العدد 2680 - الأربعاء 06 يناير 2010م الموافق 20 محرم 1431هـ

عن الأجراس والمآذن

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

رفض عمر بن الخطاب (رض)، ثاني الخلفاء الراشدين، بعد احتلال القدس العام 635 ميلادية أن يصلّي في كنيسة القيامة رغم دعوته من قبل البطريرك صفرونيوس، خوفا من أن يعتبر رجاله ذلك سابقة لتحويل مكان العبادة هذا إلى مسجد، ويحرموا المسيحيين من حقهم في ممارسة دينهم بحريّة.

ورغم مرور 1400 سنة على ذلك كان الناس أحيانا أكثر تحضّرا وتسامحا وقتها مما هم عليه الآن في عالمنا الحاضر، حيث يبدو أن الحماسة والتوترات تترجَم إلى عودة للتطرف والتشدد وعدم التسامح الديني.

يشكّل النموذج الذي وضعه الخليفة عمر، الذي وضع مبدأ «أهل الذمة» وهو النظام الذي يحكِم حياة غير المسلمين بموجب القانون الإسلامي، يشكّل رمزا للعهد الذي يحمل اسمه، والذي وهب «أهل الكتاب» (وهو تعبير يشير إلى المسيحيين واليهود) الحق بالعيش في بلاد ذات غالبية مسلمة أو يحكمها المسلمون، وامتلاك أماكن عبادتهم الخاصة بهم. هل بالإمكان تصوّر القدس أو حلب أو القاهرة أو بغداد أو دمشق أو تونس أو الجزائر أو الدار البيضاء بدون زينة أبراج الكنائس والمآذن وأحيانا قباب المعابد اليهودية ترنو إلى السماء مثل أدراج ترشد صلوات المؤمنين إلى ربهم؟

يوفّر الشرق الأوسط المعقّد من الحقبات الغابرة درسا بسيطا لليوم، يصعب أحيانا تتبّعه لأنه يجد نفسه مليئا بالتناقضات ومحاولات باتجاه الاتساق والتماثل الديني.

يخاطر هذا الوضع الذي جسّدته سويسرا يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني بتبنيها قانونا يمنع بناء المآذن على أرضها، بتشجيع رفض «الآخر» والحق غير المشروط في الصلاة حسبما يرغب المرء.

لو لم يكن الأمر مأسويا لاعتبرناه تافها. يصعُب فهم كيف يمكن لسويسرا، وهي دولة تفخر بحيادها منذ قرون عديدة أن تشعر أن وجودها وثقافتها مهددان ببناء المآذن.

بغضّ النظر عن العوامل التي ألهمت سنّ هذا القانون، يشعر الكثيرون أن نتائجه تعبّر بشكل مبدئي عن رفض للإسلام وحق المسلمين في ممارسة شعائرهم بحرية أينما كانوا.

إلا أن نتائج الاستفتاء السويسري لا تؤثّر على المسلمين فحسب رغم أنهم ضحاياه الرئيسيون. فهي تخاطر كذلك بمأسسة ما يسمى بصدام الحضارات، تاركين الأمر للمواطنين أو ممثليهم المنتخبين لرسم أساليب الحياة والعقليات على أنها مهمة الغالبيات الديمغرافية.

بوجود هذا النوع من التبرير المنطقي، يمكن لمنع بناء المآذن في دول يشكّل فيها المسلمون غالبية، أن ينطبق على بناء الكنائس أو المعابد اليهودية في دول ذات غالبية مسلمة. وفي هذا المعرض، يخاطر التماثل العرقي الديني واعتبار الدين وحدة قائمة بحد ذاتها، بإحياء مفهوم ما بعد الإصلاح لشعب واحد ودولة واحدة ودين واحد، تقرر فيها ديانة الحاكم دين الدولة كلها.

ويعتبر التطبيق السخيف المنافي للعقل لهذا المبدأ مسئولا عن اختفاء الوقت الذي كانت إسبانيا معروفة فيه بدياناتها الثلاثة، وعندما جرى طرد اليهود والمسلمين الذين أجبروا على اعتناق المسيحية، ثم جرى التشكيك بأنهم فعلوا ذلك بالاسم فقط، في عصر النهضة، وهي حركة نتج عنها الإفقار الروحاني والمادي لشبه الجزيرة الإسبانية. ألهم المبدأ نفسه العديد من الأنظمة الاستبدادية في العصر الحديث، في مجال إزالة أية عناصر روحانية قد تهدد حكمهم. يعمل المبدأ نفسه اليوم في العديد من مناطق الكرة الأرضية حيث يُعتبر كونك عضوا في أقلية مرادفا لعدم المساواة.

لا يدرك هؤلاء الذين يعارضون بناء المآذن في سويسرا أنه يمكن أن يُنظَر إليهم في المستقبل مثل هؤلاء الذين أحرقوا المعابد اليهودية أو دمّروا الكنائس في ما كان يعرف بمنطقة الهلال الخصيب، أو في أماكن غيرها. من المفيد أن نتذكر أنه في كل مرة يتعرّض فيها مجتمع صغير للتهديد، يهوديا كان أم مسيحيا أو لا أدريا أو ملحدا، يمكن أن يتعرض آخرون للتهديد.

لقد انطلق التدهور اللولبي، وقد يضع آثاره الرهيبة ما لم نقف لإعادة التأكيد على أن الكرامة البارزة لكل مخلوق بشري وحق كل شخص مؤمن في الصلاة لربّه أو ربّها كما يراه أو تراها مناسبا، ليست حكرا على تصريح بالبناء.

مآذن جنيف لها نفس قيمة أجراس بازل، وقد حان الوقت ليتذكر الجميع ذلك.

* مؤلف وكاتب مقالات وعضو في تحالف الحضارات حصل مؤخرا على جائزة حقوق الإنسان للعام 2009، والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2680 - الأربعاء 06 يناير 2010م الموافق 20 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً