العدد 2680 - الأربعاء 06 يناير 2010م الموافق 20 محرم 1431هـ

هل أنت مصري أم عربي... جزائري أم بربري؟

«الجوهرة» سقطت في القاع وتحت الأرجل

عندما غزى صدام حسين الكويت وداس بجزمة العسكر المواثيق والقوانين والأعراف الدولية خرجت أصوات تلعن العروبة ومن ينادي بها...

وعندما فازت الجزائر على مصر «بكرة الأرجل» في مباراة التصفية لكأس العالم، طلعت أصوات تمسح الأرض بالعروبة وبمن ينتمي إليها، وصار كل فريق يفتش عن هوية أخرى له، كالفرعونية أو البربرية...

وعندما اغتيل الرئيس رفيق الحريري العام 2005 نادت أصوات بتحويل العداء من «إسرائيل» إلى سورية وأعلنوا انسحابهم من العروبة وبلاويها...

وعندما أفلس العقيد القذافي من الاستجابة لنداءاته ونظرياته الوحدوية أعلن يأسه من العروبة واستدار نحو إفريقيا مطّلقا العروبة بالثلاث...

هل أنت عربي أم مصري، وهل أنت جزائري أم بربري؟

أسئلة مازالت تحتمل الكلام والعذاب الذي ابتليت بها هذه الأمة التي كثر جلادوها ومن أبنائها حتى بدت كأنها «حمالة الأسية»...

كفر بالعروبة أم إعادة قراءة لها؟ ما جرى لم يكن عفويا لدى النخبة العربية التي قادت معركة الانفصال الطوعي... استطلاع الرأي العام المصري يقول بالتوجه نحو إفريقيا وأوروبا أو بعلاقات أفضل مع تركيا والهند والصين!

الانسلاخ عن الهوية دعوة تلقى تجاوبا وصدى من الرأي العام في لحظات الإنكسار التي تتعرض لها أية دولة، فتروح تبحث عن مأوى آخر لها جذور قد تجد فيه تعويضا عن ذلك الرابط العروبي...

فالشعوب في الأوقات الحرجة والفاصلة تصاب بالصدمة التي لم تكن متوقعة، كأن تغزو دولة قوية بعسكرها دولة أقل شأنا منها كما حصل في الكويت العام 1990...

إذا نزعت العروبة عن تلك الدول فماذا يتبقى لها؟ وهل المشكلة بفكرة العروبة أم بالنظام العربي الذي ينظر إليه كتعبير عن الهوية والانتماء أم بماذا؟

ثمة من سخر من الدعوة بخسارة العروبة إذا خسرت دولة «ماتش كوره» مع دولة عربية شقيقة... وثمة من شعر بأن العروبة لم تضف إليه شيئا ولم تعطه ما يحتاجه ولم تكن يوماّ ذات مصلحة مباشرة تتصل بحياته وبمستقبله، وهذا ما من شأنه القول بأن العروبة إذا ما بقيت في إطار الانتماء الجغرافي واللغة فلن تصمد كثيرا أمام العواصف التي تهب على المنطقة بين وقت وآخر...

إذن ماذا يجمع الشامي بالمغربي، وماذا يجمع الخليجي بالمشرقي؟ هل يكفي أن يتحدثوا لغة عربية فصحى واحدة؟ أو يتعايشون بجوار بعضهم بعضا وينتمي معظمهم إلى الإسلام مع أن هناك أقليات وجماعات تدين بالمسيحية واليهودية؟

عندما توجد مصلحة مشتركة حقيقية على الأرض قد تتغير النظرة من قبل الشعوب على الأقل، وعندما يشعر اليمني أو اللبناني أو المغربي أن انتماءه العروبي يعود عليه بالنفع ويرتبط به من خلال الدراسة أو الوظيفة أو التنقل أو السفر، أو الدخول والخروج من الحدود الفاصلة، عندها قد تتراجع لديه فكرة الكفر والانسحاب من هذا الانتماء للهوية التي نالت من اللكمات ما يجعلها تئن وتعجز عن الحراك...

الابتعاد عن العروبة سيعني الارتماء في أحضان قوى إقليمية غير عربية أو دولية وهو بالمفهوم السياسي الارتهان للخارج الذي لن يتوافق مع هذه الكيانات سوى من باب خدمة مصالح الطرف الأقوى، وهذا ما حصل بالعلاقة مع «إسرائيل» أو مع إيران أو مع تركيا وبالدول العظمى كأميركا والإنجليز وسواهم....

الخروج من مكونات الوجود لم يفض إلى صيغة توفق بين الهوية الجغرافية وهوية المصالح، البعض وصل به الأمر إلى أن يطلب استئجار بعض الجزر في المحيط الكاريبي ليبني له دولة هناك لا تمت للعرب أو للعروبة بشيء وكانت تعبيرا عن حالة يأس أصابت مجموعات عروبية من شدة المآسي التي تعرضت إليها على يد عروبيين أشقاء لها في الدم!

قد تكون هناك فجوات وأخطاء بين مصر والآخرين أو بين الجزائر وعرب المشرق، وقد تحصل مآسٍ بين النظام السوري والشعب اللبناني وهذا واقع، وهناك تداخل بين كل تلك الشعوب، فمثلا يوجد على الأقل نحو 5 ملايين مواطن مصري منتشرون في البلدان العربية ونحو مليون لبناني من تلك الأقطار وأكثر من مليوني سوري ويمني يتوزعون في الداخل العربي... وهؤلاء معرضون للاختطاف في أي وقت في حال حدوث أزمة سياسية أو خلاف عربي يدفعون هم ثمنه... والمشهد الليبي ليس ببعيد عندما قامت الشاحنات بتحميل آلاف من الفلسطينيين والمصريين ونقلهم إلى الحدود المصرية لإبعادهم...!

حال الأنظمة ليس بأحسن مما هو بين الشعوب فالغيرة والحسد والتنابذ والاستصغار من قبل الأقوى هو السائد وهي حالة ساهمت في تعميق الهوة بين الشعوب...

الباحثون في الشأن العربي يتساءلون كيف يمكن أن يتوحد الإماراتي مع السوداني والجزائري ولا تربطهم سكة حديد أو قطار؟ كيف يمكن أن يكون للعرب وزن سياسي أو اقتصادي إذا لم يكن بمقدورهم إنشاء كتلة اقتصادية وسياسية على غرار الاتحاد الأوروبي والكتل الإقليمية الناشئة...

تراجعت القومية العربية في الوقت الذي طغت فيه «الحالة القطرية» وهو تراجع يعود في جزء كبير منه لعدم وجود كيان ومؤسسات سياسية واقتصادية وعسكرية تجمع هذا التشتت العربي الذي هجر العروبة منذ زمن وراح يبحث عن حلفاء وأقوياء من الخارج...

الأزمة اليمنية اليوم تعبِّر عن ضعف هذا الكيان وتخبطه وانقسامه، فبدلا من المشاركة والدخول في حل الصراع اختلف الأفرقاء على حجم الدور الإيراني وتأثيراته... والأجندة العربية مليئة بالمحطات الكارثية التي تعمق فيها هذا الانقسام والتقاتل، من كمب ديفيد إلى الحرب الأهلية في لبنان إلى مشكلة العراق وغزو الكويت والأزمة الفلسطينية المريرة... كان العرب فيها متباعدين بل متقاتلين...

الخريطة العربية تغيرت وموازين القوى كذلك، ومكامن الثروة أصابها تعديل، فلم تعد القوة بالعسكر ولا بالجغرافيا، بل باتت بالمنطقة النفطية الساخنة وهي منطقة ليس للعرب فيها حضور قوي أو فعال...

ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها العروبة للاختبار فعلى مدى عقود كانت موضع اختبارات مفجعة، وفيها تغدو العروبة كالممسحة، الكل يدوس عليها غير آبه ولا خائف ولا مهتم، بل عنده الشعور بالتعصب لقطريته فوق أي اعتبار...

هناك من استدعى العروبة ليقوم بجلدها من دون أن يعي بأن الظروف تغيرت على الأرض ولم تعد تقاس المسألة بالشعارات والمشاعر والتمنيات...

الواقعية السياسية لازالت غائبة عن تفكير النخب وأصحاب الرأي مثلما هي غائبة عن ثقافة الشارع الذي تحركه الغرائز والشحن الفضائي والإعلام الذي يبحث دوما عن الإثارة...

الواقعية تفترض البحث بإعادة قراءة للعروبة وبمفاهيم مغايرة عن السابق تأخذ في الاعتبار التحديات التي تفرض على المنطقة العربية، تحديات العيش المشترك، تحديات النظم السياسية القائمة، تحديات العمل الاقتصادي المشترك؟

العروبة لم تعد الجوهرة التي يجري البحث عنها، هي الآن في القاع، تحتاج لمن يعيد انتشالها وتبييض وجهها وإعادة اللمعان للفكرة وللمشروع...

هل هزمت العروبة في ملاعب أم درمان وتحت أقدام الفريقين المصري والجزائري؟ الهزيمة لم تعد هي المقصد، الواقعة كشفت المستور والمخفي بعقلية الاستئثار والاستبداد ولعبة الأنظمة...

أن تكون عربيا في هذه الأيام صارت تهمة وملطشة وعبئا ثقيلا، توجب على «العقلاء» إن بقي منهم أحد، على طرح السؤال، لماذا وصلت الفكرة العربية إلى الانحدار؟ ليجيب بالعموميات من دون أن يضع إصبعه وعقله على الجرح وإن اعتبر البعض أن العروبة لابد وأن تؤسس على حقوق المواطنة والعدالة الاجتماعية بجميع أشكالها... وإلا ستبقى هي الخاسرة...

العدد 2680 - الأربعاء 06 يناير 2010م الموافق 20 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:15 ص

      التقوى هي الجنسية.

      لا تخطئ أيها الكاتب العزيز فحكومة البحرين باعت الجنسية البحرينية للهنود والباكستانيين والأفغانيين وجمع كبير من الجاليات العربية السورية والأردنية والمصرية وألخ، يعني مازال الكثيرين يتمنون الجنسية العربية بالأحرى الخليجية لأنها تدر عليهم ملايين الدنانير وغزو صدام للكويت لأنها بئر من النفط والحمدلله ذهب لمزبلة التاريخ بقى من يعيشون خلف الكواليس ودورهم قادم لا محالة فأما الزبد فيذهب جفاء، أنا بحراني أنتمي لهذه الأرض الرحبة التي خذلها زيد وعبيد من الناس إذ صارت مرتع لمن هب ودب من المجنسين.

اقرأ ايضاً