شدّني تصريح صادر عن أنمار الصافي مدير الإعلام بشركة الموانئ العراقية عن ظروف الملاحة في بلاد الرافدين. الصافي قال «خرائط المسوحات تشير إلى وجود أكثر من 80 غارقا (سفن غارقة) تمتد من جسر خالد شمال ميناء المعقل إلى نهاية الميناء العميق في قناة خور عبدالله حتى خور الزبير».
ويضيف الصافي بأن «تلك الغوارق ألحقت خسائر مالية كبيرة بالشركة، وأثّرت سلبا في التغيير الجغرافي فغيّرت اتجاه التيارات البحرية وانجراف التربة وتآكلها، ونشوء جُزر في بعض مناطق مجرى شط العرب، وانحراف باتجاه الأراضي العراقية، مما أدى إلى تآكل الجرف العراقي.
حسنا. يُطرَح هنا إشكال منهجي. فإذا كانت أزمة العراق من إرهاب وقتل وتهجير وصراعات تجري على جزء من يابسته فإن فوهة مياهه «البصراويّة» بقيت هامدة. سبعة أعوام والأميركان والبريطانيين متمركزون في مدينة البصرة ويتحكّمون في موانئها الخمسة، فما الذي حقّقوه هناك؟!
دائما ما أتساءل؟ لماذا لم يُصبح العراق كأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية؟ أو بتحسين السؤال: لماذا لم يشرع الأميركيون والبريطانيون في «مَرْشَلَة» العراق على غرار ما فعلوه لأوروبا بعد تدشين مشروع مارشال في 5 يونيو/ حزيران من العام 1947؟!
لماذا أصبح جرح العراق أكثر نزفا من نزفه القديم؟ لا يُقال لنا اليوم بأن دول الجوار هي من تتسبّب في إغراق العراق بالدم وعدم الاستقرار، فذلك الجوار في معظمه حليف لواشنطن، وتستطيع الأخيرة أن ترفع سبّابتها ليكفّ أولئك عن فِعلهِم إن كان ذلك صحيحا.
في الحالة الألمانية بعد الحرب الكونية الثانية، لم يكن هناك جوار حليف للغرب من الجهة الشرقية، بل كان هناك عدو مُنغّص (الاتحاد السوفياتي) شاطره حتى الأرض بشكل رسمي وقانوني. وتقاسم معه أوروبا، ثم قاسمه جزءا من دولها (ألمانيا الغربية البونيّة/ ألمانيا الشرقية البرلينية).
وحتى مع استذكار ما فعله الأميركيون في ألمانيا (مجزرة دريسدن) ومآسي الأسر الألماني التي كانت تتمّ كجزء من الثأر المُبرمَج، إلاّ أنهم (أي الأميركيين) لم يمنعوا عن ألمانيا الصناعات والابتكارات الحديثة التي كانت لديهم. ولم تتحسّس واشنطن من تحوّل دول أوروبية بعد سنوات قليلة إلى دول عظمى ونووية باستثناء ألمانيا بسبب ظروف النازية الخاصة.
لكن ما يجري اليوم في العراق فإنه مختلف تماما. يُباع البلد معدّات عسكرية قديمة وبالية يتم استقدامها من ثكنات الجيوش الأوروبية الشرقية المنتهية الصلاحية لكي يحارب بها الإرهاب، ويحمي بها حدوده المترامية.
إذا كانت موجة البرد القاسية التي ضربت أوروبا بين العامين 1946 - 1947 وما لحقها من كساد اقتصادي هي من أنجبت مثل ذلك العطف الأميركي على الأوروبيين، أفلا يحقّ للعراق الذي قضمته ثلاثة حروب دامية وقدّم مليون قتيل من ناسه وأربعة ملايين مهجّر بعد الاحتلال أن يُعطَف عليه كالآخرين؟!
تشير التدوينات التاريخية الأوربية إلى أنه ومنذ الشهر السادس من العام 1948 وحتى يونيو من 1950 (أي بعد أربعة أعوام فقط من انطلاق مشروع مارشال) ارتفع مؤشر الإنتاج العام في أوروبا إلى 115 بالمئة مقارنة بـ 77 في المئة في العام 1946 و87 في المئة في العام 1947 (راجع ما كتبه ديفيد دبليو. إيلوود).
لكن ومع مرور سبعة أعوام على تغيّر النظام في العراق لازالت الأمور الاقتصادية رتيبة. والسيطرة على الفساد متراخية، وآليات ضبط الأمن غائبة. فإذا كانت الولايات المتحدة استطاعت أن تُنجد أوروبا ومساحتها التي تزيد عن الـ 10 ملايين كم فلِمَ تعجز عن نجدة ودعم العراق الذي لا تتجاوز مساحته الـ 438 ألف كم؟! بالتأكيد هو سؤال مشروع.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2680 - الأربعاء 06 يناير 2010م الموافق 20 محرم 1431هـ
بارك الله فيك
دائما متميز يا استاذ محمد
أعتقد بأن
أعتقد بأن موجات تسونامي من تدبير إيران . غلق معبر رفح من تدبير إيران . كذلك اغتيال نشطاء حماس وفتح من تدبير إيران وليس من التنسيق الأمني .. أتصور ان فتنة الجزائر ومصر كذلك .. لا توجد جمجمة بها من الغباء مثل هذا التفكير
الجواب على أسئلتك
لأن العراق مليئ بالعملاء الإيرانيين، الذين ليس من مصلحتهم أن ينهض العراق و يصبح قويا، فكما تعرف فإن العراق و إيران ظلا يهددان بعضهما البعض منذ أكثر من 3000 سنة و ليس الأمر وليد اليوم. هذه دورة زمنية ليس إلا.