العدد 2683 - السبت 09 يناير 2010م الموافق 23 محرم 1431هـ

الحدود العربية الفلسطينية بين مفهوم الأمن وحقوق الجوار (2 - 2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

أول المشاكل التي تعرضت لها مصر من توسع بناء الأنفاق على الحدود مع غزة هو تهريب السلع التموينية المصرية التي تدعمها الدولة، ثم قيام المهربين بشرائها بأسعار زهيدة وتهريبها لغزة للإثراء وبيعها للمواطنين بأضعاف السعر أي أن المحصلة ليست مساعدة أهالي غزة البؤساء والمحاصرين وإنما إثراء نخبة من المهربين، والمشكلة الثانية قيام سلطات حماس بالتعاون مع حزب الله في تهريب السلاح إلى غزة وإلى مصر وخلية حزب الله كانت إحدى تلك الجماعات التي تم الإعلان عنها وليست الوحيدة فهناك خلايا أخرى تحت الرصد والمراقبة ولم يعلن عنها بعد.

أما المشكلة الثالثة فهي أظهرت عجز السلطات المصرية عن حماية حدودها عن طريق التهديدات من بعض قادة حماس باكتساح الحدود في أية لحظة، وهذا أساء لسمعة مصر الدولية، وإلى سلطاتها الأمنية، وفي البداية تغاضت مصر عن تلك الأنفاق تحت مقولة ضمنية هي السماح بإرسال أغذية لسكان غزة المحاصرين، ثم تحت مقولة حاجة أهالي غزة للأسلحة لمقاومة «إسرائيل»، ولكن عندما زاد الأمر وتفاقم ورفضت حماس التجاوب مع المساعي المصرية لتحقيق مصالحة فلسطينية بين حماس وفتح ورفضت حماس التوصل لاتفاق لمبادلة الأسرى، ولجأت تحت تأثير إيران وحزب الله إلى ألمانيا معتبرة أياها وسيطا نزيها، وبعبارة أخرى اتهمت ضمنيا مصر بأنها ليست وسيطا نزيها وأنها منحازة لحركة فتح وسلطة رام الله.

إذن كان من المنطقي أن تعمل مصر على حماية حدودها، لأن حماس حركة لا تملك من أمر نفسها شيئا فهي رهنت إرادتها لقوى خارجية ومصر لم يكن بمقدروها أن ترهن أمنها لإيران أو غيرها من القوى. أضف لذلك بروز حالة من عدم الثقة في أقوال حماس ووعودها وتصريحاتها لأنها لجأت إلى لعبتين التلاعب بالوقت، والتلاعب بالألفاظ، فقائد من حماس يصرح بأن الاتفاق، على وشك التوقيع خلال أيام، وأخرى يقول إن هناك كثير من المشاكل تواجه الاتفاق وهكذا أضاعت حماس ثقة المفاوض المصري تجاهها وثقة المجتمع الدولي في قدرة مصر على تحقيق تقدم لصالح القضية الفلسطينية بمصالحة بين حماس وفتح أو حتى بالإفراج عن الأسرى وفتح الحدود الإسرائيلية مع غزة.

ولكن التساؤل لماذا كل هذه الضجة ضد الإجراء المصري على حدودها؟ وفي تقديري أن السلطات المصرية كانت تعمل في هدوء لحماية حدودها وفي إطار تصورها المنطقي بأن عملها داخل حدودها، ومن ثم فليست مسئولة عن توضيح ما تفعله خاصة أن ذلك يرتبط بمفهوم الأمن المصري. ولكن أيضا في تقديري أن مصر أخطأت في تصورها هذا من ثلاث زوايا: أولها إنها نسيت البعد النفسي الذي ارتبط بالسور العازل الذي أقامته «إسرائيل» في الضفة الغربية واقتطعت به أراضي فلسطينية. وحقيقة الإجراءات المصرية ليست سورا عازلا وليست في أراضي فلسطينية وإنما هي داخل الأراضي المصرية، وهنا جاء الخطأ المصري الثاني في عدم إدراك حماس جزءا من إستراتيجية قوى المعارضة والرفض العربي والإسلامي والذي له أبواق دعائية ضخمة يهمها الإساءة لمصر وتشويه صورتها وهو ما نجحت فيه جزئيا مستغلة الضعف الإعلامي المصري أو ربما التقدير المصري بأن عملها في أراضيها، وثالثها إن مصر لم تقم بما ينبغي لتوضيح حقيقة الأمر، وهو أنه لا توجد دولة في العالم لا تعمل ما في وسعها لحماية حدودها، وثانيها إن هذا العمل ليس حصارا على غزة لأن الممرات العديدة الشرعية بين مصر وغزة مفتوحة للأفراد وللسلع، وثالثها إن سلطة حماس يمكنها حل كل مشاكلها لو أدركت طبيعة العمل السياسي والقانوني المستقل، وليس رهن إرادتها والأكثر سوءا في الموقف هو ارتباط حماس بحركة الأخوان المسلمين المحظورة في مصر منذ الخمسينيات أي منذ الخمسينيات أي منذ عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر. والفكر السياسي للإخوان وغيرها من الجماعات الإسلامية أيا كانت مذاهبها هو فكر ديني خاطئ ومشوّه لا يؤمن بالديمقراطية ولا بالمجتمع المدني، وعبرت حماس صراحة عن ذلك في رفضها إجراء انتخابات نيابية ورئاسية في فلسطين في يناير/ كانون الثاني الجاري، وهو اقتراح السلطة الفلسطينية أي أن هذه الجماعات تصل للسلطة بانتخابات حرة نزيهة هي الأخيرة، وترفض التخلي عنها لأية قوة أخرى. وهذا الأمر يحتاج نقلة فكرية نوعية وليس مجرد رفع شعارات ديمقراطية شكلا واستبدادية موضوعا. كما يحتاج لقراءة صحيحة للفكر والشريعة الإسلامية فليس هناك كهنوت في الإسلام والدولة وسلطاتها في الإسلام هي دولة مدنية ولم يتولَّ رجال الدين أو الفقهاء السلطة وإنما تولاها رجال سياسة طوال تاريخ الحضارة الإسلامية وعمل هؤلاء بإرادة الشعب في ظل الخلافة الرشيدة أو بالقمع والقهر بعد ذلك.

هذا باختصار مأزق الحدود المصرية الفلسطينية وهو مأزق حقيقي مرجعه عدم احترام حماس لتعهداتها والتزاماتها ورهن إرادتها لصالح قوى معادية لمصر. وهو ما استدعى أن تمارس مصر سيادتها على أراضيها وأدى ذلك كله إلى استمرار الانقسام الفلسطيني، الأمر الذي رحبت به «إسرائيل» التي لا ترغب في حل لهذه القضية، وكما لعبت حماس بعامل الزمن لرفض المصالحة ورفض تسليم أو تبادل الأسرى والاستمرار في السلطة ترفض «إسرائيل» أية جهود استئناف عملية السلام أو حل القضية الفلسطينية. الخلاصة أن حماس لا تعمل لصالح القضية الفلسطينية، وإنما لصالح قوى إقليمية عربية وإسلامية، ولصالح قوى صهيونية تسعى لفرض أمرين جوهريين أولهما جعل «إسرائيل» دولة يهودية أي طرد عرب 1948 أو إخضاعهم وتحويلهم إلى عبيد لدى «إسرائيل» أو ترحيلهم وفقا لمخططات مجموعة الأزمات الدولية إلى غزة ثم سيناء أي تحويل القضية الفلسطينية الإسرائيلية إلى قضية مصرية فلسطينية، وثانيهما أن يتم خلق مشكلة جديدة لأمن مصر بالتواجد الفلسطيني في سيناء وتحويلها إلى بؤرة إرهابية ضد الأمن المصري، لأن «إسرائيل» وقوى إقليمية تريد أن تعيد عقارب الساعة للوراء وتدفع «إسرائيل» لاحتلال سيناء مجددا وهو ما تدركه مصر تماما، ولذلك رفضت أية استفزازات إسرائيلية، وهي ترفض التجاوب مع أية استفزازات من غزة أو من الدول التي تقف وراء غزة بهدف ضرب الأمن المصري، وضرب النشاط الاقتصادي المصري في سيناء. لقد تعلمت مصر الدرس من العام 1967 عندما استدرجتها آنذاك قوى عربية بدعوى وجود حشود «إسرائيل» على أراضيها، وبدعوى أن «إسرائيل» تمر في خليج العقبة، وكان جمال عبدالناصر زعيما قوميا عربيا بالغ الحساسية تجاه ذلك وهكذا اندفعت مصر آنذاك تحت هذا الاستدراج ووقعت الكارثة. مصر اليوم ترفض هذا الاستدراج وتدرك أبعاده وتعرف النوايا الخفية للدول والقوى التي تقف وراءه. وتعرف كيف توازن بين أمنها الوطني ومفاهيمها القومية العروبية والتزاماتها تجاه أخواتها وأشقائها الفلسطينية في حدود التزاماتها الدولية.

إن المنطقي أن يتعلم قادة حماس وغيرها من الفلسطينيين طبيعة اللعبة الدولية التي تقوم على ضرب الفصائل الفلسطينية بعضها بعضا وعلى إيجاد شرخ بين الفلسطينيين ومصر.

إن أيدي مصر غير ملطّخة بدماء أبناء فلسطين على غرار دول أخرى تلطّخت أيديها بدماء مخيمات فلسطينية وتدعي رفعها لشعارات قومية أو إسلامية

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2683 - السبت 09 يناير 2010م الموافق 23 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:26 ص

      وتبقى مصر وغزة وتسقط إسرائيل رغم نعيق البوم!

      السفير د. عبدالله الأشعل، صحيفة المصريون 9/1/2010
      فى مصر الآن فريقان: فريق البوم والغربان الذين ينوحون على جثة مصر وخرائبها ويسعدهم ألا تقوم لها قائمة وأن تظل نصيراً للمشروع الصهيونى، ويرون فى ذلك مصلحتها حتى لو ضحت بكل شئ فى سبيل هذا الهدف "النبيل"، وفريق الوطنيين العقلاء الذين يحرصون على التمسك ببوصلة المصلحة المصرية الحقيقية وسط الخرائب والنعيق ورائحة الخراب.

اقرأ ايضاً