياسية، وقد يرى فيه البعض الآخر شكلا من أشكال محاولات تمييع النضال السياسي لصالح النظام، وضد مصلحة المواطن، وفي كل ذلك الكثير من الصحة، عندما يتم التعامل مع مجلس الشورى بشكل منفرد، وعلى نحو مقطوع عن النضالات الأخرى التي من الطبيعي أن تكون الساحة الرئيسية للأنشطة الأخرى المتنوعة التي تمارسها المعارضة بشكل مستمر ومتصاعد.

وإن كان الغرض من هذا الطرح هو دعوة المعارضة لإعادة النظر في موقفها من مجلس الشورى وطرق التعامل معه كمؤسسة وأفراد، فمن االطبيعي أن ذلك يدعو إلى طرح تلك الطرق على بساط البحث كي تشبع نقاشا من أجل إثرائها أولا، وسدّ ثغراتها ثانيا، وتعزيز إيجابياتها ثالثا وليس أخيرا. وهو الدافع وراء العودة لمناقشة الموضوع.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2684 - الأحد 10 يناير 2010م الموافق 24 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً