لا شك أن المتتبع لإنشاء ترتيبات أمنية جديدة على الحدود المصرية الفلسطينية، وخاصة مع قطاع غزة وردود الفعل التي تعاقبت من قبل حركة حماس وغيرها من قطاعات فلسطينية وعربية بل ودولية، فضلا عن ردود الفعل المصرية على المستويات الرسمية والحزبية والشعبية وبين المثقفين، يشعر المرء بنوع شديد من الحزن والأسى. ولعل مرجع ذلك ثلاثة اعتبارات:
الأول: إن مصر ضحّت من أجل القضية الفلسطينية وماتزال تضحّي ليس فقط بأموالها، بل وأيضا بأبنائها من رجال القوات المسلحة والشرطة، بل من المواطنين العاديين من أبناء سيناء وغيرها من مناطق مصر. والذين قتلوا على أيدي سلطات غزة ومواطنيها بإيعاز خاص من تلك السلطات.
الثاني: إن مواقف مصر القومية والوطنية ومساندتها للشعب الفلسطيني في المحافل الدولية تم إهدارها من قبل بعض الفضائيات ومحترفيها، وكذلك محترفي الظهور الإعلامي والسياسي، مثال السيد غالوي الذي يقود ما يسمى بقافلة شريان الحياة والذي لو كان صادقا فلماذا لم يقم بذلك في الماضي وضد «إسرائيل» وعدوانها. إنه شخصية خلافية ومهتمة بالظهور الإعلامي.
الثالث: إن مصداقية النوايا المصرية الحقيقية جرى التشكيك فيها بل والطعن فيها وفي انتمائها القومي وهويتها العربية. ويتجلى ذلك كله في العديد من الكتابات والمواقع الإلكترونية والرسائل الإلكترونية التي هي مدفوعة بأغراض خفية أو تقع فريسة دعاية دون معرفة حقيقية بالأحداث وبالقانون الدولي.
وفي تقديري أنه لا يمكن أن نلوم الآخرين على أخطائنا أو تصرفاتنا إذا كانت غير واضحة أو في غير توقيتها فالجنة كما يقال ليست بالضرورة مضمونة لمن يعمل صالحا، كما أن النار دائما مفروشة بالنوايا الحسنة، ولكن شتان ما بين النوايا الطيبة وحسن الظن وبين الأفعال وردود الأفعال.
ولعل ذلك كله يمثل معضلة الحدود المصرية الفلسطينية وتشير الأبعاد تلك المعضلة في إيجاز شديد وتتمثل هذه الأبعاد في الأول، البعد التاريخي فغزو مصر في معظم تاريخها الطويل جاء عبر سيناء وغزوات قليلة جاءت من الحدود الأخرى. ولهذا فإن التهديد الأمني لمصر عبر سيناء هو تهديد حقيقي، حتى هذه اللحظة منذ قيام «إسرائيل»، واستمرار عدوانها على مصر والعرب، بما في ذلك اغتصابها للأراضي الفلسطينية. والبعد الثاني هو التهديد المستقبلي عبر مشروعات جادة وحقيقية تم الترويج لها في الماضي وتجدد الترويج لها عبر دراسة قامت بها مؤخرا مجموعة دولية تسمى المجموعة الدولية لإدارة الأزمات، والتي أعدت تقريرا في الفترة الماضية عن سيناء واقترحت أحد الحلول للقضية الفلسطينية توطين الفلسطينيين في سيناء.
ولعل مصر منذ عهد الثورة بل وقبلها في ظل العهد الملكي ادركت هذه النوايا العدوانية على حساب سيادتها وأمنها، ولذلك فإن دخولها في حرب فلسطين الأولى وإشرافها على قطاع غزة بعد تلك الحرب وحتى العام 1967 لم تقرر ضمها لمصر، بل حافظت لها على كيانها المستقل تحت الإدارة العسكرية المصرية. بل وحافظت لها على اقتصادها المستقل كمنطقة حرة ولذلك كان يتم تهريب السلع عبر أراضي غزة لمصر.
واليوم فإن الذي يفرض الحصار على غزة برا وبحرا وجوا هو «إسرائيل» وليست مصر ولكن الذين لا يعرفون الحقائق أو يرغبون في تشويهها يرددون العكس.
أما البعد الثالث فهو معاناة شعب غزة من جراء الحصار الإسرائيلي ومن جراء عناء الحكومة الفلسطينية المقالة والتي تتولى إدارة قطاع غزة. هذا الحصار وذلك العناد هو الذي أدى لتفاقم الأوضاع الاقتصادية في القطاع وحرب «إسرائيل» العدوانية ضدها العام 2008-2009 وفرض حصار أوروبي وأميركي على التعامل معها والتحليل العلمي الموضوعي لذلك هو أن معاناة شعب غزة مرجعها أخطاء قيادة حماس من ثلاثة زوايا.
أولاها أنها جاءت في انتخابات حرة ديمقراطية نزيهة على أساس مرجعية اتفاق أوسلو فأول ما فعلته هو التنكر لاتفاق أوسلو وما أعقبه من اتفاقات وأدى ذلك لردود فعل مضادة بفرض مقاطعتها من الدول الأوروبية و«إسرائيل».
أما الزاوية الثانية فهي قيامها بانقلاب دموي ضد السلطة الفلسطينية في رام الله بقيادة محمود عباس، وحبس رجال أمن السلطة في سجون أشرفت عليها حماس، كما قتلت عددا منهم، من أنصار فتح بالطبع فإن حركة حماس لها مبررها الذي تقوله إن سلطة رام الله حبست بعض أنصار حماس في غزة وفي الضفة، ولكن لو أخذنا المنطق القانوني فإن الخطأ لا يتم إصلاحه بخطأ أكثر جسامة، وإنما بأسلوب القانون وإجراءاته.
الزاوية الثالثة هي ارتماء حماس في حضن إيران وانتهاجها سياستها وسياسة قادة حماس في دمشق الذين تأثروا بالسياسة السورية.
وكما هو معروف فإن لكل من إيران وسورية أولوياتهما ومصالحهما التي تتقاطع مع المصالح الفلسطينية ولذلك كان من ثوابت العمل الفلسطيني البعد عن الصراعات والخلافات بين الدول العربية ولكن حركة حماس خرقت تلك الثوابت الفلسطينية في الانضواء تحت جناح إيران وسورية، ومن ثم سمحت لنفسها بأن تكون مجرد ورقة من أوراق الدبلوماسية الإيرانية في صراعها مع الولايات المتحدة، ومن أوراق الدبلوماسية السورية في طموحاتها الإقليمية، وهكذا رهنت حماس نفسها عمليا وقضية شعب فلسطين ومعاناة أهالي غزة لمصلحة إيران وسورية وعلاقتهما الدولية (أي الولايات المتحدة) والإقليمية، أي في سعي كل منهما لدور إقليمي يتماشى مع طموحاتهما. هذا مع إدراكنا أن مصالح إيران وسورية ليست متطابقة تماما، ولكنها بينهما مساحة من الاختلاف ولكن القاسم المشترك هو أن كل منهما تدرك أنها سوف تتخلى عن الأخرى في حالة توصلها إلى مصالح مع الولايات المتحدة، وبالطبع سوف تتخليان عن حماس.
ولكن حماس في ظل أخطائها الإستراتيجية، سعت لمعالجة موقفها بأسلوب تكتيكي دعائي بالغ الخطورة بالضغط على مصر التي هي ذات مصلحة استراتيجية معها بوجه خاص باعتبار غزة على الحدود المصرية، ومع القضية الفلسطينية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من مفهوم الأمن القومي العربي الذي تتبناه مصر عمليا وليست مجرد شعارات، ونقول عمليا لأن مصر هي التي تتحرك فعليا على الساحة الدولية لمصلحة القضية سواء في علاقاتها مع الولايات المتحدة أو أوروبا أو حتى «إسرائيل».
وجاء الخطأ التكتيكي من حماس من تصرفات ثلاث على الأقل. أولها الهجوم على الحدود المصرية وتكسيرها كما لو كانت مصر هي التي تحتل غزة وليست «إسرائيل»، وهذا الانتهاك للحدود وقتل بعض رجال شرطة الحدود، أثار حفيظة القيادة المصرية والشعب المصري، وثانيها التورط في عملية تهريب الأموال والسلع ليس فقط عبر الحدود المصرية بطريقة علنية كما حدث في القبض على أبوزهري أحد قيادات حماس ومصادرة ما لديه من أموال أخذها عن طريق مصر في عودته لغزة.
وعملية تهريب الأموال من منطق حماس لها مبررها بسبب الحصار، ولكن من وجهة نظر مصر والمجتمع الدولي هي تهريب في إطار غسيل الأموال، وفي إطار المكاسب الشخصية لنخبة من الحكام في غزة.
وتفاقم الأمر بقيام جماعات التهريب ببناء إنفاق تحت الأرض غير معروفة على وجه الدقة عددها، ولكن أقل الأعداد المذكورة أنها 120 نفقا وأكثرها أنها تزيد عن ألف نفق، وتلك الأنفاق تتراوح في اتساعها من سماحها بمرور الأفراد إلى مرور السيارات الصغيرة إلى مرور الشاحنات، وهذا أدى إلى ثلاثة مشاكل لمصر.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 2682 - الجمعة 08 يناير 2010م الموافق 22 محرم 1431هـ
لا تفهم العاقل(عبد علي عباس البصري)
لا أحد ينكر الجهاد الذي قادته مصر لوحدها لتحرير فلسطين ونحن نفخر بهذه الشيمه العربيه الاسلاميه رحم الله شهدائهم ، فهل من الشيمه العربيه ان اقتل اخي جوعا؟؟؟؟. واما ان حماس ارتأت سياسه سوريا فالله عليك! فاما مصر وسوريا عربيتان تحبان فلسطين ،او انهما غير عربيتان ولا تحبان فلسطين فكليهما خاضتا حرب من اجل فلسطين .انفاق لتهريب السيارات والشاحنات وين هاي صارت الله يهديك !!! . اذا كانت فلسطين حق مغتصب فليس من الضروري ان يكون المطالب به عربي فالقضيه اسلاميه في شمولها يا اخى العرب.